سفير أمريكا فى كييف: لن نعترف بأى نتائج للاستفتاء على وضع شبه جزيرة القرم هل بدأ العد التنازلى لمواجهة عسكرية وشيكة بقيادة أمريكية غربية مع الدب الروسى، يبدو أن شبح الحرب بدأ يخيِّم على جمهورية القرم الأوكرانية، حيث بدأ الجيش الأوكرانى فى تحريك قطع عسكرية من المناطق الغريبة لأوكرانيا نحو الحدود الشمالية الشرقية فى شبه الجزيرة ذاتية الحكم. يأتى هذا وسط تداول أنباء حول وجود مجموعات قومية متطرفة (موالين لحكومة أوكرانيا الجديدة) وعناصر من شركة «بلاك ووتر» الأمريكية بالقرب من حدود جمهورية القرم، ما أثار مخاوف من نشوب اشتباكات عسكرية بين هذه القوات والعناصر من جهة، وبين قوات الدفاع الذاتى فى شبه الجزيرة (الموالية لموسكو). ومن الممكن أن تتطور هذه الاشتباكات مع قوات أسطول البحر الأسود الروسى فى شبه جزيرة القرم. وفى الوقت ذاته أعلن سفير أمريكا فى كييف أن بلاده لن تعترف بأى نتائج للاستفتاء على وضع جزيرة القرم. بعد إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن السلطات الشرعية فى القرم تقوم بخطوات على أساس قواعد القانون الدولى من أجل ضمان المصالح المشروعة لسكان الإقليم. وبعد أن ذكر الكرملين أن بوتين لفت الانتباه، فى أثناء مكالمة هاتفية مع كل من رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أن السلطات الحالية فى كييف لا تفعل شيئًا من أجل وقف نشاط القوى المتطرفة فى العاصمة كييف وغيرها من مقاطعات أوكرانيا.. بعد كل ذلك لم يعد هناك شك فى أن تغييرات جذرية جيوجغرافية وجيوأمنية سوف تجرى فى المجال السوفييتى السابق عمومًا، وفى شرق وجنوب أوكرانيا على وجه التحديد. وإذا كانت شبه جزيرة القرم قد شكَّلت اللجنة المركزية للانتخابات، وطبعت استمارات التصويت، وأعدت قوائم الناخبين، وجهزت مراكز الاقتراع، وقامت بتأمينها، وأعلنت استعدادها لاستقبال المراقبين الأجانب فى الاستفتاء المقرر إجراؤه فى 16 مارس الحالى، فقد قامت قائمة مدن ومقاطعات دانيتسك ولوجانسك وسيفاستوبل وأوديسا وأعلنت هى الأخرى نيتها لإجراء استفتاءات ليس فقط بهدف الاستقلال، بل وأيضًا من أجل الانضمام إلى روسيا الاتحادية. لقد أخطأ الحلف الأوروأطلسى مجددًا، وبالغ حلف الناتو مرة أخرى فى تقييماته وتراجع عن وعوده الشفهية للرئيس الروسى السابق بوريس يلتسين عندما تنازل الأخير عن كل شىء مقابل وعود وتصريحات بأن يلتزم حلف الناتو والولاياتالمتحدة وأوروبا بعدم التوسع شرقًا نحو حدود روسيا. وهذا بالضبط ما قاله الرئيس الروسى الحالى فلاديمير بوتين بأن نظام يلتسين أخطأ عندما وثق فى الوعود الشفهية التى قدمها له الغرب، وكان من الضرورى أن تكون هناك اتفاقيات موقعة. لقد تمكنت الولاياتالمتحدة من تمرير سيناريو تمكين التيارات والقوى اليمينية الدينية المتطرفة جزئيًّا فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب عوامل معروفة جيدًا تتعلق بتركيبة المنطقة وتخلفها وصراعاتها البينية وقصر نظر خططها الجيوسياسية والجيوجغرافية. لكن يبدو أنه من الصعب تمرير هذا السيناريو بتمكين القوى القومية المتطرفة والنازية الجديدة للحكم فى المجال السوفيتى السابق، ووضع شعوب تلك المنطقة أمام خيارات من قبيل «روسيا أو الاتحاد الأوروبى» أو «الليبراليين الجدد أبناء واشنطن وبروكسل أو القوى القومية المتطرفة والنازيين الجدد».. فى هذا الصدد تحديدا، انتقد المستشار الألمانى السابق جيرهارد شرودر سياسة الاتحاد الأوروبى فى التعامل مع الأزمة الأوكرانية وقيامه بوضع أوكرانيا أمام خيار إما روسيا وإما الاتحاد الأوروبى. وقال شرودر: إن أوروبا «لم تدرك مقدار الانقسام الثقافى فى أوكرانيا، وأنه لا يجوز التعامل بهذه الصورة مع هذا البلد»، معربًا عن شكوكه حيال المستقبل السياسى ليوليا تيموشينكو. ورفض شرودر بشكل قاطع عروضًا قدّمت له للوساطة فى تسوية الأزمة. التصعيد العسكرى للولايات المتحدة وحلف الناتو مستمران بشكل لافت. فقد أفاد مصدر فى البحرية الأمريكية بأن مدمرة «تراكستن» الأمريكية المزودة بمنظومة الإنذار المبكر ومنظومة «إيجيس للدرع الصاروخية» وصواريخ «توماهوك» المجنحة دخلت يوم 10 مارس مياه البحر الأسود. وهذه المدمرة التى تعتبر إحدى السفن المرافقة لحاملة الطائرات «جورج بوش» ستشارك فى المناورات المشتركة المخطط لها مسبقًا مع حلفائها برومانيا وبلغاريا فى البحر الأسود. لكن هذه المناورات تعنى الكثير والكثير الآن. علمًا بأن تعداد أفراد طاقم المدمرة يبلغ 300 شخص. وتحمل على ظهرها مروحيتين إلى جانب الصواريخ المجنحة والصواريخ المضادة. وفى وقت سابق قامت السلطات التركية (تركيا عضو حلف الناتو وتطل على البحر الأسود أيضًا) منحت البحرية الأمريكية ترخيصًا بمرور إحدى سفنها بمضيق البوسفور دون أن تذكر نوع السفينة. وتبين بعد ذلك أن حاملة الطائرات «جورج بوش» التى كان من المخطط دخولها فى البحر الأسود لم تتلق الترخيص لعدم تناسبها مع شروط اتفاقية مونترو، لأن حمولتها تزيد على 45 ألف طن. فى كل الأحوال، فاتفاقية مونترو تقضى بأن لا تزيد فترة بقاء السفن التابعة لدول غير مطلة على البحر الأسود على 21 يومًا. فهل يمكن أن يدفع الناتو والولاياتالمتحدةبتركيا فى مواجهة مع روسيا؟ سؤال يتردد على خلفية غضب أنقرة - أردوغان من الولاياتالمتحدة وأوروبا اللتين خذلتاه فى مواجهاته مع المعارضة التركية من جهة، وفشلتا أيضًا فى تنفيذ سيناريوهاتهما فى الشرق الأوسط ما أحبط أحلام أردوغان باستعادة مجد الإمبراطورية العثمانية فى رداء إسلامى، وأجل طموحات حزب «العدالة والتنمية» فى الانضمام إلى أوروبا. يبدو أن الأزمة الاقتصادية التى تجتاح أوروبا والولاياتالمتحدة لن تحل بسيناريوهات الشرق الأوسط فقط، بل وأيضًا بافتعال حرب مع روسيا قد تضر الجميع كما يحذر الروس. فقد أعرب دميترى روجوزين نائب رئيس الوزراء الروسى، ومندوب روسيا فى التعامل مع حلف الناتو، عن قناعته بأن أحدًا لن يشكك فى ضرورة إعادة تسليح الجيش الروسى بأسرع وقت بعد «تهديدات صريحة» من جانب الولاياتالمتحدة وحلف الناتو. هذا التصريح المهم والخطير يشير إلى تفاقم الأمور بشكل لا يمكن حتى مقارنته بأزمة خليج الخنازير فى مطلع ستينيات القرن العشرين عندما لم يتبق أمام القوتين العظميين آنذاك إلا الضغط على أزرار إطلاق الصواريخ. هناك عامل آخر مهم، ألا وهو أن روسيا لن تسمح فى أى حال من الأحوال باقتراب الناتو من حدودها المباشرة، ما قد يسفر فعليًّا عن تقسيم أوكرانيا، وهذا هو الذى يجرى بالضبط فى الوقت الراهن. إن المحور الأوروأطلسى - الناتو لا يمتلك أى مسوغات قانونية للتدخل فى ما يجرى بالداخل الأوكرانى. ومع ذلك فالسلطة الجديدة فى كييف تقدم له كل المسوغات الممكنة، وتفتح أمامه كل الطرق الممكنة وغير الممكنة للتدخل عسكريًّا فى تلك الأزمة. ويبدو أن هناك انقسامًا أوروبيًّا من جهة، وخلافًا أوروبيًّا - أمريكيًّا من جهة أخرى بشأن الدخول مع روسيا فى مواجهات مسلحة مباشرة. لقد رفضت القوات المسلحة فى أثناء حكم فيكتور يانوكوفيتش التدخل فى حل الأزمة السياسية حتى عندما بدأت الميليشيات القومية المتطرفة والنازيون الجدد فى النزول إلى الشارع واحتلال المبانى والمؤسسات الحكومية، فى حين تدعو سلطات كييف الجديدة القوات المسلحة للدخول فى مواجهات مع الجزء الشرقى والجنوبى من أوكرانيا. وهو ما أثار غضب قيادات القوات المسلحة الأوكرانية ورفضها تنفيذ مثل هذه الأوامر. ما أسفر عن إقالة ثلاثة نواب لوزير الدفاع الأوكرانى الذين رفضوا المشاركة فى وضع خطة تقتضى باستخدام القوات المسلحة ل«تهدئة!» فى عدد من المناطق فى شرق وجنوب شرق البلاد، وكذلك نزع سلاح وحدات أوكرانية انتقلت إلى جانب حكومة شبه جزيرة القرم. وقالت مصادر إنه بعد تعيين إيجور تينيوخ وزيرًا للدفاع من قبل السلطات الجديدة فى كييف كان من أول تعليماته وضع خطة بهدف منع انشقاق وحدات الجيش الأوكرانى المرابطة فى القرم والتحاقها بسلطات الجمهورية.