*إعادة هيكلة الديون بشكل يضمن تكافؤ الفرص بين المدينين والدائنين كتب: فادي حسين تشكل جائحة كوفيد-19، تهديدًا لجميع الدول العالم، ليست جائحة تحتاج إلى تدخل طبي أو إلى لقاح فقط، بل تحتاج إلى العديد من السنوات لإصلاح تداعياتها الاقتصادية التي أحدثتها من وقت ظهورها. فقد كشفت الجائحة، عن أن اقتصاديات بعض الدول تعاني من الهشاشة خاصة اقتصاديات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية نتيجة اعتمادها على صادرات السلع الأولية والسياحة وحتى تحويلات المغتربين من الخارج، مما دفعها إلى الاقتراض ليكون بمثابة الحل السريع لسد احتياجاتها التمويلية في حين سادت حالة الكساد الاقتصادي التي أحدثتها الجائحة. غير أن هذا الحل يضع الدول في مديونيات حرجة ويعرضها لأزمات وشيكة، حيث ترتفع معدلات التعثر في السداد، بينما يساعد التراجع الاستثنائي في أسعار الفائدة العالمية إلى تأخير مصيرها المحتوم، ففي الوقت الحالي تسعي العديد من الدول إلى هيكلة ديونها نتيجة المؤشرات الحالية، وتمر عملية التفاوض على الدين بمعوقات ما لم توفر الحكومات أدوات أفضل لنجاح إعادة هيكلة الديون. ففي هذا الاتجاه، اتخذ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إجراءات سريعة لتوفير التمويل اللازم في ظل التراجع الحاد في الإيرادات الحكومية ومستويات النشاط الاقتصادي، وكذلك التوقف المفاجئ في تدفقات رأس المال الخاص، كما سمح دائنو مجموعة العشرين لبلدان العالم الأكثر فقرا بتأجيل الديون المستحقة عليها في ظل ظروف الجائحة. واقتصر الضرر الأكبر على الاقتصاديات الأكثر فقرا مقارنة بالاقتصاديات الصاعدة ومتوسطة الدخل، حيث تستطيع الاقتصاديات متوسطة الدخل مواصلة الاقتراض من الأسواق الرأسمالية العالمية نتيجة الدعم الكبير الموجه للدول ذات الاقتصاديات المتقدمة. ووفقا لصندوق النقد الدولي، أصدرت حكومات الأسواق الصاعدة سندات دين بالعملة الصعبة بقيمة 124 مليار دولار أمريكي خلال الستة أشهر الأولى من عام 2020، وتركز ثلثا هذا الاقتراض في الربع الثاني. ولكن القلق لا يزال يحيط بقدرة الاقتصاديات الصاعدة على النفاذ إلى الأسواق الرأسمالية حيث المرحلة الأخطر تتمثل في الموجة الثانية للجائحة بجانب أن أي لقاح فعال لن يكون متاحا قبل منتصف عام 2021 على أقل تقدير، إضافة إلى أن مستويات الفقر العالمية تسجل أعلى مستوي لها نتيجة فقدان العديد من الأفراد لوظائفهم دون رجعة. انخفاض التحويلات من ناحية أخري، قد تنجح بعض الاقتصاديات النامية في الحصول على قروض بعملات محلية لكن الشركات الكبرى تقترض بالعملات الأجنبية وتزيد من مديونيتها، مما يجعل تلك الدول تعاني وتضطر إلى إنقاذ شركاتها الوطنية على غرار ما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويتوقع انخفاض التحويلات التي يرسلها العاملين بالأسواق النامية يزيد على20% خلال العام الجاري، وفي الوقت نفسه تزاد طلبات الاقتراض بشكل غير مسبوق من الأسواق النامية والمتقدمة على وجه السواء لتقديم الدعم لمواطنيها المتضررين أو لتوفير الخدمات الصحية الأزمة في ظل الجائحة. ففي حين أن جميع المؤشرات تتجه إلى صعوبة وفاء الدول بالتزاماتها من الديون ترتفع طلبات الاقتراض، ووفقا لدراسة شملت فترات تعثر في السداد من 1827 إلى عام 2003, فإن تلك الفترات كان يسبقها ارتفاع ملحوظ في مستويات الاقتراض الداخلي والخارجي لذلك فان استمرار الدول في الاقتراض مع خطر السداد له جذور تاريخية. هيكلة الديون وهناك احتياج من جانب كثير من الدول إلى هيكلة الديون في الفترة المقبلة، حيث يشهد العالم أزمة حقيقية مثل أزمة الدين التي حدثت في الثمانينيات، لكن مطالب الهيكلة تقف أمامها العديد من المعوقات التي كان لها دلالات في الماضي. تلك الدلالات تتمثل في مغالاة دائنو القطاع الخاص في نصيبهم من المبالغ المسددة عند إعادة الهيكلة، رغم أن الديون المستحقة للقطاع الرسمي لها أولوية عن القطاع الخاص من الناحية النظرية، إلا أن التجارب التاريخية تقول عكس ذلك. فخلال أزمة الدين في الثمانينيات، نجح دائنو القطاع الخاص في استرداد أموالهم بينما ظل الدائنون الرسميون يقترضون، وشهدت أزمة الدين الأوروبية تطورات مماثلة عندما تحمل المستثمرون بعض الخسائر بالفعل في اليونان، حيث أمكنهم استرداد جزء كبير من أموالهم، وقدمت حكومات منطقة اليورو قروضا ضخمة لتيسير عملية السداد. فعادة ما تتجه الدول إلى حماية الدائنين المحليين الذين يقرضون أموالهم في الخارج، لذلك يجد الدائنون الرسميون أنفسهم يتحملون الجزء الأكبر من الخسارة في نهاية المطاف. أما التحدي الآخر الذي يشكل عائقا أمام إعادة الهيكلة هو لجوء مستثمرو القطاع الخاص إلى التقاضي بجانب استمرار أزمات الدين لفترة طويلة قبل تسوية السداد، حيث تتحول إعادة هيكلة الدين إلى مساومة غالبا تتجه فيها الدول المدينة إلى زيادة ديونها في المستقبل مقابل تخفيض المستحق عليها حاليا أو حتى إعادة هيكلة الدين مرة أخري إذا لزم الأمر عن طريق اقتراض مبالغ أخري. حلول علمية لذلك وضع كل من جيريمي بيولو وكارمن راينهارت وكينيث روغوف وكريستوف تريبيش حلولا لتعظيم استفادة مواطني الدول المدينة من التمويل الجديد بدلا من استخدامه في سداد الديون في دراسة بعنوان "جائحة الدين"، وتتمثل تلك الحلول في ثلاثة أفكار عملية. الشفافية في ظل الأزمات المتمثلة في الجائحة ومخاطر السداد يجب الاهتمام بالمزيد من الشفافية بشأن بيانات الدين حيث من المهم للغاية أن يواصل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة العشرين الإصرار على تعزيز شفافية إحصاءات الدين، فمن أهم التعقيدات التي تواجه تحديد المديونية الخارجية هي الصين التي أصبحت الدائن الثنائي الأكبر على الإطلاق في السنوات الأخيرة. ولسوء الحظ، غالبا ما يخضع إقراض الصين لشروط عدم الإفصاح مما يضع الدول النامية في صورة غير واضحة المعالم، فمن خلال معرفة الأطراف المشاركة والمبالغ المستحقة يستطيع مواطنو البلدان المتضررة مراقبة استخدام الموارد المتاحة في أوقات الأزمات. تنبؤات اقتصادية واقعية في ظل الوقت الحالي من حالة التراجع الاقتصادي الذي تمر به الكثير من دول العالم يجب التركيز على إعداد تنبؤات واقعية عن النمو ومدي قدرة الدول على الالتزام بديونها دون الحاجة إلى وضع تنبؤات تتسم بالتفاؤل مثل ما أشار إليه جيمس بوتون، المؤرخ لدى صندوق النقد الدولي، إلى أنه خلال الجزء الأكبر من أزمة الدين التي وقعت في الثمانينات، ظلت توقعات النمو مفرطة في التفاؤل، لاسيما في أمريكا اللاتينية, حيث تساعد التنبؤات الواقعية في الكشف المبكر عن حالات الإعسار و كذلك تعجل من البدا في حلول عملية. قوانين جديدة يمكن للخطوات القانونية المساهمة في إعادة هيكلة الديون بشكل يضمن تكافؤ الفرص بين المدينين والدائنين، حيث يمكن فرض حد أقصي على المبالغ التي يمكن استردادها من السندات الحكومية غير المسددة التي تم شراؤها بخصم كبير. ففي عام 2010, أقرت المملكة المتحدة قانونا مماثلا بالنسبة للبلدان المشاركة في المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، بينما أصدرت بلجيكا عام2015 قانون أسمته بقانون مكافحة الصناديق الانتهازية الذي يمنع المقرضين الذين يميلون إلى خيار التقاضي من عرقلة المدفوعات المسددة عبر مؤسسة يوروكلير لمقاصة السندات. لذلك يجب على الجميع التضافر لحل معضلة الديون التي يعاني منها معظم الدول نتيجة الآثار الاقتصادية التي أحدثتها الجائحة منذ وقت ظهورها عن طريق إعادة هيكلة الديون بالشكل الذي يضمن العدالة بين الدائنين في تحمل الأعباء، لاسيما بين دائني القطاع الرسمي والقطاع الخاص، أو عن طريق زيادة المساعدات والقروض الميسرة التي يمكن تحويلها اتجاه المواطنين المتضررين دون استخدامها في سداد قروض قديمة.