حل النزاع فى ليبيا سياسيا .. لكن من سينزع سلاح الميليشيات المختلفة؟ لا شك أن روسيا عندما تفكر فى النزاع الداخلى فى ليبيا وحالة الاستقطاب الخارجى التى يحدثها، تعود بذاكرتها إلى أيام العقيد القذافى، الذى كان من كبار زبائن روسيا فى شراء الأسلحة، فمعظم الأسلحة التى يقاتل بها أطراف النزاع فى ليبيا حتى الآن هى من مخلفات الترسانة السوفيتية التى اشتراها القذافى ولم تستخدم. ولروسيا مصالح فى ليبيا، ففى أخر أيام القذافى وقعت بعض شركات النفط الروسية اتفاقيات للبحث والتنقيب عن النفط والغاز فى ليبيا، على سبيل المثال لا الحصر لوك أويل. كما أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدى وهى ترى الغرب يسيطر على ليبيا، رغم أن علاقة الغرب بليبيا القذافى كانت كلها نزاعات، لم تخفت سوى قبيل سقوط نظام القذافى، بل الغرب هو الذى أسقطه عندما خدع روسيا والصين فى مجلس الأمن. ولا يخفى على أحد أن الأهداف الجيوسياسية لروسيا، بعد أن حصلت روسيا على موطئ قدم فى شرق المتوسط بقاعدتين بحرية وجوية فى طرطوس وحميميم، تطمح الآن فى توسعتهما، ويبدو أن السلطات السورية وافقت على ذلك. وتريد موسكو الآن الحصول على موطئ قدم فى مواجهة الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو، الذى يتوسع شرقاً ويضغط على روسيا فى ليبيا. من وجهة نظر روسيا، تعهد حلف الناتو بعدم التوسع شرقاً، لكنه توسع بعد أن ضم كافة دول حلف وارسو السابقة، وكانت حجته أنهم من تقدم بطلبات الانضمام، بل وصلت البجاحة بحلف الناتو أن حاول ضم جورجيا فى منطقة القوقاز التى تعتبر برميل بارود داخل روسيا، خاصة بعد حرب الشيشان التى تمكن الرئيس بوتين من إنهائها والقضاء على الإرهاب، وتمكنت روسيا من تعطيل مشروع جورجيا للانضمام للناتو بحرب عام 2008، أدت إلى تفسخ جورجيا وانفصال مقاطعتين منها وهما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. لم يكتف الناتو بذلك، بل سعى لضم درة الاتحاد السوفيتى السابق بالنسبة لروسيا وهى أوكرانيا، لكن روسيا استطاعت تأليب الأقاليم الأوكرانية الناطقة بالروسية على الحكومة المركزية، والتى كانت تابعة لروسيا القيصرية فى السابق (دنيتسك ولوجانسك) ثم استعادت القرم باعتبارها أرضا روسية منحت لأوكرانيا عام 1954. فرضيات وجود قوات روسية فى ليبيا حتى الآن هى محض افتراء ومجرد تكهنات، الموجود فى ليبيا من روسيا هى ربما شركة أمن ودفاع تسمى “فاجنر”، وهى كانت موجودة فى سوريا خاصة فى شرق البلاد، وهى شركة على غرار شركة “بلاك ووتر” الأمريكية التى كانت تعمل فى العراق فى حراسة المنشآت، الشركة تضم جنسيات مختلفة من دول الاتحاد السوفيتى السابق ومن الروس الذين قاتلوا فى الشيشان والمناطق الملتهبة الأخرى، وخاصة من بيلوروسيا وشرق أوكرانيا وبدرجة أقل من دول الاتحاد السوفيتى الأخرى. ولا علاقة لروسيا كحكومة بالشركة، بل يجرى التعاقد معها من قبل أى طرف أو حكومة مقابل مبالغ معينة وهى تقوم بالمهمة المنوطة بها، وأشار إلى ذلك الرئيس الروسى بوتين بوضوح عندما قال إنه من الممكن وجود أفراد من هذه الشركة لكن هذا لا علاقة له بالحكومة الروسية. وما يتردد عن طائرات وعن سيناريو روسى على غرار ما حدث فى سوريا، غير مرجح، فمن حيث المبدأ فى سوريا كانت هناك سلطة وحكومة واحدة تحارب جماعات إرهابية وهى من استدعت روسيا، كما أن الأعمال العسكرية كانت تقوم بها إيران وحزب الله واكتفت روسيا بالضربات الجوية، كما أن مسرح العمليات فى ليبيا حيث الصحارى والمناخ الحار قد يصعب المهمة، ناهيك بالطبع عن المصالح الأوروبية والأمن الأوروبى وحلف الناتو وأهمية ليبيا بالنسبة لهما. وجود روسيا فى هذه المنطقة بالنسبة لفرنسا هو قطع للطريق بين فرنسا ومستعمراتها السابقة جنوب الصحراء، وهى التى كانت تطمع فى إقامة قاعدة فى فزان تكون همزة وصل مع المستعمرات السابقة، ومن هذا المنطلق كانت تؤيد المشير حفتر، الآن وبعد شبهة التدخل الروسى إلى جانب المشير حفتر، اتصل وزير الخارجية الفرنسى بفايز السراج، على عكس إيطاليا التى أسندت لها الولاياتالمتحدة الملف الليبى، على اعتبار أن ليبيا مستعمرة ايطالية سابقة كما أن معظم غاز ونفط إيطاليا من ليبيا. أى أن روسيا أرادت بالتهويش بالتدخل فى الملف الليبى، حتى الآن تقول لأوروبا والغرب أن تقتربون من حدودى الغربية وأنا سآتى لكم من الجنوب ومن أقرب نقطة لأوروبا، كما أن روسيا تريد الضغط النفسى على الأوروبيين لتخفيف العقوبات التى فرضت على موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية. ويبدو أن الغرب لن يتهاون هذه المرة مع روسيا كما تهاون معها فى الأزمة السورية، ولحقت الولاياتالمتحدة بذيل القطار الروسى المنطلق بالأزمة السورية فسيطرت على بعض المواقع من خلال ما يعرف بالتحالف الدولى لمحاربة تنظيم الدولة، ثم أجرت محادثات مع تونس على أساس إرسال كتيبة أمريكية فى تونس لحفظ الأمن، ويبدو أن فرنسا قد تغير موقفها من المشير حفتر إذا ثبت بالفعل استعانته بروسيا بشكل مؤثر، على أى حال خريطة الاستقطاب فى الصراع داخل ليبيا لم تأخذ شكلها النهائى بعد. الهدف الروسى النهائى سواء عن طريق التفاوض، أو الحل العسكرى هو جلوس جميع الأطراف، نعم أطراف ليبية وليس حفتر والسراج، أو بنغازى وطرابلس فقط، ولكن أطراف وهى تخص بهذا سيف الإسلام القذافى الذى تعتبره روسيا شخصًا ذا مرجعية من الممكن أن يكون شخصية تتفق عليها جميع الأطراف، وفى كل الأحوال روسيا على علاقة جيدة بكل أطراف النزاع فى ليبيا، ولذلك الحديث عن تدخل روسيا إلى جانب أى من أطراف النزاع سيجعلها تخسر كثيراً، فحتى الآن لا يعرف أحد لصالح من سينتهى النزاع، وإن كانت كل أطراف الأزمة تؤكد أنه لا حل عسكريا للنزاع، فليس من المنطق أن تنغمس روسيا فى صراع عسكرى لا تعرف لصالح من سينتهى. هنا الحديث عن شركة فاجنر للأمن وهو ما تنكر السلطات الرسمية الروسية أى علاقة لها بوجودها فى ليبيا. ثم نأتى للتدخل التركى الفج فى ليبيا إلى جانب ميليشيات طرابلس، وهو الأمر الذى وضع روسيا فى وضع صعب، حيث تدعم تركيا وهى شريك استراتيجى لروسيا وبينهما العديد من المشروعات المشتركة، حكومة السراج، وتتدخل عسكرياً إلى جانب ميليشيات طرابلس، فى حين أن الشريك الاستراتيجى الآخر لروسيا القاهرة يؤيد الطرف الآخر المشير خليفة حفتر، ووجدت موسكو نفسها بين شقى رحى، فهى لا تريد خسارة أى من الطرفين، لذلك ستحاول روسيا أن تجد أى نقاط التقاء فى مواقف أى من الطرفين، وهذا الدور تمارسه روسيا لعلها تجد نقاط التقاء ولا تخسر أى طرف وهذا يعتبر سببا وجيها لئلا تتدخل روسيا عسكرياً بشكل مباشر. وتبقى نقطة مهمة، وهى أن روسيا تحاول بقدر المستطاع عدم الصدام مع تركيا بأى شكل فى ليبيا، وهى التى تفادت هذا الصدام فى سوريا، هوائية الرئيس التركى وتقلباته وتحاول بقدر المستطاع الإمساك بالعصا من المنتصف، لحين معرفة ردود الفعل الأوروبية على التدخل الروسى فى حال ثبوته، لكن لسان حال الأوروبيين حتى الآن يقول إن التدخل التركى أفضل وقد يحدث التوازن مع الوجود الروسى، لحين إيجاد حل سياسى، حيث يتفق الجميع على أنه لا حل عسكريا للأزمة الليبية. الجميع متفق على الحل السياسى، لكن ماذا عن سلاح الميليشيات، حيث مصراتة لها ميليشياتها الداعمة للسراج، نفس الشيء بالنسبة للزنتان وغيرها من المناطق الليبية، هم داعمين كما يقولون لحكومة الوفاق لكن لا سلطة للأخيرة عليهما، ناهيك عن ميليشيات طرابلس وهى كذلك فسيفساء تقسم العاصمة لمناطق نفوذ، وماذا سيكون دور عبدالحكيم بالحاج الإرهابى العتيد المؤيد والمدعوم من بريطانيا، وهل سيكون لديه القدرة والكلمة على جمع السلاح من أيدى الإرهابيين فى المناطق المختلفة، سنرى لكن الأهم الآن هو جمع كل الأطراف على طاولة مفاوضات والبدء بحل سياسى.