يوما بعد يوم يزداد المشهد تعقيدا بالجوار الليبي، الأمر الذي دفع القيادة المصرية لإعلان القاهرة للبدء الفعلي في تسوية الخلافات وإعلاء المصلحة الوطنية، ولكن مع تعنت حكومة الشقاق الليبية بقيادة العميل التركي "فايز السراج" والبلطجة التركية بداخل الأراضي الليبية ،التي دفعت سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإعلان أن التقدم نحو سرت والجفرة خط أحمر. ومع استمرار التحرك التركي لتزييف الحقائق كان أخرها المؤتمر الصحفي بالأمس بين وزيرا خارجية المانياوتركيا والادعاء السافر بتأييد تركيا لحكومة متفق عليها ومعترف بها من الاممالمتحدة، وبالرغم من اسقاط البرلمان الليبي الشرعية عنها خاصة أنها لا غير منتخبة، ولا تعبر عن إرادة الشعب الليبي علاوة على ان فترة عملها وفقا لاتفاق الصخيرات قد سقط وولى. ولكن لن اطيل في المبررات القانونية التي لا تجعلها حكومة غير شرعية تستقوى بقوى احتلال اجنبي. فما يعنيني وفقا لعنوان المقال أن اعلان القاهرة قد حظى بتأييدا دوليا حتى وإن كان ظاهريا، ومن ثم فتطبيقه أصبح امرا واجبا وجد خطير لتغير معايير اللعبة على الأرض، وتعقيد الموقف أمام أردوغان دوليا. هذا ما يطرحه المقال فأولى خطوات تنفيذه يمكن أن تتم على الأرض عبر إعلان البرلمان الليبي لإجراء انتخابات على أرض ليبيا. هنا قد يجد البعض أن ما اطرحه أمر من درب الخيال في ظل السيطرة الأمنية للميليشيات التي تدعمها "الشقاق الوطني"، والاحتلال العسكري التركي الذي لن يسمح بعقد لجان انتخابات رسمية في الجزء الغربي بليبيا. ولكن مع تأييد القبائل الليبية للمشير خليفة حفتر، والبرلمان الوطني الليبي، وكذا رغبتهم في وحدة الأرض ولفظ العبيد المرتزقة ممن يرحبون بالمحتل والمستعمر التركي، وجب إعمال الديموقراطية والتعبير أمام العالم عن إرادة الشعب الليبي وانتخاب حكومة وطنية بالفعل تعمل لصالح وحدة التراب الليبي، وفقا لإرادتهم الحرة. هنا قد يجد القارئ نفسه في حيرة من أمره كيف يمكن أن تتم الانتخابات، فالإجابة تكمن في التكنولوجيا عبر تطبيق تقنية سلاسل الكتل "البلوك تشين". فلن يكن البرلمان الليبي الأول بالعالم الذي يطبق تلك التقنية في مخاطبة رأي الشعب، الذي يصعب ذهابهم لصناديق الاقتراع. فقد لجاءت إليها العديد من الدول كالولاياتالمتحدةالأمريكية وسيراليون وسأشرح بعد قليل الطريقة الممكنة. ولكن ما يهمني أن أوكد أن تقنية سلاسل الكتل يمكنها أن تقدم حلا أكثر تأمينا للانتخابات، حيث تساعد في زيادة نزاهة العملية الانتخابية، وتأمين إرادة المواطنين. فهي تساعد على منع أي شخص من التلاعب بعملية التصويت، ودعم مناخ الثقة ناهيك عن تيسير عملية التصويت واتاحتها لتتم بأية مكان. ومن ثم دعاوي التلاعب وتزوير الإرادة أمر صعب التذرع به بحكم ما توفره التقنية. ففي نوفمبر 2018 قامت ولاية غرب فرجينيا خلال انتخابات الكونجرس الامريكية باستخدام سلاسل الكتل خلال الانتخابات، حيث سمحت لعدد 144 ناخب بالاقتراع نظرا لتواجدهم بدول مختلفة خارج الولاياتالمتحدة، بأماكن بعيدة يصعب وصولهم لسفاراتهم بالخارج لإجراء التصويت. فتم استخدام برنامج VOATZ وتمت عملية الاقتراع بنجاح. الأمر الذي يساعد على النفاذ بل وزيادة اعداد الناخبين. وخلال شهر مارس 2018 ، أجرت دولة سيراليون بغرب إفريقيا ، أول انتخابات قائمة على أساس سلسلة الكتل وتمت بنجاح. تم خلالها منح الناخب "محفظة" (أوراق الاعتماد) و "عملة معدنية" (فرصة للإدلاء بصوته). ثم تم التحقق من هوية الناخب باستخدام أدوات القياس الحيوي ، مثل فحص بصمة الإبهام ، قبل التصويت عبر التليفون المحمول. ثم يقوم الناخبون بالإدلاء بأصواتهم إلكترونياً في دفتر الأستاذ القائم على الكتلة ، حيث تظل أصواتهم آمنة تتمتع بالشفافية مع الحفاظ على سرية هوية الناخبين والنتائج ، والتي سيتم تخزينها في نقاط مختلفة بأجهزة كمبيوتر كثيرة غير معلومة. بعد ذلك، يمثل كل تصويت مسجل جزءًا من سلسلة من الأصوات تماثل صندوق الاقتراع. وتتوافر شبكة خارجية للتحقق مكونة من مجموعة من الجهات الفاعلة المستقلة للتحقق من نزاهة التصويت ، بحيث لا يمكن لأي شخص تغيير أي بيانات في blockchain بنفسه. بمعنى أخر، ستكون الأصوات المسجلة آمنة بشكل كبير. وتتوفر حرية لدى كل ولاية أو مدينة أو دولة لاختيار طرق التحقق من الناخب فبعض التطبيقات مثل Voatz أختار تقنية التعرف على الوجه في حين اختارت سيراليون البصمة كأحد سبل التحقق، مما يعرف باسم "قانون دوفيرجر" الذي ينطلق من حرية دمج التكنولوجيا الآمنة والمأمونة في أنظمة التصويت المختلفة وفق إرادة السلطة المنظمة للعملية الانتخابية من أجل الدفع باتجاه المزيد من أساليب الانتخابات الأكثر عدالة وديمقراطية. بمعنى اخر تصميم تطبيق يجمع تكنولوجيات عديدة من أجل التحقق من الناخبين، وحفظ الاصوات دون إلزام باستخدام تقنينه بعينها مما يزيد من نزاهة العملية الانتخابية. ومن ثم تثبت الخبرة الدولية أمكانية تطبيقها في ليبيا في ظل اعتراف دولي بأهمية الحل السلمي، وكذا في ظل الموافقة الدولية حتى وإن كانت ظاهرية لإعلان القاهرة. فقد حان الوقت لنتعلم من البلطجي اردوغان الذي يستخدم اوراق كثيرة يسعى من خلالها لقلب الاوضاع على الأرض. وحان الوقت لعزل الخونة وأن يعلم العالم ماهية الإرادة الليبية وكيف يمكن التعبير عنها. هنا قد يتسأل البعض هل تتوافر تكلفة لعقد الانتخابات في ظل سرقة السراج لأموال ليبيا وتقديمها لأردوغان عبر البنك المركزي الليبي كما شاهدنا منذ ايام قليلة. هنا يمكنني القول أن من أبرز مزايا إجراء الانتخابات بفعل تكنولوجيا سلاسل الكتل هو انخفاض تكلفة الحملات الانتخابية. فلن يتطلب تصويت Blockchain مثل هذه النفقات الضخمة والجهد بشأن الدعاية الانتخابية، حيث أن التصويت سوف يكون استنادًا لمعرفة كل ناخب ومعتقده. في هذا الإطار يتضح أن استخدام تقنية البلوك تشين معترف بها دوليا في إجراء العمليات الانتخابية، وتتمتع بالنزاهة فيصعب تزوير الاصوات خلالها، ويسهل اجرائها وتنخفض تكلفتها. وفي ظل الدعم الدولي لإعلان القاهرة فمن المفترض أن خطوة كهذه تعتبر ترجمة لإرادة شعب ووجود حكومة منتخبة ومعترف بها ورفض السراج يؤكد خوفه من عدم انتخابه مرة أخرى ويؤكد اغتصابه للأرض واستقوائه بالمحتل المغتصب. ولا يمكنه ان يعلن أيضا اجراء انتخابات من طرفه لانه غير منتخب من الشعب الليبي فالسلطة التشريعية فقط هي من تصلح للإعلان عن عقد انتخابات حرة ونزيهة. وهذه الانتخابات تحتاج لجهد دبلوماسي من الدول الداعمة لوحدة التراب الليبي. فالشعب وحده يا عبيد العثمانلي هو من يقرر مصيره إذا كان المجتمع الدولي، حقا يؤمن بالديموقراطية فلتعقد الانتخابات شاء من شاء وأبي من أبي. وأؤكد أيضا أن حتى السلطة الفلسطينية يمكنها استخدام نفس التقنية في عقد انتخابات بالقدس الشرقية لتأكيد السلطة والسيادة الفلسطينية حتى في ظل المحتل المغتصب، كخطوة مهمة ضمن أدوات المقاومة ورفض صفقة القرن. وفي النهاية لابد من التأكيد أن الشعب العربي هو صاحب الحق وصاحب الإرادة ولتسقط اسرائيل وتركيا والسراج ولتنتظرهم هم وكل المغتصبين نار الله الموقدة. حمى الله مصر وليبيا وفلسطين والأمة العربية ككل. *بقلم:د. هبة جمال الدين، مدرس العلوم السياسية، معهد التخطيط القومي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية