سعر الدولار اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025 فى بداية التعاملات    سعر الأسماك اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى المنيا    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى بداية التعاملات    تايلاند تعلن ارتفاع عدد القتلى إثر الاشتباكات الحدودية مع كمبوديا إلى 9    الأرصاد: استمرار تكاثر السحب حتى القاهرة وسقوط أمطار على مناطق متفرقة    تحريات لكشف تفاصيل مصرع طفلة وإصابة والدتها وشقيقها بعد تناول بسكويت بأكتوبر    قرار جمهوري بتعيين القاضي مجدى خفاجي رئيسا لمحكمة استئناف قنا    فنزويلا تتهم الولايات المتحدة بالسرقة والقرصنة الدولية بعد مصادرة ناقلة نفط قبالة سواحلها    الأونروا تحذر: أمطار غزة تفاقم المعاناة وتزيد مخاطر الأمراض    قوات الدفاع الجوى الروسية تدمر 287 طائرة مسيرة أوكرانية ليلا فوق مناطق عدة    مورينيو يكشف أسباب فوز بنفيكا على نابولي في دوري الأبطال    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    الفيدرالي الأمريكي يقرر خفض الفائدة لتصبح بين 3.5% و3.75%    في أول أيام عرضه، "الست" يحقق هذه الإيرادات بالسينمات أمس    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    ماسك يتحدث عن إلهان عمر وممداني والجحيم الشيوعي    مجلس النواب الأمريكي يصوّت بالأغلبية لصالح إلغاء قانون عقوبات "قيصر" ضد سوريا    DC تطرح أول بوستر رسمي لفيلم Supergirl    إسلام الكتاتني يكتب: الحضارة المصرية القديمة لم تكن وثنية    ناسا تفقد الاتصال بالمركبة مافن التي تدور حول المريخ منذ عقد    قرار جديد ضد المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة في النزهة    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    لأول مرة بمستشفى سامول، جراحة ناجحة لإزالة ورم 10×10 سم دون استئصال الرحم    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    التعاون الإسلامي: تُدين خطط الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية وتدعو المجتمع الدولي للتحرك    "شغّلني" تُطلق مشروع تشغيل شباب الصعيد بسوهاج وقنا    التعادل الإيجابي يحسم مباراة بروسيا دورتموند وبودو جليمت    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11ديسمبر 2025........مواعيد الأذان في محافظة المنيا    أرسنال يسحق كلوب بروج بثلاثية خارج الديار    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    منتخب مصر يواصل تدريباته بمركز المنتخبات الوطنية استعدادا لأمم إفريقيا (صور)    كرة طائرة - خسارة سيدات الزمالك أمام كونيجيليانو الإيطالي في ثاني مواجهات مونديال الأندية    البنك المركزي: معدل التضخم الأساسي السنوي يسجل 12.5% في نوفمبر 2025    الخطر الأكبر على مصر، عصام كامل يكشف ما يجب أن تخشاه الدولة قبل فوات الأوان (فيديو)    "امرأة هزت عرش التحدي".. الموسم الثاني من مسابقة المرأة الذهبية للمركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    المتهم بتجميع بطاقات الناخبين: «كنت بستعلم عن اللجان»    الرفق بالحيوان: تخصيص أرض لإيواء الكلاب الضالة أحد حلول انتشار هذه الظاهرة    "جنوب الوادي للأسمنت" و"العالمية للاستثمار" يتصدران ارتفاعات البورصة المصرية    4 فوائد للملح تدفعنا لتناوله ولكن بحذر    أعراض اعوجاج العمود الفقري وأسبابه ومخاطر ذلك    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    ضبط شاب ينتحل صفة أخصائى علاج طبيعى ويدير مركزا غير مرخص فى سوهاج    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    ساوندرز: ليفربول ألقى صلاح تحت الحافلة؟ تقاضى 60 مليون جنيه إسترليني    الأرقام تكشف.. كيف أنقذ صلاح ليفربول من سنوات الفشل إلى منصات التتويج.. فيديو    ترامب: الفساد في أوكرانيا متفشٍ وغياب الانتخابات يثير تساؤلات حول الديمقراطية    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    "الصحة" تكشف عن الفيروس الأكثر انتشارا بين المواطنين حاليا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طه حسين عصر من التنوير:رائد الاصلاح الاجتماعى .. وأول من نادى بدخول المرأة للجامعة
نشر في الأهالي يوم 06 - 04 - 2022

شكلت الجهود الفكرية لطه حسين، أحد ملامح مشروع التنوير العربي في القرن العشرين، وبعد هذه السنوات الطويلة على رحيله مازالت أعماله الأدبية والفكرية تمثل قاعدة يمكن البناء عليها لتأسيس ذائقة ثقافية جديدة، خاصة في ظل الحالة الثورية التي تعيشها بعض البلدان العربية .
لم تكن أفكار طه حسين منفصلة عن الواقع، بل متماسة معه، ونابعة من القضايا والإشكاليات التي يمر بها، لذا جاءت أفكاره في إطار تقدمي تهدف إلى نهضة حقيقية تقوم على علاقة جدلية بين الإنسان ومحيطه الاجتماعي، ولم يأت ذلك من فراغ، بل نتيجة لتراكم معرفي عميق، وثقافات متلاطمة، غاص فيها العميد حتى أصبح موسوعة في العلوم والفنون والآداب الفرنسية واللاتينية والعربية بالتأكيد .
التجديد في الفكر والرؤى كان السمة البارزة لتجربته الشاسعة والممتدة، لأكثر من ستين عاماً من الدراسة والبحث، والتنقيب، والكشف والرصد لأبعاد المكونات الذاتية التاريخية والاجتماعية والسياسية للثقافة العربية .
لذا كانت معظم أعمال طه حسين مثيرة للجدل، ومدعاة للتأويل نظرا لقدرته العالية على رسم الشخصيات الإبداعية، كما في رواياته دعاء الكروان، والأيام وهي واحدة من أجمل السير الذاتية التي كتبت على مدار تاريخ الأدب العربي بشكل عام .
ولعل أهم ما ميز العميد أنه كان يمتلك نظرة مستقبلية، تقوم على أسس عقلية تربط بين الماضي والحاضر، باعتبار أن كلا منهما مكمل للآخر ومبني عليه، وهذا ما نراه في كتابه مستقبل الثقافة في مصر والذي وضع فيه خطة لتطوير التعليم في مصر من خلال آليات عدة: من أهمها الاهتمام باللغة العربية، خاصة في ظل لحظة التغريب الشديدة التي أصبحت تعاني منها، ولذلك يقول طه حسين وأنا من أجل هذا أدعو إلى أن تتولى الدولة إعداد المعلمين لها، يقصد اللغة العربية، وأنا من أجل هذا أدعو إلى أن تتولى الدولة بواسطة العلماء القادرين إصلاح علومها وتيسيرها والملاءمة بينها وبين الحياة الحديثة والعقل الحديث .
رؤية إصلاحية
فالإصلاح الثقافي الحقيقي من وجهة نظره يبدأ بالاهتمام باللغة كأداة للتعبير ولو صلحت اللغة لصلح حال التعليم: وأعتقد أن هذا الإصلاح شرط أساسي لإصلاح التعليم كله، فإنك حين تعلم في لغة من اللغات لن تبلغ من التعليم شيئا إذا لم تكن لغة هذا التعليم واضحة سهلة قريبة إلى العقول والقلوب، وأنا أريد كما يريد كثير من الناس أن يشدد على المعلمين في أن يصطنعوا اللغة الفصحى فيما يلقون على تلاميذهم من الدروس مهما تكن مادتها، ولكني أشفق أولا من أن يعجز المعلمون عن تحقيق هذه الأمنية لأنهم لا يحسنون اللغة العربية .
وإذا كان الحفاظ على اللغة العربية وعلومها كأساس لأي منهج تعليمي عربي، هو نوع من الحفاظ على التراث العربي العريق، فإن صاحب دعاء الكروان يطالب بالمثل بالاهتمام بالفنون العصرية وضرورة تعلمها مثل المسرح والسينما والتي يقول عنها: هذا الفن الطارئ على لغتنا العربية من أقوم الفنون الأدبية وأرقاها وأبلغها أثرا في إمتاع النفوس وتصفية الأذواق، وهو لا يتجه إلى النظارة وحدهم وإنما يتجه إليهم وإلى القراء أيضاً .
تشجيع المواهب
ومن النقاط التي كان يرى طه حسين أنها عامل مهم في أي إصلاح ثقافي إطلاق حريات الرأي والتعبير، وكذلك دور الدولة في تشجيع المواهب، وتقديم الجوائز للنابغين، وعلى حسب قوله: فلتشعر الدولة بواجبها ولتنظم للأدباء من الجوائز وألوان التشجيع ما هم في حاجة إليه، وليس هذا كل ما ينبغي أن يظفر به الأدب والأدباء من تشجيع الدولة والشعب، بل هناك شيء آخر لعله أعظم خطراً من المال وهو الحرية، فالأدباء عندنا ليسوا أحراراً لا بالقياس إلى الدولة ولا بالقياس إلى القراء ..
وإن مشروع طه حسين الفكري قد تحققت منه أجزاء كثيرة خاصة فيما يتعلق بمسألة التعليم، حيث كان يرى أن التعليم العام يكون هدفاً إذا ساعد على تكوين وجدان مشترك بين الجماعة المصرية، وكذلك دعوته بأن يتلقى المصريون تعليما موحداً، وكذلك مشروع مجانية التعليم وربما تحقق ذلك في عهده حين تولى وزارة المعارف في مصر في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات .
ومن الجهود الفكرية التي تحسب له أيضا موقفه من قضية المرأة، حيث إنه عندما كان أول عميد لكلية الآداب نادى بإدخال الفتيات إلى الجامعة وقد عانى من ذلك، شخصياً، فقد عزل من منصبه بسبب هذه الفكرة، لكن بفضله وبفضل فكره التقدمي دخلت المرأة المصرية الجامعة، ووجدنا في دفعاتها الأولى، في هذا الصدد، أسماء برزت بعد ذلك في حقل الأدب والصحافة والعلم أمثال د . سهير القلماوي ودرية شفيق وسميرة موسى وغيرهن .
وما ذهب إليه كان اتجاهاً إصلاحياً اجتماعياً نابعاً من أرض الواقع المصري، رغم ثقافته الفرنسية العميقة، إلا أن هدفه كان البحث عن سبيل لوحدة الثقافة الوطنية المصرية .
وعلى حد تعبير د . عبدالمنعم تليمة، فالبيان النهضوي لدى طه حسين قد انتظم مفردات واستخلاصات ومقولات ارتبطت بملابسات وقتية في زمانها، كما انتظم رؤى استراتيجية عامة تظل ما ظلت مرحلة النهوض العربي ساعية إلى تحقيق غايتها التاريخية .
ورغم أن هذه المقالات كتبت في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، إلا أنها تمتلك بعداً مستقبلياً تجعلها صالحة لكل زمان ومكان، فالديمقراطية والحرية عنصران أساسيان ومتلازمتان لأي وجود إنساني، وهنا نجد أن اللغة التي صاغ بها العميد عباراته واسعة الدلالة وعابرة للأزمنة، مما يجعل صوته التنويري باقيا، ويظل رهين الدرس والتحليل .
هذا عن الإصلاح الثقافي، أما عن الإصلاح السياسي فقد كان لعميد الأدب العربي حديث مطول عنه من خلال مجموعة من المقالات حول فكرة الديمقراطية، أكد فيها على أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد، إلى تحديث المجتمع وتحرير الوطن وتوحيد الأمة .
البعد الإنساني
ارتبط عميد الأدب العربي، طه حسين، توفي 28 أكتوبر 1973، بعلاقات طيبة مع أبناء جيله والأجيال التالية له، وهي علاقة قائمة على فكرة احترام الآخر ومبادلة الفكر بالفكر والرأي بالرأي، حتى ولو كانت هناك اختلافات في وجهات النظر حول القضايا الفكرية والسياسية أو الاجتماعية.
وتدلنا الرسائل المتبادلة بين صاحب «دعاء الكروان» ومجايليه وتلامذته على عمق ثقافة الطرفين، وعلى جمال الأسلوب الأدبي الذي كتبت به هذه الرسائل التي تعد وثائق أدبية مهمة.
ومنها الرسائل المتبادلة بينه وبين نجيب بك الهلالي، والتي تكشف عن ثقافة موسوعية وخبرة بالواقع في ذلك الوقت، يقول العميد في إحدى هذه الرسائل:
«أخي العزيز نجيب بك الهلالي: أكتب إليك بعد أن منعت نفسي من ذلك أياماً، فلو قد طاوعتها لوصلت إليك مني كتب يقفو بعضها إثر بعض، ولكنك رجل مشغول بالتحقيق، معني بأثقاله ومتاعبه، والحر في مصر شديد، وأخشى إن كتبت لك أن أضيف أثقالاً إلى أثقال وأن يحمل كتابي لفحة من لفحات هذا القيظ المحرق، فيمسك منه أذى لا أحبه، وأنا ضيق النفس إلى أقصى غايات الضيق فإذا كتبت إليك لم تحمل كتبي إلى نجيب ما أحب دائماً أن تحمله إليه عن هذا الحديث الصفو الذي تجري فيه الدعابة الهادئة الحلوة.
لذلك منعت نفسي من الكتابة إليك أياماً طوالا، ثم أصبحت اليوم لا أستطيع عن ذلك صبراً، وأظنك لا تكره من صديقك أن يكون أثراً من حين إلى حين، وأن يشفق على نفسه حين تثقل عليه أعباء الحياة فيتخفف منها بعض الشيء بالتحدث إلى صديقه، وإن كان هذا الصديق عنه في شغل، فإذا عرفت أن صديقك في القاهرة وحيد أو كالوحيد قد هجره أقرب الناس إليه وألصقهم به وأزورّ عنه من كان يتهالك عليه، وفر منه من لم يكن يطيق له فراقاً، وأصبح يستقبل الحزن مع ضوء الشمس ويعاشره طوال النهار، ثم يستقبل الهم مع ظلمة الليل ويقضي معه ساعة الأحلام لم تلمني حين أكتب إليك لأذكرك بأني لم أزل حياً في القاهرة أضطرب بين بيتي حزيناً ودار العمل، يظهر أن اليأس يريد أن يتخذها مسكناً ومستقلاً، فهذا العمل بدأته نشيطاً له مبتهجاً به لم يفلح إلى الآن، لأنه بدأ على غير هدى وفي غير نصح ولا إخلاص، ومضى في طريقه يخبط كمن أصابه مس من الشيطان، وقد كلفني والحمد لله نفقات ما كان ينبغي أن أتحملها ومشقة في النفس والجسم ما كان ينبغي أن أتعرض لبعضها، وكيد الخصوم مع ذلك متصل، ومكرهم يزيد من يوم إلى يوم، كأنهم يجدون لذة لا تعدلها لذة حين يضطرونني لا أقول إلى العجز، بل أقول إلى الفناء، وأنا مع ذلك أجاهد جهاداً عنيفاً لا ضير فيه ولا نفع، وأسأل نفسي كيف يكون المخرج من هذه الطريقة الملتوية التي لا علم فيها يهتدى به، ولا ظل فيها يطمئن إليه المسافر، إذا أخذه الجهد والإعياء، أرأيت أني لم أكن أستطيع أن أمنع نفسي عن الكتابة إليك أكثر مما منعتها، وأنه لا ينبغي لك أن تمضي في نسياني أو في الإعراض عني إلى أبعد مما مضيت، وإن كتاباً منك ولو قصيراً إن وصل إليّ خليق أن يحمل إليّ بعض الراحة، ويرفه عليّ بعض الشيء، وما أظنك تبخل بذلك على صديق آثرته دائماً بأصفى الود وأنقاه. وأما بعد، فإني أهدي إليك تحية يملؤها حب صادق لا تغيره الأحداث ولا تضعفه الخطوب».
طه حسين
ويبدو من هذه الرسالة مدى المحبة والصداقة التي ربطت بين صاحب «مستقبل الثقافة في مصر» وبين محامي الفقراء، وقد جمعت ما بين الاثنين صفة الريادة والجرأة في الرأي على المستويين السياسي والثقافي، وكلاهما كان في موقع المسؤولية أمام الشعب والتاريخ.
وقد ارتبط طه حسين بعلاقة صداقة مع رائد المسرح المصري، توفيق الحكيم، وتدل الرسائل المتبادلة بينهما على عمق أواصر الود، فهي مليئة بالأسئلة عن الكتابة والحياة والصحبة والنقد الاجتماعي للظواهر العارضة في ذلك العصر، ومنها هذه الرسالة من «الحكيم» يقول فيها:
«أخي الجليل: أكتب إليك من القاهرة والحر شديد، فهذا الصيف أيضاً قد مضى أكثره، ولم أظفر بإجازة، فقد عادت الحكومة إلى القاهرة تعمل بنشاط، ودعت كبار موظفيها إلى النزول من إجازتهم أو قطعها ليؤدوا واجبهم في خدمة الدولة المقبلة على أعمال كبيرة، فلم أر من المناسب ولا من الجائز أن أفكر في إجازة أو راحة، وإنما هي فترات في آخر كل أسبوع لو استطعنا اختلاسها للسفر إلى الإسكندرية نتبرد بنسيم البحر لكنت من السعداء.. أما السفر إلى البندقية فأمر بعيد المنال في الوقت الحاضر.
وهكذا كتب علينا البقاء في باب الخلق صيفين متواليين.. على أن أحداث مصر قد شغلتنا عن الحر والشعور بوطأته.. وهي أحداث أجل من أن توصف في خطاب، بل إني أرى الأدب عاجزاً عن تسجيل تلاحقها السريع، وإني لأسأل نفسي، ما هو واجب الأدب حيالها؟.
وأقصد بالأدب لا ذلك الشبيه السريع الذي يصدر عن وحي القصائد الشعرية والزجلية أو الصور الإذاعية.. ولكني أقصد الأدب الحق الذي يفهم ويهضم.. ماذا يستطيع أن يفعل هذا الأدب الآن؟، لقد قيل لي فيم سكوتك ومصر حولك تشهد أعجب صفحاتها في التاريخ الحديث؟، ولكن هل أنا ساكت حقاً.. إن كل شيء في رأسي ونفسي مضطرب ثائر.. وإني لأفكر في كل شيء كما لو كنت أنا المنوط به حل الأمور.. فأنا أعيش حياة بلادي الآن كما يعشها المواطن الصالح.. ولكني باعتباري أديباً أعترف أني لا أستطيع بعد شيئاً.. وما أهون أن أحمل القلم لأكتب مع الكاتبين وأؤلف مع المؤلفين، وأنشد مع المنشدين، ولكني لا أدري ماذا أكتب الآن وماذا أؤلف؟ إني في حاجة إلى أن أعيش أولاً هذه اللحظات.. أن أعيشها كإنسان وكمصري.. أرجو أن أعيشها مرة أخرى كأديب عندما يكتمل لي استيعاب أكثر نواحيها».
توفيق الحكيم
وفي رسالة أخرى أرسلها «الحكيم» في 31 أغسطس/آب 1936 بعد معاهدة «36» يقول فيها مخاطباً طه حسين:
«أهنئك أولاً باستقلال مصر، وأرجو بعد ذلك أن تنظر مصر قليلاً إلى وجهها في المرآة، وأن تتزين جسماً وروحاً حتى تكون خليقة بمكان شريف بين الدول الجالسة أمام مائدة الحضارة».
ويضيف الحكيم قائلاً في سياق الرسالة معلقاً على أحد كتب العميد «إنني كقارئ أستطيع أن أؤكد لك أنك قد كتبت شيئاً ينتزع مني الابتسامة المرحة الصافية حيناً والتأمل والتفكير والإعجاب أحياناً، ولم أضق لحظة ذرعاً بهذا الكلام اللذيذ وهذا الأسلوب السائغ الجميل».
وهناك رسائل من الأديبة «مي زيادة» صاحبة الصالون الأدبي الشهير في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، ومنها رسالة تهنئة للعميد بعد عودته إلى الجامعة المصرية مؤرخة بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1934: تقول فيها مي:
«يا أبا العلاء: مبروك، حقك يرد إليك كما يرد إلى الشباب المصري حقه عندك، أود أن أذكرك أني تنبأت بهذا في إيوان أبي الهول بتاريخ 12 يوليو/تموز، وكاهن أوزوريس يشهد.
قلت يومئذ إن الجامعة المصرية تستدعيك إليها خلال شهر نوفمبر، ولم يكن في ذلك الحين من حديث أو شبه حديث عن الأزمة التي ظهرت في الشهرين الأخيرين.
أتعد يا «أبا العلاء» و«فولتير» معاً، أتعد بتصديق إلهام المرأة بعد اليوم.
لقد كنت طوال هذه المدة رجلاً، وعرفت أن تتألم كرجل حقاً، لدي الآن كلمة واحدة أرجو أن تغتفر ما فيها من أنانية: «إني سعيدة».
«مي»
وقد تتلمذ على يد العميد أجيال متعددة، ساروا على مبادئ مدرسته الفكرية والأدبية ومنهم د. سهير القلماوي، وهي من أوائل المصريات اللاتي حصلن على الدكتوراه في الأدب، وقد أرسلت إلى أستاذها عدة رسائل وقت دراستها للدكتوراه في «السيربون» بفرنسا ومنها هذه الرسالة التي تقول فيها: وقد كتبتها في 17 يناير/كانون الثاني 1938.
«أستاذي العزيز: في غير خجل أعترف أن هذه هي المرة الخامسة على الأقل التي أبدأ فيها بالكتابة إليك، ثم لا أستطيع أن أذهب أبعد من سطر ثم أقف حائرة ماذا أقول، أأكتب عن حالي حقاً فتغير رأيك فيّ، أم أكتب لك كما أكتب هذه الخطابات التي أرسلها كل يوم تقريباً إلى أهلي، وكلها تفيض بشراً وحبوراً، وأنا أبعد الناس هذه الأيام عن البشر والحبور أو ما يقاربهما، إني لأعود إلى ما بدأت به في التفكير، فأقول ومالك أنت ومال هذه الإحساسات التي تجيش في صدري، ما بقيت أحاول جهدي أن أخفيها حتى على نفسي وأغتنم بتلك المحاولة، لم لا أخفيها عليك أنت فأكفي نفسي مؤونة حديث مؤلم وأكفيك أنت مشقة التألم، ما دمت أيضاً أحرص على ألا يكون شعورك إلا بهجة وسروراً».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.