رغم الخلاف الظاهر بين حلف الناتو وتركيا إلا أن هذه الأخيرة توظف الحلف لأغراضها التوسعية وتحاول بقدر المستطاع الاستفادة من دعم الحلف لها فى تحقيق طموحاتها التوسعية ونفس الوقت من خلالها أى تركيا دس أنف الحلف فى كل ما تقوم به روسيا من كسب مواقع جيوسياسية جديدة فى العالم. والدليل على ذلك دخول تركيا فى سوريا واحتلالها شمال سوريا بالكامل بعرض البلاد، وتدخلت فى ليبيا وسمحت للولايات المتحدة بالحصول على إحدى منظومات الدفاع الجوى الروسية من طراز "بانتسر" ونقلها إلى إحدى القواعد الأمريكية فى ألمانيا، وسبق أن حذر بعض المعلقين الروس من بيع صواريخ إس 400 لتركيا لنفس السبب. ولا يخفى على أحد أن ما تقوم به تركيا يصب فى خدمة حلف الناتو. بينما تعتبر روسيا أن تعاون تركيا معها يحدث انشقاقا فى حلف الناتو ما قد يؤدى فى النهاية إلى انهياره خاصة أن حلف وارسو اختفى ولم يعد لحلف الناتو تلك الأهمية العسكرية السابقة، كما أن أهمية تركيا الجغرافية والاستراتيجية كدولة عضو بالناتو قد انتفت بعد ضم دول أوروبا الشرقية للحلف. والآن بعد أن أبدت روسيا تسامحا مع الشريك الاستراتيجي التركى بالتدخل فى الحديقة الخلفية لروسيا ودخول حرب ضد حليفتها أرمينيا بل وإجبار أرمينيا على القبول بالهزيمة حتى لا تجد روسيا نفسها فى مواجهة وجهاً لوجه مع تركيا، قامت الأخيرة شريك روسيا فى سوريا والآن فى أذربيجان بالكشف عن خارطة تركيا لعام 2050، عبر قناة تى آر تى 1، ولم تجد القناة أى حرج فى فى الإشارة إلى الأراضى والدول التى تجد تركيا لنفسها حقا فى ضمها لتركيا، مشيرة إلى أن تركيا يجب أن تصبح دولة عظمى، وأن هذا سيكون على حساب بعض الدول المجاورة، ومنها روسيا الاتحادية. على رأس المناطق التى ترغب تركيا فى ضمها القرم، حيث لم تعترف أنقرة بالقرم كجزء من روسيا حتى الآن، وهى بذلك تخدم على واشنطن التى تفرض عقوبات على أى دولة تعترف بالقرم كجزء من روسيا الأمر الذى جعل دولا حليفة لروسيا فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق مثل بيلاروسيا وكازاخستان وبقية الدول لا تعترف بذلك خوفاً من العقوبات وتغاضى الرئيس بوتين عن ذلك بالنسبة لتركيا تجنباً لتدهور العلاقات معها، ولم تعترف تركيا كذلك بالقرم حتى كجزء من أوكرانيا طوال الفترة الماضية على استعادة روسيا له، لكن تواجدها وتأثيرها الثقافى كان كبيراً وكانت تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليه. الطموح التركى لم يتوقف عند القرم وسيفاستوبل منطقة تمركز أسطول البحر الأسود الروسى الذى يعتبر رأس الحربة الروسية فى مواجهة توسع الناتو فى أوكرانيا ولمواجهة تركيا نفسها على الجانب الآخر من البحر الأسود. وبالإضافة للقرم ترغب تركيا وفق الخارطة التى أعلنت عنها فى ضم مناطق كوبان وأديجيا وأستراخان وفولجاجراد فى جنوبروسيا. هذا فيما يتعلق بروسيا. وترى تركيا ضمن خارطتها كل من أوسيتيا الجنوبيةوأرمينيا واليونان وقبرص وجورجيا وأذربيجان وليبيا وجزء كبير من وسط آسيا وشبه الجزيرة العربية، بينما وفق بعض الصحفيين ترى تركيا منطقة الدنباس فى شرق أوكرانيا جزءًا منها. بعض الخبراء علق على الطموحات التركية التى جرى الكشف عنها عبر قناة تركية حكومية وأشاروا إلى أن سياسة الرئيس التركى تجنح إلى القومية المفرطة التى ترتدى وشاحا دينيا، واعتبروا ما تقوله وسائل الإعلام، مجرد هراء، ففى الوقت الراهن وحتى فى حال قدرات تركيا الخارقة ، غير أن خزنتها واحتياطيها النقدى مستنزف لأقصى درجة على وقع أزمتها الاقتصادية، ولكى لا تفقد أنقرة دعم الناتو والاتحاد الأوروبى تعلن عن مثل تلك الخطوات والمشروعات اليائسة التى اعلنت عنها فى السياسة الخارجية، أما داخلياً فهى تقوم بتقوية الدعاية القومية فى السياسة الداخلية، كما يفسر تصريحات انقرة الخبير السياسى فلاديمير جارالله. تجدر الإشارة إلى أن تركيا ليست هى الدولة الوحيدة التى تريد ضم أراض روسية، فهناك أوكرانيا التى ترغب فى ضم مناطق كوبان والقرم وكذلك سيبيريا، لأن وفق زعم القوميين الأوكران فى تلك المناطق يعيش مواطنون من "ذوى جذور أوكرانية". وفى أول رد فعل روسى على ما كشفت عنه القناة التركية قال المستشار السياسى والمستشرق الروسى إيجور دميتريف على صفحته فى موقع تيليجرام، يبدو أن التليفزيون التركى يبث "فنتازيا عثمانية" وأشار إلى أن الخارطة التى عرضتها قناة التليفزيون التركية تم نشرها منذ عدة أعوام مضت على توقع لعام 2050، مشيراً إلى أن ما جاء فى الخارطة بعيد كل البعد عن الحقيقة. غير أن المستشرق الروسى لم يستبعد ما جاء فى الخارطة عن تصريحات الرئيس التركى الذى أعلن فى يناير العام الجارى أن بلاده زودت ميزانية الدفاع 11 مرة فى الخمس سنوات الأخيرة، وأكد على تصريحات أردوغان الأخيرة التى قال فيها إن بلاده لن تحصل على موافقة شركائها الدوليين فيما يتعلق بسياستها الخارجية الدفاعية. وفى إطار الردع الروسى للهياج التركى على مستوى التصريحات حتى الآن قال نائب رئيس لجنة الدفاع فى البرلمان الروسى اندريه كراسوف لمحطة الراديو "جوفوريت موسكوفا" فى تعليقه على الخارطة التركية "ربما يكون لدى تركيا خطط لاستعادة الإمبراطورية العثمانية". إلا أنه وفق رأيه هذه الإمبراطورية ستكون مهددة بأخطار إذا دخلت فيها أراض روسية، وذكر كراسوف إن مسألة القرم وسيفاستوبل وانتسابهما لروسيا منتهية من فترة، فهما جزء لا يتجزأ من روسيا، وأشار فيما يتعلق بالمناطق الروسية الأخرى إلى أنه على الاستراتيجيين الأتراك أن يتذكروا قبل التفكير فى توسيع تأثيرهم، تاريخهم مع الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتى، الحرب ضد روسيا عادة ما تنتهى بمأساة، واختتم البرلمانى الروسى تصريحه قائلاً "إذا كانوا يرغبون فى اختبار الروح الروسية وأسلحتنا فليجربوا". على أى حال البرنامج الذى أذاعته القناة التركية كان فى 12 فبراير، أى أنه ساعة كتابة المقال لم يكن رد الفعل الروسى قد تبلور بعد ومن المتوقع، أن تظهر ردود فعل أشد شراسة ليست عسكرية بالطبع لكنها ستكون ردا حاسما، تعيد "الشريك الاستراتيجى التركى" لروسيا إلى صوبه، أما فى برلمان القرم نفسه وعلى لسان رئيس لجنة الدبلوماسبة الشعبية والعلاقات بين القوميات يورى جيمبل، فقد نصح الأتراك بترك أحلامهم الخاصة بجنوبروسيا، واعتبر ما كشف عنه الأتراك نوعا من القصص الخيالية، ونصح الأتراك بالابتعاد عن الأراضى الروسية وإلا سيقعون فى شر أعمالهم. وكشف نائب برلمان القرم عن أن تركيا كانت تقوم بعمليات تمويل ودعاية ضخمة لسكان القرم عندما كان ضمن أوكرانيا، أما الآن فالقرم جزء لا يتجزأ من روسيا، وروسيا ليست أوكرانيا، مثل هذه الألاعيب من خلف الكواليس لن تمر على روسيا.