رئيس الجمهورية لا يملك تعديل أو إلغاء الإعلان الدستوري كتب المحرر السياسي: تسود الساحة السياسة حالة من القلق المشروع بسبب القضايا التي تفجرت نتيجة أداء حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين في الفترة الأخيرة وردود أفعالهم علي أحكام القضاء وقرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة، خاصة منذ انتخاب د. محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة رئيسا للجمهورية، فالرئيس والحزب والجماعة لا يعتبرون فوز د. مرسي بالرئاسة بداية لتداول السلطة عبر صندوق الانتخاب وإنما بداية لانقلاب كامل علي الدولة المصرية وتأسيس دولة إخوانية «لحما ودما» أو دولة المرشد كما يقول بعض المعارضين لهم. ويبدو ذلك جليا في الموقف من الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم الأحد 17 يونية الماضي، فقد اعترضت كل الأحزاب والقوي السياسية تقريبا ومعهم عدد من الفقهاء الدستوريين علي بعض بنود هذا الإعلان، خاصة مد الفترة الانتقالية والتي كان مقررا انتهاؤها في 30 يونية 2012 إلي شهر نوفمبر، وتحويل المجلس الأعلي للقوات المسلحة «بتشكيله القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري» إلي سلطة رابعة بعد أن أخرج مؤسسة القوات المسلحة كإحدي المؤسسات الخاضعة للسلطة التنفيذية من ولايتها، بحيث لم يعد لرئيس الجمهورية «الذي كان القائد الأعلي للقوات المسلحة في الدساتير المصرية السابقة» أي سلطات علي القوات المسلحة، ولم يعد لمجلس الوزراء «السلطة التنفيذية» أي ولاية علي القوات المسلحة بعد نقل اختصاصات القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع «وكان عضوا بمجلس الوزراء» إلي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة «المشير محمد حسين طنطاوي». ولكن الرئيس المنتخب طبقا للإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحزبه وجماعته وبعض المتحالفين معهم أو الواقفين علي أبوابهم من الساسة ورجال الفقه والقانون، رفضوا الاعتراف بشرعية الإعلان الدستوري المكمل وأنكروا علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة الحق في إصدار إعلانات دستورية مكملة أو معدلة أو جديدة وقالوا إن هذا الحق الذي كان للمجلس الأعلي قد سقط بمجرد انتخاب رئيس الجمهورية، وتزيد البعض فقال إن رئيس الجمهورية يملك بمجرد انتخابه تعديل أو إلغاء «الإعلان الدستوري المكمل»! ولا تجاهل هؤلاء عن عمد أن رئيس الجمهورية لا يملك – طبقا للإعلان الدستوري ولدساتير مصر السابقة وللفقه الدستوري – الحق في إصدار إعلانات دستورية أو إصدار دستور جديد أو العودة لدستور قديم، فالسلطة التأسيسية – إذا جاز التعبير – يملكها الشعب وحده، ويحوزها بعد ثورة 25 يناير «المجلس الأعلي للقوات المسلحة» حتي صدور الدستور الجديد وموافقة الشعب عليه في الاستفتاء العام، وبهذه السلطة أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة الإعلان الدستوري الأول في 13 فبراير 2011 والإعلان الدستوري الثاني في 30 مارس 2011 وأخيرا الإعلان الدستوري المكمل في 17 يونيو 2012. الخطيئة الثانية التي ارتكبها رئيس الجمهورية وحزبه وجماعته هي الإعلان بالفم المليان عدم الالتزام بأحكام القضاء، وتحديدا عدم الالتزام بحكم المحكمة الدستورية العليا – أعلي محكمة قضائية في مصر – بعدم دستورية وبطلان الفقرة الأولي من المادة الثالثة والفقرة الأولي من المادة السادسة والمادة التاسعة مكرر «أ» من قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري رقم 38 لسنة 1972 والمعدلة بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 والمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011، وبطلان مجلس الشعب الذي انتخب طبقا لهذا القانون بكامل أعضائه حيث إن العوار الدستوري «الذي أصاب النصوص المطعون فيها يمتد للنظام الانتخابي الذي سنه المشرع بأكمله سواء في نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية المغلقة أو نسبة الثلث المخصصة للنظام الفردي». وفاجأ رئيس الجمهورية الرأي العام في أول خطاب رسمي له بقوله «.. وستعود المؤسسات المنتخبة لأداء دورها»، وأضاف د. ياسر علي القائم بأعمال المتحدث الإعلامي باسم رئاسة الجمهورية أن البحث جار عن حلول قانونية لعودة البرلمان المنحل! ورد فقهاء الدستور والقانون بأن عودة المجلس المنحل مستحيلة، فحكم المحكمة الدستورية العليا حكم نهائي وبات ولا يجوز الطعن عليه أمام أي محكمة قضائية أخري «وعودة البرلمان مرة أخري بقرار من رئيس الجمهورية افتئات علي السلطة القضائية يهدر حصن القضاء، ويفوق ما يسلكه الحكام الديكتاتوريون»، وقالوا إن تصور البعض إمكانية أن تصدر المحكمة الإدارية العليا التي أحالت الطعن بعدم دستورية مواد قانون انتخابات مجلس الشعب إلي الدستورية العليا وحددت 9 يوليو الحالي لإصدار حكمها، أن تصدر حكما يخالف حكم الدستورية عليها، هو تصور خاطئ، فالأرجح أن تصدر المحكمة الإدارية العليا قرارها في الطعن علي قرار حل مجلس الشعب برفض الطعن لعدم الاختصاص، وإذا تصورنا جدلا أن المحكمة ستقبل الطعن، فستعود القضية للمحكمة الدستورية العليا كونها المختصة بالفصل في التناقض بين الأحكام أو التنازع في تنفيذها. الخطيئة الثالثة لحزب الحرية والعدالة وحلفائه هو استمرار الجمعية التأسيسية التي جري تشكيلها بالمخالفة لحكم القضاء بعدم جواز وجود أعضاء في السلطة التشريعية في عضوية الجمعية التأسيسية وسيطرة تيار بعينه علي الأغلبية فيها، استمرارها في عقد الاجتماعات وصياغة مشروع الدستور، استنادا إلي أن محكمة القضاء الإداري أجلت الحكم في القضية المرفوعة ضد التشكيل الجديد للجنة إلي سبتمبر القادم. وبعيدا عن القضايا والإعلان الدستوري ومجلس الشعب فقد انشغلت الساحة السياسية بالإشاعات والأقاويل الخاصة بتشكيل الحكومة بعد أن أكد رئيس الجمهورية وحزبه أن الحكومة سيتم تشكيلها كحكومة ائتلافية تضم كل أطياف الحياة السياسية، الغريب أن الحديث يدور حول توزيع الحقائب الوزارية والنسبة التي ستخصص لحزب الحرية والعدالة والنسب المخصصة للأحزاب الأخري، قبل أن يدور أي حوار أو اتفاق علي برنامج هذه الحكومة، فالحكومات الائتلافية في العالم كله تتشكل علي أساس برنامج محدد تتفق عليه الأحزاب الداخلة في الائتلاف، وفي حالة قرر حزب الحرية والعدالة أن برنامج الحكومة هو البرنامج الانتخابي الذي فاز علي أساسه د. محمد مرسي برئاسة الجمهورية – وهو الأرجح – فالحكومة الائتلافية ستقتصر بالقطع علي الأحزاب المنتمية لتيار الإسلام السياسي والقابل بالدولة الدينية أو شبه الدينية أي دولة المرشد، أما إذا حدثت معجزة وطرح د. محمد مرسي أو مرشحه لرئاسة الحكومة برنامجا آخر يقوم علي تأسيس دولة مدنية ديمقراطية وتغيير في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي قادت البلاد منذ 1974 وحتي اليوم إلي تراجع التنمية وزيادة الفقر والبطالة والفساد، فهنا يصبح الحديث عن حكومة ائتلافية من كل الأطياف السياسية أمرا واردا، وهو أمر غير متوقع ولا يتفق مع منهج الإخوان والحرية والعدالة. وفي ظل هذه الأوضاع والخطايا يصبح التساؤل مشروعا.. ما هو دور موقف الأحزاب اليسارية والليبرالية والمدنية عامة؟!.. وهل هناك إمكانية حقيقية للعمل معا طبقا لبرنامج محدد – وبعيدا عن النوازع الذاتية والشخصية – للدفاع عن الدولة المصرية الديمقراطية الحديثة، ووقف «أخونة» الدولة والمجتمع، وتبني سياسات اقتصادية واجتماعية لا تتعارض مع مصالح الطبقات الشعبية والوسطي؟!