أظهرت النتائج الأولية التي نشرتها وزارة الداخلية الإيرانية، أن "إبراهيم رئيسي" حصد أصوات أكثر من17.8 مليون من أصل 28 مليون ناخب شاركوا في الانتخابات. وتقدم "رئيسي" بفارق كبير على منافسيه الثلاثة في الانتخابات، وهم: نائب رئيس مجلس الشورى "أمير حسين قاضي زاده هاشمي" (نحو مليون صوت)، وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام "محسن رضائي" (3.3 مليون صوت)، ومحافظ البنك المركزي "عبد الناصر همتى" (2.4 مليون صوت). وقدرت الداخلية الإيرانية نسبة الإقبال في الانتخابات حسب هذه النتائج الأولية، ب 50 بالمائة، وفي غضون ذلك، أكدت اللجنة العليا للانتخابات الإيرانية أن رئيسي حصل على 65 بالمائة من أصوات الناخبين، حسب النتائج الأولية، مشيرة إلى أن 30 مليون شخص أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، وفقا للأصوات التي تم فرزها من صناديق الاقتراع. فعن نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وبحسب مصادر غير رسمية بلغت 71% في محافظة خراسان الجنوبية و65% في سيستان وبلوشستان و63% في ايلام و62% في خراسان الشمالية و61% في كلستان و 58% في خراسان الرضوية وهرمزكان وكرمان، 30% في طهران و 33% في لرستان و36% في كردستان و42% في أصفهان والبرز و45% في محافظتي اذربايجان الشرقية وآذربايجان الغربية وكرمانشاه و47% في همدان و49% في محافظة فارس. اللافت للنظر هو أن منافسى رئيسي الثلاثة في الانتخابات، قد أقروا في وقت سابق بهزيمتهم وهنأوه بالفوز، قبل إعلان النتائج الرسمية، وكأن الانتخابات عرض مسرحى معروف نهاية الفصل الأخير فيه من العرض مُسبقاً. وعبر تحليل كيفية التناول والمعالجة والعرض الإعلامى لصورة " إبراهيم رئيسى" وتاريخه أثناء انتخابات الرئاسة الإيرانية وقبل الصمت الانتخابى والإعلان عن النتيجة النهائية، يتضح مستقبل السياسات الإيرانية كافة على جميع الأصعدة، فوسائل الإعلام الإيرانية فضحت نفسها، وفضحت المرشد الأعلى ذاته، ولربما ارتكبت أخطاء مهنية كبيرة فى التسويق لرجل المرشد الأعلى، رغم إعلان فوزه. وبعد أن هنّأ الرئيس الإيراني الأسبق "حسن روحاني"، الرئيس الإيرانى الجديد "إبراهيم رئيسي"، وصف المشاركة الملحمية في الانتخابات وتلبية دعوة السيد المرشد الأعلى الإيرانى "على خامنئي"، بأنهما أثبتتا وعي الشعب الإيراني الذى بات واضحاً من هو منتخب الشعب، الشعب الذى خرج أقل من نصفه للمشاركة فى تلك الانتخابات! وعلى الجانب الآخر، صرّح وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، بأنه يتعين على الجميع العمل مع"رئيسي" من الآن فصاعدا فهو الرئيس المنتخب، ووصفه على حد قوله بأنه رجل عقلاني وسيقود البلاد بشكل جيد، رغم أن المعارضة الإيرانية تصف " رئيسى" بأنه رجل الإعدامات والاعتقالات وأنه غاية فى التشدد، فلماذا أوصى المرشد الأعلى باختياره ودعمه؟! "إبراهيم رئيسي" صديق خامنئي ورئيس القضاء الحالي، المنافس الجاد الوحيد من بين 592 مرشحًا مسجلاً، الذى كان مؤهلاً لخوض الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور، ويعرفه الشعب الإيراني بإسم "جلاد مذبحةعام 1988، تلك المجزرة التى راح ضحيتها أكثر من 30000 سجين سياسي، وهو شخص ليس لديه مؤهلات أكاديمية أو دينية حتى داخل الثيوقراطية القاتلة. رئيسي الذى كان من المؤيدين للشدة التي تعاملت بها السلطات الإيرانية مع احتجاجات (الحركة الخضراء)، التي تلت إعادة الانتخاب المثيرة للجدل للرئيس "محمود أحمدي نجاد" عام 2009، وقال في تلك الفترة: "من يتحدث إلينا عن (التعاطف الإسلامي والسماح)، نجيبه: سنواصل مواجهة مثيري الشغب حتى النهاية وسنقتلع جذور الفتنة". لكن خامنئى من خلال تصريحاته لنواب مجلس الشورى الإيرانى، عبّر عن دعمه الكامل لقرار مجلس صيانة الدستور برفض المرشحين الذين قد يكونون قد وقفوا في طريق رئيسي ليصبح رئيساً، لذلك لم تجسد ما تسمى بالانتخابات الأخيرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية فى عهد خامنئى التي استمرت أربعة عقود، الإرادة الشعبية، وحتى بمعايير النظام نفسه، تختلف انتخابات هذا العام اختلافًا جذريًا عن انتخابات السنوات الماضية. "رئيسى" الذى رفع خلال حملته الانتخابية شعار مواجهة «الفقر والفساد»، وهو المبدأ نفسه الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية عام 2017، ونال 38 ٪ من الأصوات، لكن ذلك لم يَحُل حينها دون فوز المعتدل حسن روحاني بولاية ثانية. وربما كان تصريح بعض كبار مسئولى الأمن القومى الأمريكي، بأن واشنطن ترغب بإبرام صفقة العودة للاتفاق النووي قبل تولي الرئيس الإيراني الجديد الحكم، تؤكد هذا الطرح، فإدارة بايدن تعتبر أن استمرار التفاوض مع إيران حتى أغسطس، "أمر خطير"، حيث أنه كلما طال أمد المفاوضات بشأن الاتفاق النووي دون تحقيق انفراجة قلت فرص النجاح. وربما كانت الإشارة هنا حول فرص النجاح إلى المعسكر الإصلاحى المعتدل، باعتبار أن توجّه المرشد الأعلى الآن ينحو إلى إبراز الوجه المتشدد فى وجه الغرب، عن طريق انتخاب شخص ذي تاريخ متشدد ووجه عابس يضمر كراهية تجاه الغرب. لذا جاءت معركة التصفيات النهائية أشبه بالمذبحة السياسية، فمجلس صيانة الدستور وهو السلطة المُخوّلة بانتقاء المرشحين الرئاسيين، أقصى أبرز الوجوه المنافسة فى تلك الانتخابات، سواء أكانت وجوها إصلاحية أو متشددة، مثل أحمدى نجاد ولاريجانى، نجاد الذى قام بمهاجمة مجلس صيانة الدستور وهاجم أغلب القيادات السياسية الإيرانية، وهدد بفضحهم بأدلة لديه. أن الشرخ في صفوف الإصلاحيين عزّز فرص فوز رئيسي، لم يكن ليستطيعوا خلق مفاجأة في الوقت الضائع، حيث تعيش التجربة الإصلاحية في إيران أحلك أيامها منذ وصولها إلى الكرسي الرئاسي في1997 مع محمد خاتمي، وذلك نتيجة إبعاد مرشحين إصلاحيين ومعتدلين من الصف الأول عن الانتخابات الأخيرة، بواسطة مجلس صيانة الدستور. ورأت الأوساط السياسية الإيرانية أن قرارات المجلس هي استغلال لصلاحياته القانونية بهدف هندسة الانتخابات لصالح مرشح المتشددين "إبراهيم رئيسي"، ورأت تلك الأوساط بأن المرشد الأعلى هو ذاك المهندس. وبالحديث عن المرشد الأعلى الإيرانى "خامنئى"، يُعرف عنه أنه شديد البرجماتية، ويُحبذ أن يكون ذراعه فى السلطة التنفيذية برجماتية أيضاً، فتاريخ خامنئى مع الغرب تاريخ برجماتى وسيظل كهذا، فمنذ عقود اجتمعت وفود من كل من إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية، واتفقا على إبرام عدد من الاتفاقيات تسهل التعاون بين البلدين في مجالات عدة أبرزها فتح قناة اتصال استراتيجية مع إيران وليس محادثات تكتيكية فقط، وتوسيع التعاون بشأن أفغانستان ليشمل محاربة تنظيم القاعدة والتنظيمات المسلحة الأخرى، وكذلك توسيع التعاون بين الولاياتالمتحدة وبين إيران فيما يتعلق بتقاسم المعلومات الاستخباراتية الأخرى، وتنسيق دوريات حدودية مشتركة لاعتقال مسلحي تنظيم القاعدة الذين يريدون الوصول إلى باكستانوإيران. فمنطقياً أن تأتي بآية الله إبراهيم رئيسي، على قمة السلطة التنفيذية، وهو حدث له ما بعده من حيث أن المعضلة الأساسية التي ستواجهه وهي علاقاته مع الغرب وما إذا كان سيواصل مباحثات فيينا حول الملف النووي أم لا؟ وهو ما يعني أن الرئيس "رئيسي" سيضع إحدى عينيه على فلسفة المؤسس "آية الله الخميني" في بناء الحكم وفي علاقاته الخارجية، وسيضع العين الأخرى على حال بلاده وتذمر أغلب أطياف الشعب، بسبب التردي الاقتصادي والعزلة الخارجية التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية. واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يواصل النظام مواجهة مجتمع على وشك الانفجار، على الرغم من وجود أزمة عالمية وهى جائحة كورونا، فإن الاحتجاجات تقام يوميًا من قبل كل قطاع وشريحة اجتماعية تقريبًا. فالاقتصاد الإيرانى أفلس تمامًا من البدائل، والنظام معزول إقليمياً ودولياً، والاقتتال الداخلي يتصاعد بشكل كبير، وللتغلب على كل ذلك، أصبحت المعارضة المنظمة القوية أكثر نشاطًا داخل البلاد، ومع وجود النظام في أضعف نقطة له في التاريخ، شعر خامنئي أنه لا خيار أمامه سوى تعزيز سلطته، بسبب كل تلك الأزمات غير العادية التي يواجهها النظام، كان خامنئي عالقًا بين المطرقة والسندان، ولم يكن لديه خيار سوى تصفية كل الفصائل المتنافسة. حتى استعراض القوة الأجوف الذى يقوم بها خامنئى لن يوفر مخرجًا من المأزق المميت الذي يواجهه، والأسباب بسيطة. أزمة اقتصادية طاحنة فى ظل استمرار فرض العقوبات واتباع سياسة التضييق والخنق، وخروج احتجاجات شعبية عارمة فى شوارع طهران والأحواز ومدن ومحافظات عدة عام2018 و2019 و2020 م، بالإضافة إلى أزمات أخرى على الصعيد الدولى أبرزها الاتفاق النووى الإيرانى الغربى. فمؤسسة الجيش الإسرائيلية صرّحت بعد الإعلان عن فوز "رئيسى"، بأنها على دراية جيدة بإبراهيم رئيسي الذي انتخب رئيساً لإيران، ف "رئيسى" المعروف باسم "الجزار"، سيتولى مهامه في 3 أغسطس 2021، ، وسيتبنى الخط المحافظ والمتطرف للمرشد الأعلى الإيراني، وذلك قد يسرّع توجه التواجد الإيراني على حدود سوريا ولبنان، ودعم الاتفاق النووي كما فعل سلفه في المنصب. وقال مسؤول كبير بوزارة الجيش، أنه قد لا يكون هناك خيار سوى إعداد خطة هجوم على النووي في إيران. لكن الوزارة تحتاج إلى ميزانية وتحويل الموارد. على الجانب الآخر يؤكد محافظ البنك المركزى الإيرانى أن بورصة طهران تنتعش على وقع نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لكن هناك تفاؤل حذر داخل أوساط قيادات الأمن القومى الإيرانى، فهذا لا يمنع وجود تحديات وعراقيل كبيرة أمام الرئيس الجديد. وأخيراً وليس آخراً،، بعد أن تم استبعاد جميع المنافسين الجادين الآخرين، بما في ذلك المنخرطين في كل جرائم هذا النظام طوال حياتهم، والذين أثبت بعضهم الولاء لخامنئي نفسه، فالانتخابات الزائفة كانت مجرد عرض مسرحي فردي، وهكذا يتم سحب الستائر على عقلية النظام لتنكشف خدعة "المتشدد" مقابل "المعتدل". فهل "رئيسى" رجل عقلاني سيقود البلاد بشكل جيد ليصبح حقاً خادم الشعب، أم سيختار خدمة مصالح السلطة الدينية وعلى رأسهم صديقه المرشد الأعلى "خامنئى"؟!!