هل تذكرون «أحمد فتح الباب»؟ إنه الموظف الذى ذهب إلى مبنى مجمع التحرير لكى يتقدم بطلب لنقل طفليه من مدرسة بعيدة عن منزلهم إلى أخرى قريبة منه، فلا يجد له من اسمه نصيبا، فالأبواب التى طرقها كانت كلها موصدة.أوقعه حظه العاثر فى آلاعيب الموظفين وحيلهم الروتينية الشائعة فى التهرب من أداء المهام الموكلة إليهم، والتجهم الذى يعلو وجوههم أثناء التعامل مع الجمهور، طالب الخدمة الحكومية.أحد الموظفين يحيله إلى آخر، والآخر غير موجود أصلا، والثالث يؤدى فريضة الصلاة فى غير أى موعد مستحق لها. والموظفة مشغولة بالثرثرة فى التيفون وتنظيف الخضار الذى ستعود من العمل لإعداده فى المنزل. كل الإدارة المعنية بتلك المهمة، مشغولة بكل شىء، إلا القيام بها. ينتهى به المطاف فى جولة مخيبة للأمال فى دهاليز البيروقراطية المصرية بالفشل فى انجاز ما يريد، ويتحول من مواطن مسالم يسمع كلام الحكومة فيحدد النسل بطفلين فقط، ويعمل بتفان لتربيتهما، إلى متهم بممارسة الإرهاب. كان «أحمد فتح الباب» هو «عادل إمام» بطل فيلم «الإرهاب والكباب» الذى سخر فيه «وحيد حامد» و«شريف عرفة» من المعاناة البائسة شبه اليومية للمواطنين، فى التعامل مع الإدارات المنوط بها تقديم الخدمات الحكومية العامة. قبل ثلاثة أعوام وقعت فى الفخ الذى وقع فيه المواطن أحمد فتح الباب. ذهبت فى الصباح الباكر، كما كان ينصحنى دائما الصديق حلمى شعراوى، إلى وحدة مرور العجوزة لكى أجدد رخصة سيارتى، بعدما قررت أن أذهب هذه المرة بمفردى دون طلب واسطة، ودون معاونة من زملائى الصحفيين الذين يمثلون صحفهم فى وزارة الداخلية. أمضيت ذلك الصباح، اتنقل من مكتب إلى آخر، ومن موظف مجهد عابس الوجه، ضائق بالعمل، لا قدرة له على الكلام، إلى موظف آخر أكثر إجهادا. ومن مكان ضيق مكدس بالملفات التى يعلوها التراب، ومكتظ بجمهور لا هم له إلا التسابق لإنهاء حاجته بتخطى دوره، ورفض الاستجابة للموظف المنهك البائس بأن يصطف فى طابور مستقيم، ليأخذ كل مواطن حقه بأقدمية الاصطفاف. لم أتمالك نفسى من الإشفاق على الاثنين معا، الموظف المسكين الذى لا يمكن أن ينجز عمله بالسرعة الممكنة بمفرده وبامكانيات محدودة، والجمهور الفوضوى الذى يظن أن فوضاه ستنهى له ماجاء لانجازه بسرعة تفوق غيره، قبل أن يكتشف، بعد أن أضطر الموظف لغلق مكتبه ورفض مواصلة العمل حتى تتوقف تلك الفوضى ويكف الجمهور عن التزاحم والهياج، أنها قد عطلته وأخرته!. أنهيت مهمة تجديد الرخصة بمشقة الركض بين المكاتب لمدة ست ساعات، وعدت إلى المنزل عصرا ألعن الواسطة وأتململ أن لا خير يرجى ولا عدل سوف يقام مع انتشارها، لكى تسمح لغيرى ممن تواجدوا معى فى الوحدة المرورية ووفدوا إليها بعدى بساعات، لإنهاء المهمة قبلى بشكل أكثر يسرا فى الجهد، وأسرع فى الوقت، وأليق فى التعامل. وقبل يومين لومت نفسى المغرمة بجلد الذات، لعدم الاستعانة بواسطة، تيسر لى المهمة وأنا اتجه لنفس المكان، وحدة مرور العجوزة لتجديد رخصة سيارتى المنتهية. وقبل أن ألعن الغباء الذى دفعنى لذلك، ويمتلئ قلبى بالشفقة على ما سوف ألاقيه طوال اليوم من إجهاد، بعد أن زاد عمرى ثلاث سنوات، وخطى الشيب شعر رأسى، فاجأتنى وحدة المرور بما لا أتوقع. نظام صارم ملزم للجميع ينهى المهام المطلوبة بسرعة فائقة. ابتسامات صادقة ودودة ومرحبة من الضباط والعاملين ترشد الجمهور لأماكن الخطوات المطلوبة منهم، والتى أضحى معظمها مميكنا اليكترونيا، مما اختصر الوقت والجهد معا. قاعات انتظار واسعة ومكيفة ونظيفة، ومكاتب مريحة للعاملين بها لا اكتظاظ فيها. وكان الجمهور هو المفاجأة الثانية، فما كان محالا أصبح حقيقة، فحين يسود النظام ويسرى العدل، ويلوح أن حبل الفساد غير ممتد وأوشك على الاهتراء، فإن الجمهور فى بيئة تحفل بالدفء والإنسانية وتعامل الجميع كسواسية، يلتزم بالنظام، ويحترم القانون، وينحنى تبجيلا لمن ينفذونه. قبل أكثر من عام قامت الدنيا ولم تقعد دفاعا عما يقولون أنه دفاع عن الفن، عندما قال الرئيس السيسى وهو يطلق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية أن فيلم الإرهاب والكباب جعل من البلد خصما للمواطن، بينما السلبية هى الخصم. ولأننى غير هؤلاء الذين يقتنصون الكلمات ويخرجونها من سياقها لغرض سيئ فى النفوس، فقد فهمت من تعليق الرئيس، ما أراد الفيلم أن يقوله، وهو أن هناك سلبيات فى الأداء الحكومى، وأن استمرارها هو ما يشق على الناس ويصعب عليهم حياتهم، ويشيد جسورا بينهم وبين من يحكمونهم. وكشأن البنائين العظام، وضع الرئيس السيسى فى المشروع الذى يقوده الخطوات اللازمة لمواجهة تلك السلبيات، فكان ما حدث من تغير فى الحجر والبشر فى وحدة مرور العجوزة، وفى غيرها من مؤسسات الخدمة العامة فى أنحاء الجمهورية التى أخذت تشق طريقها من الفشل والظلام، إلى النجاح والنور.