كانت تجربة جمال عبد الناصر هائلة في حياة هذه الأمة وفي زماننا المعاصر كله وقد أيدته الجماهير دون تحفظ مرات وتحفظت مرات أخرى وغضبت عليه في بعض المواقف, وغفرت له في مواقف أخرى لقد أيدته بغير تحفظ في حرب السويس ورضيت عنه في ندائه للعدالة الاجتماعية، وعاتبته في تجاوز السلطة، وغضب عليه عام 1967، وغفرت له في حرب الاستنزاف. إن ناصر يملك الشجاعة ويملك الثقة في جماهير الشعب المصري والعربي ونجده قاسيا في نقد التجربة ونقد تصرفاته هو نفسه في القيادة، ومن يعود إلى محاضر جلسات اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي بعد 67 نجد هذا النقد المرير المصحوب بالصراحة والموضوعية، وهكذا تكون القيادة وتصرفات الزعيم ليقود شعبه في مرحلة عصيبة من مراحل نضال الأمة, وقاد البلاد في أقصي الظروف إلى الصمود والتلاحم والتصدي للعدوان وتحمل الشعب المصري أعباء المرحلة الاقتصادية والمعيشية بكل شجاعة وصبر لأنه كان يري في قائدة الشجاعة والإخلاص وأن مقدرات بلاده وعوائد جهده توزع بالعدل على العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة. وليس توزع علي حفنة قليلة تمتص عرق الشعب العامل. ورغم العدوان وقسوة الهزيمة فإن شرعية ناصر بقيت صامدة شامخة، يقول الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين في كتابه "شرعية السلطة في العالم العربي", كيف نتعرف على وجود هذه الشرعية من عدم وجودها وقد قلنا إنها غير القانونية وغير السطوة وغير الأشكال الدستورية". ويمضي الأستاذ الكبير قائلا يمكن أن تكون الاجابة غاية في السهولة ولنلجأ فقط إلى حس الناس البسيط وفطرتهم السليمة ما هو شعورهم العام لدي الحكم القائم لديهم؟؟ هل يشعرون أنه يمثلهم, يناسبهم ينتمي إليهم؟ إذن فالحكم شرعي (بصرف النظر عن الموافقة أو المعارضة لبعض القرارات فهذا أمر عادي)، وهل يشعرون بغربة مع نظام حكمهم, بعزله عنه, بانقطاع الصلة بينهم وبينه؟ اذن فهو حكم لا شرعية له.. انتهي كلام الاستاذ. ومن هناك كانت شرعية ناصر راسخة في وجدان هذا الشعب لأنه كان يشعر به وبالأمة وآماله، يقول ناصر في احتفالات عيد الثورة 1970 – رغم المعركة العسكرية وأعباء الدفاع فأننا أنجزنا بناء السد العالي ومجمع الحديد والصلب, وهكذا تكون مشروعات التنمية الإنتاجية العظيمة.. ومع مرور أكثر من خمسين عامًا فانه ما زال يتعرض إلى حملات الكراهية من اليمين المصري و العربي لان مشروعه للتنمية يكشف مساوئهم واستغلالهم وفساد تصرفاتهم.