*تجميد توريد محركات صواريخ فضاء روسية لواشنطن *وقف تصدير الغاز عن طريق أوكرانياوبيلاروسيا وضع برلين فى مأزق. د. نبيل رشوان قبيل العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا دار الحديث كثيراً عن العقوبات الاقتصادية على روسيا وعلى بعض الشخصيات الروسية الكبيرة سواء من رجال الأعمال أو المسئولين الروس، وطالت هذه العقوبات الرئيس بوتين وسكرتيره الصحفى ووزيري الخارجية والدفاع الروسيين وعددا كبيرا من رجال الأعمال الذين يقول الغرب إنهم من المقربين من الكرملين. لكن فى واقع الأمر روسيا تستطيع الرد على العقوبات بعقوبات مثلها أو على الأقل تخفف من قسوة العقوبات الغربية وتجعل الغرب يعانى كذلك من عقوباته التى فرضها، وتستطيع كذلك إصابة الاقتصاد سواء الأوروبى أو الأمريكى أو البريطانى ببعض الشلل. أول ما قامت به روسيا فى ردها على إغلاق المجال الجوى أمام رحلات الطيران الروسى التجارية فوق أوروبا والولاياتالمتحدة وكندا، أن قامت روسيا برد مماثل ومنعت الطيران الأوروبى والأمريكى من الطيران فوق روسيا ذات المساحة الهائلة، الأمر الذى زاد من زمن رحلات الطيران من أوروبا إلى آسيا، ورفع بالتالى من أسعار التذاكر. أصدر الرئيس بوتين فى الوقت نفسه عددا من المراسيم الرئاسية التى من الممكن أن تخفف من وطأة العقوبات على الحالة المالية للمواطنين الروس البسطاء، وسأعرض بعض الإجراءات والتى قد تتخذها روسيا، وقد تطبقها بشكل عاجل وهى متاحة فى يدها للضغط الاقتصادى على الغرب. فقد حرم البنك المركزى الروسى عمليات تحويل الأموال بالعملة المحلية أو الدولار أو اليورو على بعض الفئات، ووفق الخبراء هذا الإجراء من شأنه أن يؤدى إلى بعض الاستقرار فى الاقتصاد، من الهزات نتيجة العزلة التى يعيشها الاقتصاد الروسى. النفط والغاز بداية ما المواد التى يخشى الغرب أن تمنعها عنه وتكون مؤثرة بدرجة كبيرة، أول هذه المواد بالطبع هى النفط والغاز، والتى إذا منعتها روسيا عن الغرب أو حتى عن الأسواق العالمية بصفة عامة ستحدث كارثة اقتصادية فى عام ما بعد الجائحة، فروسيا تنتج ما بين 10 11 مليون برميل نفط يومياً، وتنتج 16% من الغاز المنتج فى العالم بعد الولاياتالمتحدة أكثر من 23% من الإنتاج العالمى للغاز محتلة المركز الثانى عالميا. وتكمن أهمية الغاز الروسى أنه قريب من مناطق الاستهلاك وهى أوروبا التى تحصل على 30 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، التى تمتلك بنية تحتية على أعلى مستوى، وعددا كبيرا من الأنابيب الموصلة، حيث يصل الغاز من الحقل إلى مكان الاستخدام دون تدخل بشرى. أما النفط الروسى فنحو 7% منه تشتريه الولاياتالمتحدة، وجزء كبير إلى أوروبا، وربما بسبب عدم قدرة الغرب حتى الآن على تعويض النفط والغاز الروسيين هو ما جعل أسعار النفط والغاز تقفز للأسعار الحالية. وقد يكون غلق أنبوب النفط والغاز عن أوروبا هو العقوبة الأشد التى من الممكن أن تلجأ لها روسيا، لكن حتى الآن كما أعلن الرئيس بوتين أنه لن يلجأ لهذا، وأنه سوف يحافظ على المصالح القومية لبلاده دون النظر إلى تهديدات الغرب، بتدمير الاقتصاد الروسى. أوكرانيا والغاز أوكرانيا من جانبها وقد أرادت أن تلحق أكبر الضرر بالاقتصاد الروسى ومنع روسيا من الحصول على أموال سائلة، فقامت بوقف تصدير الغاز عن طريق خط الأنابيب المار عبر أراضيها مما سيلحق الضرر بصديقتها مولدوفا الطامحة كذلك للانضمام للاتحاد الأوروبى وحلف الناتو، وحرص الرئيس بايدن على ثبات أسعار المحروقات أنه امتنع عن أن تفرض شركات النفط عقوبات على روسيا وهى فى غالبيتها أمريكية. والأهم هو ما أعلن عن توقف خط أنابيب الغاز الثانى وهو يامال (روسيا) أوروبا والذى يصل ألمانيا عبر بيلاروسيا ثم بولندا، منذ صباح 3 مارس الجارى، مما رفع سعر الغاز فى أوروبا إلى ما يقرب 2300 دولار للألف متر مكعب، فقد كان المعروض عن طريق هذا الخط 3,7 مليون متر مكعب فى الساعة والمطلوب 16,7 مليون متر مكعب، مما أدى إلى رفع السعر لهذا المبلغ الفلكى بالنسبة لأسعار الغاز. كانت اللجنة الأوروبية قد أعلنت عن عزمها انتهاج استراتيجية فى المستقبل المتوسط والبعيد، تقضى بالاستغناء عن الاعتماد على المحروقات الروسية بصفة عامة. معادن نادرة
تنتج روسيا كذلك حوالى 30% من المنتج والمستخدم فى العالم من العناصر النادرة وهى البلاتينيوم والتيتانيوم والبلاديوم، وهى معادن نادرة تستخدم فى صناعة الطائرات سواء البوينج الأمريكية أو الأيرباص الأوروبية، ومحاولة حصول الولاياتالمتحدة وأوروبا على هذه المعادن النادرة من مصدر آخر سيكون من الصعوبة بمكان، وإذا حظرت روسيا تصدير اليورانيوم لأوروبا، بلا شك كذلك ستحدث لها مشكلة فى الصناعات الذرية الأوروبية. العملة الصعبة ومن الإجراءات التى اتخذها الرئيس بوتين كذلك لمواجهة العقوبات، أنه أصدر مرسوما رئاسيا للذين حصلوا على أموال بالعملة الصعبة نتيجة نشاطهم الاقتصادى مع الخارج خلال الفترة من 1 يناير حتى لحظة إصدار المرسوم، أن يبيعوا هذه العملة خلال ثلاثة أيام للبنك المركزى، لتعويض نقض فى العملة الصعبة الذى قد يحدث نتيجة العقوبات. سيقوم البنك المركزى بالتصرف فى بيع 80% من العملات الأجنبية الواردة من النشاط التجارى للشركات الروسية مع الخارج، كما ينص القرار على عدم إمكانية تحويل أموال لبنوك خارجية بداية من 28 فبراير، ورفع البنك المركزى الروسى كذلك سعر الفائدة على الودائع إلى 20%، بما يعوض الفرق فى سعر العملات الصعبة، حيث هبط الروبل أمامها لأدنى مستوياته أمام الدولار واليورو، خشية أن يقوم المواطنون بعملية سحب للودائع، لشراء العملات الصعبة، مما يؤدى إلى رفع سعرها أكثر، فى نفس الوقت منع الرئيس بوتين البنوك من عملية إعادة حساب الفوائد على القروض وفق سعر الفائدة الجديد، وغيرها من الإجراءات المالية التى تصب فى مصلحة الدولة، وتهدف كلها لتوزيع الأعباء ليتحملها الجميع، وحماية مدخرات المواطنين البسطاء. التعاون فى الفضاء هناك أيضاً رد روسى من خلال التعاون فى مجال الفضاء مع الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص، وكما صرح رئيس وكالة الفضاء الروسية دميترى روجوزين، فى هذه الحالة نحن لا نستطيع توريد أفضل محركات الصواريخ إلى الولاياتالمتحدة ولندعهم يصنعون هذه الصواريخ من معادنهم، ولنرى كيف سيقومون بذلك لكن نحن من جانبنا سنعلق تصدير هذه المحركات إليهم (هذا الأمر كان مطروحاً فى السابق ولم تتم الموافقة عليه، ذلك أن الولاياتالمتحدة هى المستورد الوحيد لهذه المحركات ومن الممكن أن يتوقف مصنع هذه المحركات إذا لم تشترها الولاياتالمتحدة)، هناك معدن الألومنيوم كذلك وروسيا من أكبر المصدرين له واختفاء الألومنيوم من السوق رفع سعره بدرجة تصل إلى 300%، وهذا سيكون له تأثير كبير على الصناعات سواء فى أوروبا أو الولاياتالمتحدة. ضربة اقتصادية على صعيد آخر مازال الخبراء الروس يدرسون ردود بلادهم على العقوبات الغربية، وفى هذا الخصوص نشر موقع "لينتا رو" الاخبارى الروسى تصريحاً على لسان نائب رئيس اللجنة الاقتصادية فى البرلمان الروسى دينيس كرافتشينكو قال فيه إنه حان الوقت لتوجيه "ضربة اقتصادية قاصمة للغرب"، وأشار إلى أن حجم التبادل التجارى بين روسياوالولاياتالمتحدة لا يتعدى 30 مليار دولار ومع أوروبا 500 مليار دولار، ويجب ألا ننسى أننا عشنا وما زلنا نعيش فترة الجائحة، والأسواق دون أسباب أخرى فى حالة سيئة، والعبء كبير على الاقتصاد وعلى الفلاحين وعلى المنتجين بطوائفهم كافة، وأى نقص فى إمدادات النفط أو الغاز وباقى الخامات الروسية سيكون له بلا شك مفعول شديد التأثير على الدول الأوروبية سيشعرون به خلال الشهور القليلة المقبلة، وأعرب كرافتشينكو عن أمله فى أن يعيد الأوروبيون التفكير ويعودون إلى السوق الروسى من جديد (يذكر أن عددا كبيرا من الشركات العاملة فى روسيا كان قد سحب استثماراته وخرج). منجم المواد الخام وكما نرى لدى روسيا ردود عديدة على العقوبات الغربية، حيث تعتبر روسيا منجم المواد الخام الذى لا ينضب فى العالم وأى دولة لديها صناعات متطورة لابد وأنها ستحتاج إلى روسيا بأى شكل من الأشكال، ما المشكلة إذا، ولماذا لا تستخدم روسيا القدرات الاقتصادية وغناها الفاحش فى المواد الخام، وهنا أستعين بكلمات بطريرك السياسة الروسية وأعظم المستشرقين الروس على الإطلاق يفجينى بريماكوف فى كتابه "تفكير بصوت عال"، عندما حذر "من اعتماد روسيا على بيع المواد الخام والنفط والغاز فى ميزانيتها، . بريماكوف قال كلمته وذهب ولم يستمع له أحد، والآن، للأسف لا تستطيع روسيا استخدام الأسلحة التى لديها والتى يمكنها أن تؤدب الغرب بها على عقوباته، فهى تحتاج إلى الأموال لأنه ليس لديها ما تصدره ويحمل قيمة مضافة، الغرب يأخذ الخامات ويعيدها لروسيا صناعات ذات قيمة، وتحصل روسيا على ثمن الخامات لتشترى بها بضائع من الغرب فى دائرة جهنمية، وهى سعيدة بأن لديها مفاتيح الصناعة فى الغرب وأنه لن يقوم بأى شيء ضدها لأنها تمتلك الخامات والمحروقات، وهاهو الغرب يطمع فى تطويقها ليأخذ ثرواتها من منبعها. أى أن العقوبات كما تؤثر على روسيا وإن كان ذلك بنسبة 60 70% فإنها كذلك ستؤثر على الغرب بنسب 30 40%، وتستمر لعبة عض الأصابع بين الغرب وروسيا هذه المرة ليس من خلال حشد القوات والتهديد بالعقوبات كما كان منذ شهرين، ولكن من خلال تأثير العقوبات على كل طرف. تقسيم أوكرانيا على صعيد العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، كل يوم يتأكد أن الهدف الأساسى لروسيا هو عملية تقسيم لأوكرانيا لشرق وغرب، الغرب القومى المتطرف، والشرق الناطق بالروسية وكان فى الأصل جزءا من روسيا القيصرية، وفى تطور جديد كذلك، لم تكتف مولدوفا رفيقة أوكرانيا فى السعى للانضمام للاتحاد الأوروبى مع أوكرانيا وجورجيا، أعلن إقليم بريدنستروفيه فى شرق البلاد عن رغبته فى الاستقلال، وللعلم قد تعترف به روسيا، حيث إن معظم سكانه من الروس، ولا تحتاج إلى جيش لإخضاع مولدوفا حيث يقيم الجيش الرابع عشر الروسى هناك، وهذا قد يوسع رقعة الحرب ويقربها بالتدريج من أراضى حلف الناتو التى يتشدق السيد ستولتنبرج بحمايتها طوال الوقت. فى العملية الأوكرانية لم يحدث تحول جوهرى يمكن ذكره على الأرض، والخوف كل الخوف من إطالة أمد العملية التى بدأت تستقطب عناصر مقاتلة من مختلف دول العالم، ولا أتصور أن الرئيس الروسى لا يدرك هذا، فهو يعى درس أفغانستان جيداً، وكان عليه أن يطمئن جيرانه كما فعل ذلك فى الواقع أمس عندما تحدث عن أنه لا يهدد جيرانه، وكأنه أراد أن يقول إن العملية العسكرية فى أوكرانيا ليس الهدف منها توجيه رسائل محددة لأحد. الفاشيون الجدد تحدث كذلك الرئيس بوتين إلى المضيفات الجويات لتهدئتهم، بعد إغلاق مجالات جوية أمام الطائرات الروسية، وعرج بالطبع على العملية العسكرية فى أوكرانيا وقال إن الفاشيين الجدد يطلقون النار على الجيش الأوكرانى وهم يختبئون خلف المدنيين متخذين منهم درعا بشريا، وأكد أن الأجهزة الروسية التقطت أحاديث لإرهابيين أجانب قادمين من دول مختلفة، وأشار إلى أن الجيش يقاتل فى أوكرانيا من أجل مستقبل أبنائنا، وأنه يسعى لأن تكون أوكرانيا دولة حرة وديمقراطية ومحايدة ومنزوعة السلاح، وهاجم حلف الناتو معتبراً أنه سيحارب بأيدى الأوكرانيين حتى أخر جندى أوكرانى وغيرها من الاتهامات منها أن الجيش الأوكرانى يرفض خروج المدنيين للاحتماء بهم.