شكشكة بيجماليون والفن والحياة إقبال بركة إن الفن هو الذى يعوض الإنسان عن كل نقص فى الحياة. هذا ما تقوله أسطورة بيجماليون الذي يتحدى الالهة ، فاذا كانت الالهة تصنع الحياة ، إلا أنها لا تستطيع أن تصنع الفن . وننتقل إلى مسرحية «بيجماليون» تدور أحداث المسرحية حول البروفسور هنري هيجينز، أستاذ علم الصوتيات، الذي يراهن على أنه يستطيع تدريب الفتاة الفقيرة، إيليزا دوليتل، التي تبيع الورود وتتحدث بطريقة سوقية، لأداء دور دوقة في حفل يقام في حديقة السفير وذلك من خلال تعليمها أصول الأرستقراطية. ويرى أن أهم ما يجب أن تتعلمه في هذه الأصول هو التحدث بشكل سليم. تهجو المسرحية النظام البريطاني الطبقي في ذاك الوقت كما تُسلّط الضوء على استقلالية المرأة. تعود القصة الي أحد الأساطير اليونانية القديمة، التي تحكى عن نحات وقع في غرام واحدة من تماثيله، والتي دبّت بها الروح بعد ذلك. كان النحّات ويدعى بيجماليون يكره النساء، فصنع تمثالا من العاج يمثل امرأة جميلة، ووقع في حب ذلك التمثال كأنه إمرأة حقيقية، وزينها بالملابس الغالية المحلاة باللؤلؤ، وفي يوم عيد فينوس إلهة الحب دعاها أن تحيي التمثال، فأحيته وسمى التمثال الحي جالاتيا وتزوجها، فولدت لهما بنت اسمها بافوس أسست مدينة بافوس في قبرص. هنا تنتهى الأسطورة اليونانية... وقد أعاد الكاتب الكبير توفيق الحكيم صياغة الأسطورة اليونانية متأثرا بمسرحية برنارد شو. إلا أنه لم يكن وفيا بشكل كامل للأسطورة، فقد غير في بعض الأسماء الأسطورية، فحول إفروديت اليونانية إلى فينوس الرومانية، كذلك لم يتقيد بالشخصيات التي وجدها في الأسطورة وإنما اضاف شخصيات أخرى مثل «نرسيس، وإيمسين»، ثم أطلق خياله ليتابع سيرة بجماليون بعد زواجه، فلا يكتفي بما تقوله الأسطورة «بأن السعادة رفرفت على حياة بجماليون وجالاتيا بعد أن أنجبا طفلا يدعى بافوس» بل يتابع، عبر خياله تفاصيل للحياة اليومية التي من شأنها أن توتر العلاقة بين الرجل والمرأة، لذلك جعل بجماليون رجلا عاديا لا ملكا، كما جعل جالاتيا امرأة عادية تنظف البيت وتقوم بأعمال منزلية، فهل أسقط توفيق الحكيم في هذه المسرحية صراعه الداخلي بين الرغبة ببقاء الفن بمعزل عن الحياة وبين ربطه بالحياة..؟ ثمة تشابه واضح بين مسرحية بجماليون لبرناردشو وبجماليون لتوفيق الحكيم في فكرة التحوّل من تمثال إلى امرأة، ومن امرأة فقيرة إلى امرأة ارستقراطية، فهما يشتركان في النهل من منبع واحد، ورغم أن توفيق الحكيم قد استفاد من البناء المسرحي لدى برناردشو، ولكن سنجده يقدم مسرحية تختلف عن مسرحية شو كل الاختلاف، فهو أكثر وفاء لجو الأسطورة. لقد استجابت الالهة لرغبة بيجماليون وسلبت لجو الأسطورة. لقد استجابت الآلهة لرغبة بيجماليون وسلبت من تمثاله الحياة وأعادته إلى الجمود ، ولكن بيجماليون ندم وتوسل للآله ان تعيد زوجته إليه، لكن الآلهة ترفض الاستجابة إليه، فهي لم تنسَ تحديه لها في عجزها عن خلق فن خالد كخلق الفنان، لهذا يعاني بشدة، وينتهي به الأمر إلى أن يحطم رأس تمثاله ثم يموت حسرة عليه. وفى مسرحية «برناردشو» تبرز معاناة الفتاة التي انتقلت بفضل العالم «هيجنر» من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة الغنية، وتعاني صراعا بين القيم التي نشأت عليها، وبين قيم حياة جديدة، لا ترأف بالإنسان، بل تنظر إليه بصفته أداة لتحقيق المآرب، فقد وقعت في حب أستاذها «هيجنر» في حين لم ينظر إليها إلا نظرة العالم لموضوع دراسته، فهي تنتمي إلى طبقة غير طبقته، لذلك لن يستطيع الزواج منها، وينتهي الصراع النفسي في أعماق الفتاة بأن ترفض البقاء في تلك الطبقة المزيفة، وتفضل الزواج من سائق أجرة، فقد باتت تحتقر تقاليد الطبقة الارستقراطية التي تقوم على الزيف والتفاهة، وتتزوج رجلا من طبقتها. هل هي دعوة الي الخمول والتواكل والعزوف عن اي جهد للبناء او الابداع؟! اذن لماذا لم ولن يستجيب لها احد؟! مازال الناس يتسابقون الي خلق عالم افضل واجمل وابقي لانهم يرون ان الابداع الفنى هو التحدى الحقيقي لمحنة الفناء. مازال الناس يتمتعون باعمال فنية ابدعها اجدادهم منذ الاف السنين مثل منحوتات المصريين القدماء والاغريق واهل روما القديمة والصينيين.. الخ