الفرق المسرحية الجديدة فى مصر.. أفق مفتوح على التجريب *عيد عبد الحليم (1) فرقة"لاموزيكا" الدخول إلى المسرح من بوابة الأدب بدايتها كانت مع الإبداع القصصي والروائي وحققت فيهما نجاحات ملحوظة، فكانت من أبرز كتاب جيل التسعينيات في القصة المصرية، لكنها انتقلت فجأة إلى المسرح لتنشئ فرقة مسرحية خاصة بها، إنها المبدعة نورا أمين صاحبة الرواية البديعة "الوفاة الثانية لرجل الساعات"، والتي كانت آخر أعمالها، والتي كتبتها عام 2000، لتتوقف تماما عن الكتابة الروائية، بعد أن جذبتها أضواء المسرح. وربما كانت البداية الحقيقية في اتجاه "نورا أمين" إلى المسرح مع صدور كتابها النقدي "فن المطالبة بالحق، المسرح وحقوق الإنسان"، والذي صدر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان عام 2002 بتشجيع من الشاعر الراحل حلمي سالم حين كان مشرفا على النشر في المركز، واستحدث سلسلة عن الآداب والفنون التي اهتمت بفكرة الحرية الإنسانية، فكان الكتاب حاملا لدلالات متعددة، حيث رصدت فيه "نورا" تاريخ المسرح المصري من هذه الزاوية، وإن كان اهتمامها الأساسي جاء منصبا على بعض تجارب الفرق المسرحية الشابة، خاصة فرقة "الشظية والاقتراب" والتي أسسها المخرجان المسرحيان هاني المتناوي ومحمد أبو السعود عام 1990، واستعرضت نورا مجموعة من عروض الفرقة الأولى ومنها عرض "دير جبل الطير"، والذي تعرض للمصادرة، حيث تم استبعاده من العرض ومن تمثيل كلية الآداب بجامعة القاهرة في مهرجان المسرح، الذي تقيمه الجامعة ليحل محله عرض مسرحي آخر، ثم كان عرض الفرقة الثاني "بريسكا"، وهو عبارة عن بروفة لإعادة الكتابة الكلاسيكية لمسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم بشكل مرتجل مضفرة بنص شعري لأحمد يماني، وقد تعرض العرض للمصادرة أيضا حيث كاد يمنع من العرض في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، بعد أن طالبت "الرقابة على المصنفات الفنية" بحذف وتعديل النص المعد للعرض، وقد تغلبت الفرقة على ذلك بفتحها باب المسرح للجمهور لمشاهدة العرض أثناء البروفة. تلك الحالات التي رصدتها نورا أمين في كتابها جعلها تؤمن بأن فضاء المسرح هو من أرحب الفضاءات الإبداعية تعبيرا عن الإنسان، وعن مكنون النفس البشرية، كذلك ما يتضمنه من أفق متسع للتجريب. ولأنها تمتلك إرادة قوية، وشخصية مرنة قادرة على إعادة صياغة خطابها الإبداعي، راحت تثقل إرادتها هذه بالدراسة، ساعدها على ذلك إجادتها لعدة لغات، وكانت قبل ذلك قد ترجمت عدة كتب وروايات إبداعية، وربما جاء اهتمامها بهذا الجانب منذ الصغر، فقد ولدت في منزل يهتم بالآداب الغربية فوالدتها د. منى أبو سنة أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، وصاحبة الآراء الفكرية الجريئة. بعد ذلك فكرت "نورا" في تكوين فرقة مسرحية تحمل توجهاتها الفنية فجاء تأسيسها لفرقة "لاموزيكا"، والتي أرادت من خلالها الاهتمام بفكرة التدريب والارتجال، الذي يثمر تكوين نص مسرحي لا يعتمد على الجاهزية، وعن ذلك تقول نورا: "اهتممت بفكرة التدريب والارتجال من داخل الأسلوب الذي أريد أن أقدمه، اقتربت من نصوص غير جاهزة، تخرج من الممثلين بطريقة مباشرة، وتكون ذات علاقة مباشرة بتجاربهم الشخصية، كان هذا مختلفا على مستوى المحتوى والأداء التمثيلي". وفي عام 2006 قدمت مشروعا تدريبيا في فن التمثيل وسافرت لتحتك بالتجارب العالمية التي تقدم ما يسمي ب "المسرح الفقير" مثل تجربة "إجستو بوال" في أمريكا اللاتينية، وغيرها من التجارب التي تعتمد على فكرة التمرد المسرحي وتقدم أشكالا مسرحية غير نمطية. وفي عام 2007 اشتركت في تكوين "أكاديمية الإدارة الثقافية"، بالإضافة إلى إقامتها لعدة ورش تدريبية في القاهرةوالإسكندرية بالتعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية التي تهتم بالشأن الثقافي. الوعي المسرحي تجارب "نورا أمين" المسرحية تعتمد على مسرح الحركة، ربما لأنها استفادت على حد قولها من ممارستها للرقص الحديث لأن فيه تعاملا مختلفا مع المؤدي وتدريبا جسديا غير نمطي، فهو يجعلك قادرا على امتلاك أدواتك الجسدية مع الوعي بإمكاناتها اللانهائية". وعن استفادتها من تجربتها في الكتابة الأدبية تقول نورا أمين "تعلمت من الأدب تأمل النسيج اللغوي وكيف يمكن تحقيقه على المسرح من خلال النسيج البصري، وهو جزء من حركة الممثل، فمن الأمور التي سعيت إلى إضافتها إلى التقنية المسرحية فكرة المجاز الحركي ولو عن طريق الإيماءة، فالحركة تخلق مجازا بصريا كبيرا، يمكن تفكيكه إلى عناصر أصغر، تتناثر بوعي خلال الخط الدرامي المنسوج من عناصر الدراما الحديثة من حركة وسينوغرافيا وإذا تجمعت هذه العناصر يتوالد المجاز المسرحي بمعناه الأشمل". وقد جاء اختيارها لاسم فرقة "لاموزيكا" مستوحى من مسرحية "لاموزيكا الثانية" للكاتبة الفرنسية "مارجريت دي لاسي"، والتي أدمنت نورا قراءة أعمالها، خاصة هذه المسرحية التي كانت تتمنى أن تكون باكورة أعمالها كممثلة ومخرجة، إلا أن أول عروضها بعد ذلك فقدمت بالإضافة إلى مسرحية "لاموزيكا"، التي أشرنا إليها سابقا مسرحية "العاشقة الإنجليزية" لنفس الكاتبة، ثم بدأت في التأليف الذاتي للفرقة فقدمت عدة أعمال، بالإضافة إلى مسرحية "الضفيرة" مثل "هنا السعادة" و"القط يحتضر" و"رسالة إلى أبي"، وقد توالت بعد ذلك عروض الفرقة لتصل إلى 25 عرضا مسرحيا، تنتمي إلى المسرح التجريبي بأجنحته المتعددة في محاولة فنية لملامسة الجوهر الإنساني، منها ما هو مكتوب خصيصا، ومنها ما هو مترجم من لغات أخرى مثل عرض "امرأة في الماضي". (2) فرقة أتيليه المسرح وإعادة قراءة تاريخ مصر الحديث ترجع الجذور الأولية لفرقة أتيليه المسرح إلى مواسم كلية الفنون الجميلة منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، ففي عام 1972 تأسست كمجموعة مسرحية داخل كلية الفنون الجميلة بالزمالك مقدمة أول عروضها "إدارة عموم الزير" للمخرج سمير العصفوري. وقد تواصل عمل هذه المجموعة المسرحية من خلال طلبة الكلية طوال هذه السنوات معتمدة على تقديم ما يمكن أن يسمى بالبعد التشكيلي البصري وتوظيفه داخل إطار العرض المسرحي على اعتبار أن أعضاء الفرقة هم بالأساس فنانون تشكيليون. وأثناء هذه الفترة كانت الفرقة أكثر فرق الجامعة المصرية حصولا على درع جامعتها وكذلك كانت أكثر فرق الجامعاتت على الإطلاق فوزا ببطولتها السنوية، فقد احتفظت الفرقة بكأس المسرح بجامعة حلوان بعد فوزها لثلاث مرات متعاقبة بالدرع، وقد تكرر هذا الإنجاز ثلاث مرات بالإضافة إلى فوزها 20 مرة بلقب بطل الجامعات المصرية. وقد أنشأت الفرقة في مرحلها الأولى بدعم من الفنان الراحل د. صلاح عبد الكريم مسرحا خاصا بها تقدم من خلالها عروضها طوال العام، وبحضور جماهيري كان هو المصدر الحقيقي لتمويل تلك العروض، رغم كونها داخل إطار الجامعة وهو ما منحها استقلالية كبيرة سواء في طريقة اختيار النصوص أو إنتاجها. وقد عملت الفرقة كذلك على مساندة مجموعات مختلفة من طلبة كليات جامعة "حلوان" على تأسيس فرقة مسرحية داخل إطار كلياتهم. التكوين الثاني ويعد تخرج مجموعة الفرقة من الجامعة ظل يراودهم هاجس تكوين فرقة مستقلة تواصل ما بدأته أثناء فترة الدراسة وبالفعل تم تجميع الفرقة عام 1990 وتم تكوين مجلس إدارة لها مكون من كل من محمد عبدالخالق وحسن عبده وبيومي فؤاد. وفي تلك الأثناء كان قد بدأ يظهر مفهوم الفرق الحرة فكانت من المجموعة الأولى وواحدة من الفرق المؤسسة لأول تجمع مسرحي لها، كما شارك أعضاؤها في تنظيم وإدارة فعاليات مهرجانات المسرح الحر وفي تكوين اتحاده، فقد قام محمد عبد الخالق أول مدير لفرقة اتيليه المسرح الحرة منذ تأسيسها وحتى 1993 بمسئولية إدارة لجنة المهرجانات في الاتحاد إلى أن أعيد تأسيس هيكله عام 1994، وكذلك كان أحد مسئولي إدارة المهرجان الرابع، ومسئول المكتب التنفيذي للمهرجان الحر الخامس ومسئول المكتب الفني للمهرجان الكوميدي. وقد حصلت الفرقة على جائزة لجنة التحكيم في المهرجان الثالث عن عرض "حفلة للمجانين" تأليف خالد الصاوي وإخراج حسن عبده، وهو نص يدور من خلال مصحة عقلية في إطار درامي يتم من خلاله مناقشة أشخاص تسبب الفساد الاجتماعي إما من بعضهم أو مورس ضد البعض الآخر في وصولهم إلى هذا المكان. كما يطرح فكرة الصراع والصدام داخل عنبر المجانين في إطار من الفانتازيا التي تحمل قدرا كبيرا من المفارقة. ثم جاء عرض "الماريونيت" إخراج تامر حسن وهو نص جماعي يطرح هموم مجموعة من الشباب في إطار واقعي يعتمد على رصد الحالة وتوصيفها بأبعادها المختلفة حيث الربط بين الخاص والعام في شكل فني أشبه بالميلودراما، وإن جاء في صورة حكي فردي يعطي في النهاية دلالة عامة على سياق جماعي. أما عرض "وقت بدل ضائع" والذي قدم بالتعاون مع مسرح الشباب فتدور أحداث، في "مخزن قديم" ومكان لإلقاء الفضلات، طرح من خلاله شكل العالم الجديد، وسؤال وجودي خاص بالهوية العربية مفاده: إلى متى نظل مفعولا به في النظام العالمي الجديد؟ وهل عندنا القدرة على المواجهة؟ طرح العرض إذن الجانب السلبي للسياسات العربية، وإن كان هناك جانب إيجابي فقد جاء طرحه بصورة مقهورة داخل العرض. وكذلك طرح عرض "بطة والجدي" قضية المرأة في المجتمع الآن مقارنة بمجتمع العشرينيات الذي كان أكثر ليبرالية وتحررا بما فتحه من مجالات حياتية أمام المرأة وما ناقشه من قضايا تخصها بشكل يتسم بالعقلانية بعيدا عن أي تعصب أعمى. وفي عام 1996 قدمت الفرقة العرض المسرحي "ماراصاد" عن نص "بيتر فايس" إخراج محمد عبد الخالق برؤية عاكسة ليس لتاريخ الثورة الفرنسية كما في النص الأصلي ولكن كنوع من الإسقاط الدلالي على ثورة يوليو 1952 وكقراءة فنية للواقع المصري إبان وخلال هذه الثورة. وفي عام 1998 أقامت الفرقة ورشة مسرحية للبحث في حقيقة ثورة القاهرة الثانية بمناسبة "مئوية العلاقات المصرية الفرنسية" وأعدت نصا مسرحيا تحت عنوان "القاهرة 1800" مستفيدا من النص المسرحي "سلميان الحلبي" لألفريد فرج، ولم تجد الفرقة جبهة تقبل تمويله فقدمته بجهود ذاتية لأول مرة في لقاء شباب الجامعات. ويعد هذا العرض نقطة التحول الكبرى في مفهوم فرقة "الأتيلية" للنص المسرحي، فقد أخذت على عاتقها تقديم مشروع فني وجماهيري ذي صبغة خاصة للغاية يقوم على إعادة قراءة تاريخ مصر الحيدث، وكان من نتائج هذه التوجه أن قدم المخرج محمد عبد الخالق بالتعاون مع مركز الهناجر للفنون مشروع وثيقة مسرحية للتاريخ الحديث ما بعد ثورة يوليو 1952، تحولت هذه الوثيقة إلى ورقة عمل دقيقة ترصد هذا النوع الشائك والشائق من الفن المسرحي وضرورته في إعادة إنتاج الوعي السياسي والتاريخي وربطه بأبعاد جماهيرية. وقد القت د. هدى وصفي رئيس مركز الهناجر للفنون هذه الوثيقة كورقة عمل في فعاليات مهرجان قرطاج عام 1999. وقد طبق هذا المنهج أيضا على عرض "الساعة" إخراج محمد عبدالخالق، وقد شاركت به الفرقة في المهرجان الحر الخامس ثم مهرجان افتتاح الموسم المسرحي لمكتبة الإسكندرية ثم المهرجان المستقل الأول. فرقة المسحراتي.. الحكاية الشعبية وعودة المسرح الغنائي "المسحراتي" هو شخص مهمته الأساسية إيقاظ الناس لتناول طعام السحور في شهر رمضان، وقد اختارت الفنانة عبير علي هذا الاسم ليكون اسم لفرقتها، قاصدة من ورائه أن تكون عروضها محاولة لإيقاظ الوعي من خلال استحداث طرق جديدة في الحبكة الدرامية والأداء المسرحي الذي يعتمد في كثير من الأحيان على تيمة "الكولاج" الذي يضفر الأحداث المتنافرة ويجمعها في سياق واحد ليخلق منها حالة جديدة. وتتباين عروض الفرقة بين الدراما المفتوحة ذات الموضوع الواحد، وفكرة "السهراية" متعددة الروافد والمعتمدة أساسا على الحكي متعدد الموضوعات. وقد بدأت فرقة "المسحراتي" كورشة لإعداد المبدع سواء في الإخراج أو التمثيل أو التأليف المسرحي، من خلال تقنيات تفارق تقنيات المسرح التقليدي، والجمع الميداني للحكايات الشعبية، وحكايات البيوت المصرية لاكتشاف المفاهيم والأشكال المهمشة، وقد بدأ هذا النشاط عام 1988 تحت إشراف عبير علي مؤسسة الفرقة ومخرجة عروضها. ومن هنا انطلقت الفرقة في البحث عن خصوصية لمسرح مصري يعبر عن الإنسان البسيط بأدوات تعبير محلية وهذا المفهوم على حد تعبير عبير علي ليس من منطلق قبلي ولكن حرصا من الفرقة على أن تكون تجربتها إضافة للتجربة الإنسانية بخصوصيتها وليس حذفا منها بالتقليد، وقد اعتمدت الفرقة في تحقيق هذه الفكرة على عدة أمور منها: أن يكون موضوع العرض من الموضوعات الملحة في الشارع المصري كفكرة ثم تبدأ في عمل "ورشة" لكتابة هذه الفكرة من خلال البحث عن النصوص المسرحية والأعمال الأدبية والشعرية التي تناقش تلك المواضيع مع جمع مادة حية من حكاوي البيوت المصرية والشوارع ويصاغ ذلك عبر الورشة ليخرج في النهاية النص المسرحي، هذا من ناحية المضمون. أما على مستوى الشكل والتقنية فقد اعتمدت الفرقة في تطوير تقنياتها على البحث والتنقيب في مراجع الفكلور وعلم الاجتماع والجمع الميداني من على جدران المعابد والمتاحف وألوان الموسيقى والغناء الشعبي والحكم والأمثال، ورسومات الأطفال والملابس والإشارات والإيماءات وغيرها من أشكال التعبير المختلفة والخاصة جدا حتى يخرج العرض المسرحي بمصرية خالصة عن الإنسان والمكان والزمان. والفرقة بذلك تجرب وتطور في أشكال الفرجة من حكي من خلال عروض تحمل مفاهيم متعددة للفضفضة كالسهراية والاسكتشات واستخدام الأراجوز وخيال الظل وعرائس الماريونيت في محاولة جادة لإثراء اللوحة البصرية عن طريق الإبهار والانتقال من حالة مسرحية إلى حالة أخرى في مشهد واحد. كذلك يأتي استخدام "الدمى" في بعض العروض كدلالة مجازية على القهر الاجتماعي والسياسي من خلال فكرة مبسطة تقوم على أنسنة الأشياء وتحويلها إلى مركز لإثارة الوعي الداخلي لدى المشاهد. وقدمت فرقة المسحراتي حتى الآن أكثر من عشرين عرضا مسرحيا بدأت في عام 1988 بعرض "الشاطر حسن" تأليف الشاعرين فؤاد حداد ومتولي عبداللطيف وقد عرض في عدة أماكن منها نادي الوفاء ومعرض القاهرة الدولي للكتاب وقصر ثقافة الإسماعيلية، وقد اعتمد العرض على توظيف الحكاية الشعبية في إطار واقعي بلغة شعرية تحمل قدرا كبيرا من الدلالات. أما العرض الثاني "رؤية عن الشاطر حسن" تأليف سعيد شعيب 1989، فقد تم عرضه على المسرح العائم الصغير ونادي الوفاء ونادي منف وقد لعب على نفس تيمة العرض الأول مع التوسع في رقعة النص المسرحي وجعله أكثر واقعية أما عرض "أشباح مصرية" 1990 فهو عبارة عن كتابة جماعية لإعادة صياغة نص "الأشباح" لابسن حاولت من خلاله الفرقة تقديم رؤية مصرية معاصرة للنص الذي جاء مضفرا بآليات من الحكي الشعبي والنكتة اليومية معتمدا على صيغ رمزية للمقاومة سواء كانت مقاومة الذات للذات أو مقاومة للأخر فيما يمكن أن نسميه "المقاومة بالسخرية". وقد تم تقديمه على مسارح نادي الوفاء ونادي منف وفي قاعة عبد الرحيم الزرقاني بالمسرح القومي. أما مسرحية "سلسبيل" فقد قدمت في افتتاح المهرجان الرابع للفرق المسرحية الحرة عام 1991 وشاركت به في المسرح التجريبي في نفس العام فتستلهم الموروث المصري ليس بالمعنى الاقتباسي أو التناصي إنما مناقشته وعرض سلبياته وإيجابياته في رؤية تمزج بين التقنية الفنية والتوثيق التراثي. ثم جاء عرض "سبارتاكوس" الذي عرض على المسرح العائم وعلى قصر ثقافة 15 مايو 1992 معتمدا على توظيف الأسطورة اليونانية الشهيرة وإعادة الحياة لسطورها من خلال تضفيرها بأبعاد سياسية واجتماعية شديدة المصرية. ثم كانت درة الفرقة وأحد أهم أعمالها مسرحية "حكاوي النص همة" والتي قدمت على مسرح الهناجر في بيت زينب خاتون وبالمهرجان التجريبي عام 1994، لتؤكد ذلك الزخم الفني الذي آلت الفرقة على نفسها أن تقدمه من قلب الموروث الشعبي ومن الذاكرة الجماعية المليئة بالمشاعر الإنسانية، بتوظيف تيمة الحكاية مستفيدة من ألف ليلة وليلة (4) فرقة شبرا بخوم.. ومسرح الموروث الشعبي فى بحثه الدءوب عن جوهر المسرح يرى "جرتوفسكي" أنه يمكن للعمل أن يتم بدون مكياج أو ديكور أو أزياء أو إضاءة أو مؤثرات لكنه لا يمكن أن يوجد دون تلك العلاقة "الحية" بين الممثل والمتفرج وهذه الدعوة تنبني فى الأساس على رفض تام لكل آليات المسرح لذا كانت دعوته المستمرة للخروج من أسر الخشبة أو "مسرح العلبة إلى فضاءات أرحب، فيرى أن أرض المسرح يمكن أن تكون بحرا أو مائدة أو مسند مقعد أو قاربا أو زنزانة سجن". ومن الذين التقطوا هذه الرؤية وحاولوا تطبيقها فى مصر المخرج أحمد إسماعيل والذي تعتبر تجربته من أكثر التجارب استمرارية وحفرا في أرض الإبداع المسرحي من خلال تقديمه لنموذج مسرحي خاص بقرية "شبرا بخوم" إحدى قرى محافظة المنوفية، ولأنه ابن هذه القرية فقد تزامن اهتمامه بالنشاط المسرحي مع التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1975، حيث قام مع صديقه الراحل أحمد عبد العظيم بتأسيس الفرقة عام 1973 وهو لم يزل طالبا بالفرقة الثانية وفى الفترة ما بين 1973 إلى 1977 قدمت الفرقة عدة عروض عبارة عن مسرحيات ذات فصل واحد، بالإضافة إلى تقديم مسرحية "الزوبعة" تأليف محمود دياب والتي كانت بمثابة ختام للمرحلة الأولي. الإبداع الجماعي وقد تم تدعيم الفرقة بالمواهب الفنية الفطرية لدى الفلاحين الذين وصل عددهم – فى ذلك الوقت – إلى عشرين رجلا وأربع فتيات، وفى هذا الإطار تم تقديم عدة عروض كان من أهمها "سهرة ريفية" وهى "تجربة في الإبداع المسرحي الجماعي"، قدمت على ثلاثة أجزاء أعوام 1982، و1984، و1986 وقد لاقت هذه التجربة كثيرا من الاستحسان النقدي. فتقول الناقدة عبلة الروينى فى جريدة "الأخبار" 1986 "السهرة الريفية" فى أجزائها الثلاثة تتناول مشكلات القرية المصرية حيث أزمة الإنتاج وأزمة الغذاء، وكيف تحولت قوى الفلاحين المنتجة إلى قوى مستهلكة، وما استتبع ذلك من مشكلات أكبر، وقد استخدمت الفرقة الأغنيات الريفية والألعاب الشعبية والارتجال لتحقيق صيغة فنية يحدث من خلالها التواصل. أما الناقدة فريدة النقاش فتصف العرض في مقالها المنشور فى جريدة "الأخبار" 1982 قائلة "تحول المسرح في هذا العرض إلى ظاهرة اجتماعية كاملة الأركان بصرف النظر عن الشكل السردي العادي لمشكلات الحياة اليومية للناس دون استخلاص أبعد مدى من التفصيلات، ولكنه عمل يفتح الطريق – بقوة – أمام تجارب مشابهة تطرح من واقع الأرض التي تعمل عليها. ومن وجهة نظري أن "أحمد إسماعيل" قد لعب في منطقة شديدة الخصوبة وهى إنتاج ما يمكن أن يسمى ب "المسرح داخل المسرح" بمعنى أنه قدم العرض برؤيتين مختلفتين فى نفس الوقت عبر فكرة التحرر من "التشخيص" حيث أشرك مجموعة من الأطفال فى العرض ليعيدوا تمثيل المشاهد التي قام بها الممثلون مرة أخرى بحيث يعود المشهد كله إلى الطفولة فى لعبة مسرحية جذابة ومفرحة فى آن. وبعد عرض "سهرة ريفية" تحقق كثير من أغراض الفرقة وأهمها أن يكون خطابها المسرحي معبرا عن القرية من خلال خصوصية الأداء ومصداقية التعبير بخطاب نقدي، لكشف أى زيف أو عدوان يمارس ضد البسطاء والمهمشين من أهلها. وعلى حد تعبير المخرج أحمد إسماعيل "أصبحت الفرقة بمثابة برلمان القرية، يحضر إليها كل من عنده شكوى أو هم، فقد وضع الطابع النقدي لسهرة ريفية أصحاب المسئولية والنفوذ بالقرية فى موقف المُسألة، ومن أساء واستغل نفوذه أصبح موضع سخرية واتهام من الرأي العام بالقرية". وفى تلك الأثناء كانت فكرة تطوير بناء المسرح الذي صممت خشبته على هيئة دائرة، ومدرجات الجمهور البسيطة تحيط بها من نصف محيطها، فكأن خشبة المسرح تحتضن المدرجات مما يجعل الجمهور فى قلب العرض والعكس، وقد ساهم فى بنائه أبناء القرية بمجهود ذاتي، حيث تبرع الأهالي كل قدر استطاعته، رغم أنه لم يتكلف إلا مبلغا ضئيلا، نظرا لأنه لا يحتاج إلى تقنيات كثيرة، وعلى خشبته تم تقديم "سهرة ريفية" استعدادا للمشاركة فى مهرجان القاهرة الأول للمسرح التجريبي.