في العام الماضي صرح الرئيس السابق ترامب بأنه:"يجب علي الولاياتالمتحدة أن تفوز بسباق 5G, يجب أن تكون الشبكات قوية وآمنة ومحصنة من الأعداء… لدينا أعداء وسيكون لنا أعداء"…وصرح جيك سوليفان مستشار بايدن الأمني الأول, السبت الماضي, أن الولاياتالمتحدة ستركز اهتمامها علي خطورة الصعود الصيني, وأضاف أن الولاياتالمتحدة عليها أن تستعد لتحمل تكاليف الصراع مع الصين وأن تحول الانتباه نحو القارة الأسيوية. يتفق الجميع أن شبكات 5G هي المستقبل, وأن من سيصل أولاً هو من سيحقق الانتصار, والوصول أولاً يعني أن من سيتمكن من أخذ حق بناء وتشييد هذه الشبكات في أكبر عدد ممكن من البلاد هو من سيحسم المعركة. فالمتحكمون بها سيعرفون كل شيء عن الآخر بل والتحكم في شبكة الاتصالات العامة حول العالم. أعلن ترامب الحرب علي الصين بعد أن استيقظت الولاياتالمتحدة متأخراً ووجدت نفسها أمام شركتين صينيتين عملاقتين أنفقت الصين لتشييدهما مئات المليارات, وهما شركتان جاهزتان لبناء وتشييد البنية التحتية المطلوبة لتشغيل شبكات 5G حول العالم متي تطلب ذلك. فجميع الدول تريد الدخول في المنافسة علي مد شبكاتها, غير أن ذلك صعب ويحتاج لاقتصاديات عملاقة ومستقرة, فلا يمكن لغالبية دول العالم أن تقوم به. لذلك تتسابق الشركات العملاقة بضراوة في هذا السباق عبر اقناع الدول المتخوفة علي أمنها التكنولوجي, تنافسية تصل حد إعلان حرب السيطرة الرقمية من قبل ترامب في مواجهة شركة هوواي الصينية. ففي منتصف أحداث كورونا, أعلن ترامب عن تأسيس تحالف شركات للدخول وإمكانية الصمود في حرب 5G التي تتقدم فيها الصين, ويعد ترامب الأمريكيين ونخبهم القلقين بشدة أنهم قد خسروا السباق بالفعل أنه سينتصر علي الصين. فإنترنت الأشياء تقدر قيمته التجارية بحوالي 12 تريليون دولار, يرتبط ارتباطا وثيقا بشبكة 5G , وهذا الرقم المهول يدفع حوالي 50 شركة حتي العالم للمنافسة عليه. وما يميز الصين عن غيرها أنها سبقت الجميع بمراحل, فقد أنفقت مئات المليارات من الدولارات للصدارة, لدرجة دفعت الخبراء إلي القول بأنها لا تريد أرباحاً فحسب بقدر ما تريد مزيداً من السيطرة علي البيانات. فحقيقة الأمر أن العالم بأسره سيكون في يد من يبني الشبكات. فعالم 5G عالم متشابك تماماً. والصين تمتلك شركة هوواي التي تسيطر علي قرابة 40% من حجم سوق 5G وتنسب لها نسبة 15% من إجمالي حجم براءات الاختراع فيه. ولديها كذلك شركة ZTE وتعد من الشركات الكبري المتقدمة وتساهم في حوالي 10% بالمئة من حجم نفس السوق وسوق معدات الاتصال بشكل عام. وفي الطرف الآخر هناك شركة ERICSSON السويدية و NOKIA الفنلندية و SAMSUNG الكورية الجنوبية. وأخيراً, تحالف 30 شركة عالمية تشكل في مايو 2020 لمجابهة التفوق الصيني المهول. توفر الشركات الصينية عروضاً مغرية للدول التي ستطلب تركيب الشبكات: السرعة في التنفيذ, السعر الرخيص والتكفل الكامل بتنفيذ الشبكات وتشغيلها من الألف إلي الياء. وسيجد الطرف المنافس للشركات الصينية نفسه أمام عقبتين كبيرتين, وهو أنه لن يستطيع المنافسة في الأسعار وأنه لن يستطيع السباق مع الزمن للوصول للتقنية بدون التعاون الصيني, حيث تستحوذ الصين علي جزء غير قليل من الصناعات المطلوبة في تقنية تشغيل الشبكات. استيقظت الولاياتالمتحدة متأخراً, فحين كانت هوواي و ZTE قد بدأتا في مد الشبكات علي الأراضي الأمريكية, بدأ رجال الامن القومي الأمريكي بالحديث عن أن هذه الشركات تمد الدولة الصينية بالبيانات التي تطلبها, والأهم أنها تخفي في أنظمتها مفاتيح قاتلة تستطيع أن تعرقل من خلالها أنظمة الاتصالات الغربية بكل أريحية. وسرعان ما تم إعلان الحظر الأمريكي علي الشركات الصينية من مد الخطوط علي الأراضي الأمريكية و علي رأس هذه الشركات شركة هوواي, ودعا ترامب جميع حلفاء أمريكا لأن يسيروا علي نهجه. ولكن لم تستجب بعض الدول الأوروبية لترامب وأعتبر كثير من السياسيين الأوربيين أنها حرب لصالح أمريكا علي الصين لن تستفيد دولهم فيها بشيء. و في يناير 2020 أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستتعاون مع شركة هوواي و ستسمح لها بتنفيذ 35% من حجم الشبكة الخاصة بها, و كان ذلك قراراً صادماً, و يتوقع الجميع أن تسلك الدول الأوروبية نفس السلوك خصوصاً أن الأتحاد الاوروبي أعلن أنه سينجز إدخال الشبكة في كامل أوروبا بحلول 2025. تضغط الصين كذلك علي الدول الأوربية عبر التداخل الاقتصادي الحاصل معهم, فليست من مصلحة شركات السيارات الألمانية مثلاً أن تخسر السوق الصينية. ولكن تخشي الدول الأوروبية كذلك علي أمنها السيبراني, فأتجهت كل من بولندا و أستونيا عبر تشريعات قومية تضمن أن يكون منفذو الشبكات من دول متنوعة و مصادر مختلفة و أن يشترك القطاع الخاص المحلي في هذه العملية. وتحاول الهند أن تمد الشبكات عبر صناعتها المحلية و أن تبقيها أمنة و لكن يقف التمويل المهول المطلوب لتنفيذ هذا الهدف عائقاً أمامها, فإنفاق الهند علي شبكات ال5G بلغ 31 مليون دولار في 2018 بينما كان إنفاق قد تجاوز 500 مليار دولار في نفس السنة. كثير من الدول لا تشارك في هذه المنافسة لكنها تمثل سوقاً جيدة لها, فترامب هدد الخليج قائلاً "عليكم الاختيار بين أمريكا أو الصين", و ذلك بعد أن علم أن هوواي تشارك في بناء جزء كبير من البنية التحتية في منطقة الخليج و هي منطقة القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط. أزمة أمريكا العديد من الشركات الأمريكية تنتج برمجيات الجيل الخامس الأكثر تقدماً, عير أنها لا تصنع جميع الاجهزة اللازمة للبنية التحتية الرقمية. فعلي المدي المنظور لن تمتلك الولاياتالمتحدة قدرة تنافسية عالمية في هذا المجال, و لذلك تحاول التعاون مع NOKIA و ERICCSON وتضغط علي شركاتها مثل CISCO و ORACLE لكي تبدأ في في تصنيع أجهزة البث حتي تدخل اقتصاد 5G و تنقذ الموقف الأمريكي. وجدير بالذكر أن وضعاً مماثلاً كان قائماً في الثمانينات, حيث كانت اليابان تسيطر سيطرة كاملة علي سوق أشباه الموصلات, فأطلق الرئيس رونالد ريجان اتحادSEMATECH الذي ضم 14 شركة أمريكية و من خلال هذا الاتحاد وعبر 6 سنوات فقط عادت الولاياتالمتحدة إلي صدارة سوق أشباه الموصلات. وتعتبر أشباه الموصلات جزءا أساسيا من إنشاء شبكات ال5G , ويمكن للولايات المتحدةالأمريكية أن تصنع المعجزة إذا ما وفرت التمويل اللازم لدعم هذه الصناعة و تشجيع القطاع الخاص المتخوف من التكاليف الباهظة مقارنة بالأرباح طويلة الأجل. و بالفعل خصص مجلس الشيوخ الأمريكي مبلع مليار دولار لتطوير هذه التقنية في الداخل الأمريكي, و لكنه مبلغ ضئيل جداً إذا ما تم مقارنته ب 15 مليار دولار أنفقتها هوواي وحدها في عام 2019. وفي مايو 2020 تم الإعلان عن تحالف يضم 30 شركة أمريكية تحت اسم "أوبن ران بوليسي كواليشين" بهدف منافسة هوواي, تحالف علي رأسه GOOGLEو MICROSOFT و IBM و فودافون و كوالكوم و إنتل و سامسونج. و مهمة هذا التحالف هو ضمان الأمن السيبراني الأمريكي و أن تشييد الشبكات خارج الأراضي الأمريكية لمنافسة الصين. لقد بدأت عجلة التطوير بالدوران في هذا المجال بشكل غير مسبوق منذ بداية هذا العام, مثل ما حدث في المجال العسكري في الحرب البادرة بين السوفيتين و الأمريكيين, رغم ظهور أزمة الفيروس التاجي المستجد. الصين متفوقة حتي الآن و لكن لا أحد يعرف ما سيحدث لاحقاً, ستكون الحرب أمنية و تجارية و سياسية, و يعتقد ترامب أن معركة 5G هي المعركة الحاسمة و الوجودية بالنسبة للولايات المتحدة, و تعتبرها الصين من فترة طويلة الباب الأوسع للسيطرة علي الاقتصاد العالمي, ولكن مع الاجراءات الأمريكية الأخيرة أصبحت تري الصين أن المنافسة التي تجري غير عادلة و أن أمريكا تتراجع عن قواعد عالمية أدعت أنها ترسيها. فلأمريكا نفوذ سياسي علي الشرق الأوسط, كما أن أوروبا لن تتعاون مع الصين بشكل كامل حتي لو لم تحظر الشركات الصينية علناً. بإختصار, الصين تسبق بالتمويل والخبرة ولكن للولايات المتحدة أدوات هيمنة سياسية وعسكرية واقتصادية قد تساعدها علي الفوز بالسباق, خصوصاً مع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي وعد بالتصدي للتنافس الصيني وجمع شمل الكتلة الغربية التي كانت قد تفرقت بعد سياسات الرئيس السابق ترامب, التي اتسمت بالضغط الشديد علي الحلفاء الاستراتيجيين لأمريكا في ملفات دولية عديدة جعلت ثقتهم في قيادة الولاياتالمتحدة تهتز.