تواجد الرئيس السيسي في الصين لحضور الفعاليات دورة الألعاب الأولمبية لعام 2022, بجانب رؤساء 30 دولة, أبرزها روسيا وصربيا والسعودية والإمارات والبحرين وقطر, بالإضافة لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى, والأرجنتين والأكوادور من أمريكا اللاتينية, ومن بين دول الاتحاد الأوروبي, حضر الرئيس البولندي فقط. وتأتي هذه الزيارة تتويجًا لعمق العلاقات المصرية الصينية, التي تحظى بتاريخ طويل وتشابك يُعبر عنه تنوع مجالات الشراكة بين البلدين, من الاقتصاد مرورًا بالبنية التحتية وانتهاء بتكنولوجيا المعلومات. فالصين لا تزال الشريك التجاري الأكبر لمصر، ووفقًا لإحصاءات الجمارك الصينية في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2020 –حسب ما أعلنه الملحق التجاري الصيني بالسفارة المصرية العام الماضي. كما بلغ حجم الواردات والصادرات الثنائية للسلع بين الصين ومصر 12.895 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 10٪ على أساس سنوي. وبلغت صادرات الصين إلى مصر 12.06 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 12.2٪، وأضاف الملحق التجاري الصيني، أن الصين استوردت بضائع من مصر خلال الفترة سالفة الذكر بقيمة 835 مليون دولار أمريكي. تُراهن مصر علي التعاون مع الصين في فتح بعض المجالات الجديدة في مقدمتها توطين الصناعات وتطوير منصات خدمات للملاحة الدولية والتعاون المشترك في مجال تكنولوجيا المعلومات والأمن المعلوماتي. بالنسبة للصين الاقتصاد هو المعيار الأهم في تحديد مستوى العلاقة مع الدول الصديقة, يقول رافاييل كانابري, المحلل وخبير العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية في الجامعة المركزية بفنزويلا, مضيفًا أن الرؤية الصينية في مكافحة الهيمنة الأمريكية, تلك الأخيرة المُعبرة عن مصالح الاحتكارات الدولية, تقوم بالأساس على التعاون الاقتصادي لتحقيق تراكم رأسمالي متبادل بين البلاد التي تتطلع للشراكة الاقتصادية مع الصين, أي أن يتحقق تراكم رأسمالي في الداخل الصيني ولكن بأساليب تتجاوز الطريقة التقليدية التي اتبعتها المراكز الغربية في القرنين الماضيين, أي الاستعمار. تطمح الصين في قيادة الاقتصاد العالمي, عبر تحقيق التنمية الشاملة لدول العالم الثالث, وكسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي عبر نقل الثقل الاقتصادي من المراكز الرأسمالية إلى خارجها, وعلى أساس التعاون الاقتصادي تُقييم الصين علاقاتها بالدول الأخرى, فمفتاح تغيير تقسيم القوة والنفوذ في النظام الدولي يستند على كسر الاحتكار الغربي لآليات تحصيل رأس المال على مستوى الاقتصاد الدولي, والاحتكار الغربي للمعرفة التكنولوجية المتعددة, حسب كاناباري. وعبر مشروع الحزام والطريق الجديد, تتجسد هذه الاستراتيجية الصينية لتأخذ طابعًا عمليًا. ولذلك تسعي الصين لاشتراك معظم دول العالم في هذا المشروع, وبالأخص الدول الكبرى ذات الثقل الجغرافي والسياسي مثل مصر, المعروف مدى أهمية موقعها الجغرافي وثقلها السياسي في الشرق الأوسط والبحر المتوسط. رغم ذلك فالتعاون الاقتصادي بين البلدين, الذي يصل لمشاركة الصين في المشروعات الكبري في الداخل المصري, لم يرق بعد للمستوي المطلوب من وجهة نظر الصين, مقارنة بدولة مثل الجزائر مثلًا, والتي تعتمد على الاستثمارات الصينية بشكل كلي تقريبًا في مجالات مثل استخراج النفط وبيعه, والصناعات الثقيلة والمتوسطة, ومجال تكنولوجيا المعلومات, وفي المجال العسكري أيضًا حيث تزايد التعاون العسكري بين الصينوالجزائر, لتحل نسبة مبيعات السلاح الصيني للجزائر في المرتبة الثانية بعد روسيا. يرى المراقبون, أن دعم الصين لمصر في قضايا مصيرية مثل السد الأثيوبي, ومكافحة الإرهاب, أمر مشروط بتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ولا يتناقض مع ما سبق حقيقة أن الصين تدعم الاقتصاد المصري على صعائد متعددة في مجالات الطاقة والبنية التحتية في سجل حافل بالمشروعات الناجحة, ناهيك عن التبادل التجاري, بالإضافة لبعض الاتفاقيات الطموحة التي تُنمي الصناعة وقطاع الخدمات في مصر, وهو تعاون على مستوى عال بالمفردات الدبلوماسية, إلا أنه ليس كافيًا بالنسبة للصين كما يرى المراقبون. إذًا, هل تُشير هذه الزيارة التي تأتي في ظل المقاطعة الغربية للأولمبياد الصينية نحو الرغبة الحقيقية لتعميق التعاون بالقدر المطلوب والنافع بالنسبة للطرفين؟ تُجيب تصريحات الرئيسي السيسي على السؤال بالإيجاب, حيث أكد لنظيره الصيني خلال القمة التى جمعت بينهما فى قاعة الشعب الكبرى ببكين، حرص مصر على الوصول بالتعاون الثنائي بين البلدين إلى آفاق أرحب من التنسيق والتعاون المشترك فى العديد من المجالات، مع استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة المتوافرة حاليا فى مصر، فى ظل ما تتمتع به الشركات الصينية من سمعة طيبة. كما ذكر المتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية, أن اللقاء شهد بحث سبل تعزيز التعاون القائم بين البلدين فى عدد من المجالات، من بينها أنشطة البحث العلمي، ونقل التكنولوجيا المرتبطة بالصناعات الدوائية، وتصنيع لقاحات كورونا, والتقنيات الصناعية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون فى مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسيارات الكهربائية، وتعظيم التعاون والتنسيق بين جهات تقديم الرعاية الصحية بالبلدين، لنقل الخبرات الصينية فى مكافحة كورونا. من الطبيعي إذًا أن تغلب القضايا الاقتصادية على أجندة الحوار بين الرئيسيين أثناء الزيارة, ففي حالة ازدياد حجم الشراكة بين البلدين, يُتوقع من الصين أن تشتبك مع مصالح مصر الإقليمية والدولية بشكل أكثر إيجابية مما نشهدُه حاليًا, خصوصًا بعد الموقف الصيني في اجتماع مجلس الامن بالعام الماضي المُنعقد لمناقشة قضية السد الأثيوبي, الذي وصفه كثيرون أنه لا يرقي بحجم العلاقات الوطيدة بين البلدين, وأن الصين انحازت لأثيوبيا.