*مالك الأرض يستحوذ على السماد المدعم من الجمعية الزراعية .. وليس المستأجر *ربط أسعار السماد المحلى المدعم بالأسعار العالمية يظلم الفلاح *رفع أسعار السماد المدعم يؤدى إلى ارتفاع السماد الحر *ضرورة ربط أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى بأسعار التوريد للمحاصيل المنتجة *إعادة النظر فى قرار إلغاء الدورة الزراعية .. وضع خريطة سمادية حقيقية *تحويل الدعم من العينى إلى النقدى لن يحل المشكلة بل يمكن أن يفاقمها فى ظل عدم وجود خريطة زراعية لمصر محددة قبل موسم الزراعة *بقلم د. شريف فياض أستاذ الإقتصاد الزراعى وعضو المكتب السياسى بحزب التجمع تعانى الزراعة المصرية من أزمة فى السماد منذ أمد طويل وخاصة خلال الموسم الصيفى، حيث تستخدم الأسمدة الكيمأوية فى الزراعات الصيفية بأكثر مما تستخدم خلال الزراعات الشتوية أو النيلية. ورغم أن مصر منتج للسماد الكيماوى وخاصة الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية، حيث تنتج مصر نحو 6,8 مليون طن من الأسمدة النيتروجينية وقرابة 1,7 مليون طن من الأسمدة الفوسفاتية عام 2019، ولا تنتج أى نوع من الأسمدة البوتاسية أو الماغنسيوم، ويتم تصدير كميات ليست بالقليلة من تلك الأسمدة المنتجة. ورغم الوفرة فى إنتاج السماد، إلا أن هناك دائما مشاكل فى الأسمدة على مستوى المزارع الأمر الذى يشير إلى أن المشكلة تكمن فى كيفية وصول السماد فى الأوقات المناسبة وبالكميات المناسبة إلى المنتجين الزراعيين (سواء ملاكا أم مستأجرين). تحتاج الزراعة المصرية قرابة 55% من الإنتاج المحلى من الأسمدة، كما أشارت دراسة قامت بها وزارة الزراعة وإستصلاح الأراضى، الأمر الذى أدى إلى أن وزارة الزراعة طالبت من الشركات الحكومية أن توفر تلك النسبة وتقوم بتوريدها إلى الوزارة وتباع تلك النسبة إلى المنتجين من خلال الجمعيات التعأونية بأسعار مدعمة، ونحو 10% من الإنتاج الشركات يتم بيعها فى السوق الحر المحلى حيث تباع إلى التجار وذلك بأسعار السوق، وتقوم الشركات الحكومية بتصدير النسبة المتبقية بهدف الحصول على العملة الأجنبية التى تساعدها على التطوير والصيانة اللازمة لتلك الشركات أو التوسع فى الإنتاج. وبالتالى تكمن المشكلة فى مرحلة توزيع السماد إلى المنتجين الزراعيين. من هنا يمكن تلخيص مشكلة السماد فى التالى: أسعار السماد أولا: أسعار الأسمدة حيث تم زيادة أسعار الأسمدة المدعمة وعلى الأخص النتروجينية فى نوفمبر الماضى من 160,5 إلى 235 جنيها/ شيكارة النترات، ومن 165,5 إلى 240 جنيها / شيكارة اليوريا، والسوبر فوسفات من 85 إلى 100 جنيه/ للشيكارة. وقد ارجعت الدولة تلك الزيادة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة عالميا وإلى زيادة أسعار الطاقة عالميا. وهنا يكمن التساؤل إذا كانت الدولة قد بررت ارتفاع أسعار الأسمدة المدعمة إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسماد العالمى هل ستعيد الدولة النظر فى أسعار السماد إذا إنخفضت الأسعار العالمية مرة أخرى أم ستظل أسعار السماد المدعم كما هو مرتفع حتى فى ظل إنخفاض الأسعار العالمية. فربط الدولة المصرية أسعار السماد المحلى المدعم بالأسعار العالمية يوجد به ظلم على المنتج الزراعى وخاصة صغار المنتجين نظراً لاختلاف مستوى المعيشة فى الريف المصرى والخدمات التى توفر لفقراء الريف المصرى عن المستوى العالمى، الأمر الذى يجعل ربط أسعار تكاليف الإنتاج والتى تؤثر على الإيرادات والدخول للمنتجين الزراعيين بأسعار وتكاليف الإنتاج العالمى يكون هناك ظلم كبير واقع على المنتج المصرى وعلى الأخص الفقراء منهم أو صغار المنتجين. أخيرا أن رفع أسعار السماد المدعم سوف يؤدى إلى رفع أسعار السماد الحر، ويعتمد المنتج الزراعى على السوق الحر فى توفير جزء كبير من الاحتياجات السمادية للمحصول المزروع، حيث ارتفعت أسعار السماد الحر من 400 إلى 450 – 500 جنيه /شكارة اليوريا، وهذا بالتاكيد زاد الأعباء مالية على صغار المنتجين وبالتالى التاثير على قدرتهم الإنتاجية وعلى الإنتاجية وعلى العائد الاقتصادى لهم وبالتالى مزيد من المعاناة الإقتصادية والمالية على الفقراء وصغار المنتجين. توفير السماد ثانيا: توفير السماد فى الأوقات المناسبة، اى الأوقات التى لابد بها من إضافة السماد إلى المحاصيل أو النباتات المنزرعة وبالكميات المناسبة،حيث لا توفر الجمعيات الزراعية السماد بالكميات اللازمة لكل محصول (المقنن السمادى) بمعنى أن بعض المحاصيل مثل الذرة والتى يحتاج من ثمانية إلى أثنى عشر شيكارة سماد نتروجينى (طبقا لطبيعة التربة) لا يتم توفير سوى 2-3 شكارة فقط من الجمعيات الزراعية بالأسعار المدعمة، وهذا الأمر يجعل المزارع يلجأ إلى السوق الحر للحصول على الكميات الإضافية اللازمة للمحصول وبأسعار غير مدعمة، يشير إلى أن الدولة لا تقوم بدعم سوى ثلث كميات السماد اللازمة فقط للزراعة بحد أقصى وليس الكميات السمادية اللازمة كلها، رغم أن 55% من كميات الإنتاج على مستوى مصانع الإنتاج يتم توريدها إلى وزارة الزراعة للبيع من خلال الجمعيات التعاونية إلى المزارعين بأسعار مدعمة، بالتالى يتبين من ذلك اما ان تكون ال 55% التى يتم توزيعها غير كافية ولابد من إعادة النظر فى تلك الكمية وزيادتها سواء على حساب المورد إلى السوق الحر (ال10% من الإنتاج) أو أن تلك النسبة (55%) كافية ولكن هناك فساد ويذهب جزء ليس بالقليل من الأسمدة التى يفترض أن تكون مدعمة من أسواق الدعم إلى السوق الحر لتباع بأسعار مرتفعة للغاية. المالك وليس الفلاح ثالثا: إن الذى يستحوذ على السماد المدعم من الجمعية هو مالك الأرض وليس الذى يقوم بالزراعة بمعنى أن المستاجر سواء نقديا أو بالمشاركة لا يحصل على السماد من الجمعية ولكن الذى يحصل عليه هو المالك الذى لدية بطاقة حيازة، يمكن أن يسبب الكثير من المشاكل، حيث فى كثير من الأحيان لا يتم توريد السماد إلى المستأجر حيث يفضل المالك أن يبيع السماد فى السوق الحر للإستفادة من فرق السعر المرتفع بين السوق الحر وسوق الدعم، هناك بعض الحالات التى يعطى المالك بطاقة الحيازة إلى المستاجر لصرف السماد وفى تلك الحالة يغالى المالك فى قيمة الإيجار خاصة النقدى، وكل هذا ليس فى مصلحة المستأجرين الذين عادة ما يكونوا صغار منتجين ولا مصلحة الإنتاج الزراعى . إجراءات وآليات وعلى هذا ما الإجراءات والآليات التى يمكن أن يتم طرحها للحد من مشاكل التوزيع للأسمدة فى مصر حتى يمكن أن تخدم الفلاح المصرى (المنتج الزراعى) أولا: على مستوى الأسعار للأسمدة: من الأهمية أن لا يتم ربط أسعار الأسمدة المحلية بالأسعار العالمية حيث أن أغلب المنتجين الزراعيين المحليين وخاصة صغار المنتجين لا يقدم لهم نفس الخدمات التى تقدم إلى المنتج الزراعى على مستوى العالمى. حيث تختلف نظم الزراعة المصرية وأنماط الإنتاج فى مصر عن كثير من الدول المتقدمة زراعياً، حيث يتميز نمط الإنتاج الزراعى المصرى بأنه نمط إنتاج ما قبل الحداثة، بينما نمط الإنتاج العالمى وعلى الأخص فى الدول المتقدمة زراعيا فإنة نمط إنتاج حداثى، بالتالى الربط بين هذا وذاك يوجد ظلم شديد على صغار المنتجين، فلا يمكن أن يتم الربط إلا بعد تطوير الزراعة المصرية وجعل الزراعة المصرية زراعة حداثية. دعم نقدي بينما بالنسبة لتحرير سعر السماد، بمعنى تحويل السماد من الدعم العينى إلى الدعم النقدى فلا شك أن وجود سعرين مختلفين يمكن أن لا يكون شئ كفء اقتصاديا. فمن المعلوم أن لكل سياسة لها أثارها السلبية والإيجابية، ويتم اتخاذ قرار أى سياسة يتم تبنيها طبقا لنقاط القوة والضعف فى كل سياسة، والعمل على دراسة تلك النقاط بشكل علمى. فلا تكمن مشكلة السماد بشكل أساسى فى نوعية الدعم المقدم، ولكن تكمن المشكلة كما ذكر فى عملية التوزيع، الأمر الذى يشير إلى أن تحويل الدعم من العينى إلى النقدى لن يحل المشكلة بشكل كبير حيث أن المشكلة هى فى توزيع السماد، بل يمكن أن يفاقمها بشكل كبير خاصة فى ظل عدم وجود خريطة زراعية لمصر محددة قبل موسم الزراعة، بمعنى وجود تركيب محصولى تأشيرى ولكن هل يتم تنفيذ هذا التركيب المحصولى التأشيرى فى ظل أنماط إنتاج غير حداثي فى ظل أن المنتج الزراعى اساسا للإكتفاء الذاتى خاصة فى الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا، بالتالى ما هى قيمة الدعم السمادى المقدم للفدان، حيث لا يمكن أن يكون هذا الدعم ثابتا على مستوى الفدان فى كل ربوع الجمهورية، ولكن لابد من أن يرتبط قيمة الدعم النقدى المقدم (إذا تم التحويل من العينى إلى النقدى) بنوعية المحصول المزروع، حيث تختلف كميات السماد من محصول إلى أخر، وتختلف مواعيد وضع السماد من محصول إلى أخر. الجمعيات التعاونية بينما من الأهمية ربط أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى وعلى رأسها الأسمدة بأسعار التوريد للمحاصيل المنتجة وكذلك بالإطار المؤسسى الذى يخدم مصالح المنتج الزراعى خاصة الصغار منهم، بمعنى أن يكون هناك مؤسسات فلاحية حقيقية تشارك متخذى القرار فى تحديد أسعار المستلزمات وأسعار التوريد، الأمر الذى يستلزم إعادة النظر فى قوانين الجمعيات التعاونية وإعطاء إستقلالية حقيقية لتلك المنظمات الفلاحية بشكل حقيقى عن وزارة الزراعة وعن الأجهزة التنفيذية الأخرى، مع أهمية مشاركة تلك المنظمات الفلاحية بعد إستقلاليتها الحقيقية فى إتخاذ القرار. أما على مستوى توفير السماد فلابد من العمل على أن الذى يستلم السماد المدعم من الجمعية هو المتتج الزراعى الذى يقوم بعمليات الإنتاج الزراعى لانه هو أقرب فرد حريص على المحصول وأقرب فرد يعلم متى تتم العمليات الزراعية، وعلية فلابد من أن يتم تسليم السماد المدعم إلى الذى يقوم بعمليات الإنتاج الزراعى سواء المستأجر بالمشاركة أو الإيجار النقدى وذلك من خلال عمل عقود إيجار أو تفويض توقع بين المالك إلى المستاجر سواء مستاجرا بالمشاركة أو النقدى ويتم توثيق هذا العقد أو التفويض فى الجمعيات الزراعية، يحصل بمقتضى هذا العقد أو التفويض المنتج الزراعى على السماد من الجمعية، حيث من الاهمية ان يثبت فى هذا العقد أو التفويض المساحة التى تم إستئجارها وكذلك المحصول المزمع زراعته فى تلك المساحة، وبالتالى تحديد كميات السماد اللازمة. حيث ان مثل هذا الأسلوب سوف يدعم سياسة الشفافية والرقمنة فى مجال الإنتاج الزراعى، ويؤدى إلى وصول الدعم إلى مستحقيه بشكل كبير، ويحد من تسرب السماد المدعم إلى السوق الحر ، الأمر الذى ينعكس إيجابيا على الإنتاج الزراعى بشكل كبير . الدورة الزراعية أخيرا لابد من إعادة النظر قرار إلغاء الدورة الزراعية والعمل على عودة الدورة الزراعية مرة أخرى، الأمر الذى سوف يكون فى صالح تفعيل التكنولوجيا الحديثة فى الإنتاج الزراعى، حيث تتم الممارسات الزراعية فى وقت واحد وبالتالى تطوير الإنتاج الزراعى، وكذلك تحديد كميات السماد اللازمة لكل منطقة وبالتالى وضع خريطة سمادية حقيقة تكون هناك قدرة على معرفة الكميات الحقيقية للسماد وأوقات إضافة السماد، يتطلب هذا الأمر إعادة دراسة الكميات السمادية اللازمة للزراعة خاصة فى ظل سياسات التوسع الرأسى والأفقى التى تقوم به الدولة الآن. إن السماد ليس سلعا رفاهية ولكنه سلعة ضرورية وأساسية لا يمكن الإستغناء عنه فى الزراعة المصرية فلابد الا تعامل معاملة السلع غير الضرورية أو سلع الرفاهية خاصة فى ظل الأزمات التى تعانى منها الزراعة ويعانى منها صغار المنتجين الزراعيين وعلى الأخص فى الوادى والدلتا.