الصاروخ الذى سقط فى الأراضى البولندية وأدى إلى مقتل اثنين من المواطنين البولنديين، أثناء قصف صاروخى روسى مكثف على أوكرانيا، هو صاروخ روسي، لكن من الذى أطلقه وهل جاء من روسيا أم من جانب أوكراني، لأن أوكرانيا لديها وسائل دفاع جوى روسية، وهو صاروخ روسي من طراز إس – 300، ولا يوجد تأكيد على نوايا روسية فى قصف الأراضى البولندية، بل أذهب لأبعد من ذلك وأقول إن روسيا تجنبت منذ بداية العملية العسكرية ضرب غرب أوكرانيا ربما مخافة مثل تلك الأحداث وحتى لا يتسع ميدان المواجهة، أو لأن روسيا لا تريد مواجهة مع الغرب بهذه القوة والحجم (حلف الناتو)، فهى لديها أمل فى أن يقوم الغرب بتسوية الأزمة، لأنه كما تقول روسيا هو فقط الذى ينفذ الرئيس الأوكرانى تعليماته بحذافيرها وفق سيرجى ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسى، ونفت روسيا من البداية إطلاقها صواريخ تجاه بولندا، وطالبت بالاشتراك فى التحقيقات المتعلقة بالحادث. وعلى ما يبدو أن عدم الرغبة فى التصعيد متبادلة من الطرفين، فقد نقلت وسائل الإعلام البولندية عن الرئيس البولندى أنجى دودا قوله، "إن الحادث هو الأول من نوعه، ومن غير المتوقع تكراره". على أثر الحادث أجرى الرئيس البولندى مباحثات مكثفة مع حلفائه فقد أجرى مباحثات مع الرئيس بايدن وزيلينسكى رئيس أوكرانيا (أرسل وفداً من الخبراء لحضور التحقيق) وسكرتير عام حلف الناتو ستولتنبرج، مع استمرار التحقيقات فى انتظار التشاور بين الأعضاء وفق المادة الرابعة من معاهدة حلف الناتو، كما عقد مجلس الأمن القومى البولندى اجتماعاً لمناقشة الأمر، وأكدت وزارة الخارجية البولندية أن الصاروخ هو روسى الصنع، غير أن الرئيس البولندى أشار إلى أنه لا يستطيع القول حتى الآن من أطلقه. رسالة للناتو كانت روسيا يوم الثلاثاء الماضى قد قامت بقصف صاروخى مكثف على الأراضى الأوكرانية، تقول روسيا إن الهدف منه إجبار أوكرانيا على السلام، أو ربما رداً على الشروط التى أعلنها الرئيس زيلينسكى فى خطابه لقمة العشرين، لكن فى تصورى ربما كانت روسيا كذلك تريد إرسال رسالة للدول الأعضاء فى الناتو أو لتلك التى على أعتاب الانضمام أو حتى دول مثل أوكرانيا وجورجيا من دول الاتحاد السوفيتى السابق المشتاقة للانضمام، أن الناتو وقف عاجزاً عن اتخاذ إجراء مع روسيا، هذا على فرض أن هناك قصفًا روسيًّا حدث، لكن من وجهة نظري لابد من التحقيقات، وإذا كان هناك قصف روسى متعمد فسيكون على دول الناتو اتخاذ إجراء فالمسألة تمس سمعة الحلف، فى المقابل أعلن الرئيس البولندى أن على بلاده الاستعداد لعدم تكرار ما حدث، ولست أدرى ما إذا كان هذا تهديدًا أم لإعداد رد مناسب من الحلف على روسيا، لكن الذى لا شك فيه لا روسيا ولا الحلف لهما مصلحة فى التصعيد فى الوقت الراهن. الانفجار الذى حدث فى بولندا كان فى الرابعة عصراً فى قرية "بشيفودوف" الحدودية مع أوكرانيا، الانفجار أدى لمصرع مواطنين اثنين من بولندا، وكانت الخارجية البولندية قد أعلنت مباشرة أن ما حدث هو نتيجة سقوط صاروخ من إنتاج روسى ودعا السفير الروسى لتوضيح الأمر. غير أن تصريحات الرئيس بايدن الذى طلب التحقيق فى الأمر قبل توجيه أى اتهام أو تفعيل أى مادة من مواد اتفاق حلف الناتو يجب أن يأخذ مكانه وهل ستكون المادة 4 المتعلقة بالتشاور، أم المادة 5 التى تفسر الأمر على أنه اعتداء وهو يعتبر اعتداء على بقية دول الحلف، ومن ثم يجب اتخاذ إجراء عسكرى. استعدادات عسكرية بولندا شددت من استعداداتها العسكرية فى القرية التى حدث فيها الانفجار، والرئيس البولندى طمأن مواطنيه بأنه ليست هناك دلائل على أن الأمر سيتكرر. وزارة الدفاع الروسية صرحت بأنه لم تقع أى صواريخ روسية فوق بولندا، واعتبر المتحدث باسم الوزارة بأن المسألة لا تعدو أن تكون استفزازاً، وأن روسيا لم تقصف أهدافاً بالقرب من الحدود الأوكرانية – البولندية من الأصل. على صعيد آخر أعلنت وزارة الدفاع المجرية وهى الدولة التى تقع كذلك على الحدود مع أوكرانيا ولديها موقف متفرد داخل الاتحاد الأوروبى متعلق بالعقوبات الأوروبية على روسيا، من أنها لن تقوم باتخاذ أى إجراءات احترازية على الحدود مع أوكرانيا ويبدو أن المجر لا ترى ضرورة لذلك، ويبدو أنها تدرك مدى المبالغة البولندية فيما يتعلق بسقوط الصاروخ، أو تعرف ما تعرفه دول أخرى، من المعروف أن المجر ترفض تصعيد العقوبات على روسيا وتدعو للتخفيف منها كما أن لها اتفاقيات مع روسيا لتوريد الغاز والنفط بموافقة الاتحاد الأوروبى نتيجة عدم وجود إطلالة لها على البحر مما يصعب عليها الحصول على المحروقات بوسائل أخرى باستثناء الأنابيب الروسية، وروسيا من جانبها تشجعها على ذلك لأن من مصلحتها إحداث انشقاق فى الجبهة الغربية المواجهة لها. محادثات ستارت من المؤكد فى هذا الموقف أنه لا الغرب ولا روسيا يريدان التصعيد فيما يتعلق بسقوط الصاروخ الروسى الصنع على بولندا مهما كان مصدره، الرئيس الأمريكى الذى يسعى لاستئناف محادثات "ستارت" للحد من الأسلحة النووية مع روسيا والتى ستعقد لأول مرة فى القاهرة كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، أشار إلى أن "احتمال ضعيف أن يكون الصاروخ قد أطلق من روسيا" وهذا أظهر بما لا يدع مجالاً لأي شك أن الطرفين لا يريدان التصعيد، كما أن الحادث مؤشر مهم على أن الحرب من الممكن أن يتسع نطاقها فى أى وقت، "ماذا لو تكرر الحادث؟" و"ماذا لو أثبتت التحقيقات ضلوع روسيا فيه عن قصد؟"، على أى حال روسيا طلبت الاشتراك فى التحقيق لكنها لم تتلق ردًا إيجابيًا حتى الآن وأعتقد أن الغرب لا يرغب فى ذلك بشدة، لأنه كما قلت يريد أن يحتفظ بورقة "إدانة لروسيا" تظهرها بمظهر من اعتدى على حلف الناتو، وأنه سيخوض حربًا دفاعًا عن أعضائه وفق قوانينه وميثاقه، مما يعطى الحلف الحق فى الرد. البعض تناول الحادث بشكل عسكرى صرف، وقال إن الصاروخ الذى وصل إلى حدود الناتو فى بولندا أثبت بما لا يدع مجالاً للشك عدم جهوزية منظومة الدفاع الصاروخي لحلف الناتو، رغم أن منظومة المتابعة للحلف تعمل فى الوقت الراهن بأقصى طاقتها، لكن فى كل الأحوال ورغم الجدل الذى أتصور أنه سيستمر لفترة ليس قصيرة قادمة، فإن الحادث قد طوته الولاياتالمتحدة والرئيس بايدن، بل ودفنوا احتمالية دور لروسيا فى الهجوم على بولندا، والرئيس إردوغان الشريك المهم لروسيا نفى أى شبهة تمس روسيا فى هذا الأمر ونفى التهمة تمامًا عن روسيا. الطائرة والصاروخ لكن هنا وبمناسبة هذا الحادث دعونا نتذكر حادث لطائرة روسية والصاروخ كان أوكرانى من إنتاج روسي من طراز إس – 300 وأثناء مناورات عسكرية أوكرانية بالقرب من منطقة البحر الأسود، حينها أصاب الصاروخ (الذى تمتلكه أوكرانيا طائرة ركاب روسية) وقتل كل من فيها وتمت تسوية الأمر بسهولة، وحتى الرئيس الأوكرانى حينها ليونيد كوتشما أطلق مزحة بأن "الصاروخ روسى ولم يفهم اللغة الأوكرانية"، وهذا الرئيس هو الذى أطلق أول شعار للتفرقة بين الشعبين الروسى والأوكرانى، عندما أصدر كتاباً بعنوان "أوكرانيا ليست روسيا" قبيل انتهاء فترة رئاسته بفترة وجيزة، بعد هذا الكتاب لم تشهد العلاقات الروسية – الأوكرانية أى نوع من الهدوء، وانتهت بثورة البرتقالى التى لعب فيها الرئيس البولندى أيضاً الكسندر كفشنيفسكى دور العراب لصعود القوميين الأوكرانيين للسلطة، ولعبت فيها بولندا والاتحاد الأوروبى دور تخريبى، وتلا ذلك انقلاب 2014 الذى أطاح بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذى كانت روسيا تطمح لإعادته للسلطة مع بداية عمليتها العسكرية، هذا تاريخ وهذا ليس مكانه الآن من الممكن تأليف كتب عن تاريخ العداء بين روسيا وبولندا.