فنون شعبية عربية عادت للحياة مجدداً بعد أن كادت أن تندثر ومنها فن الأراجوز وخيال الظل، والذي تم تسجيله منذ فترة في منظمة اليونسكو، ضمن فئة التراث اللامادي، وقد لعب هذا الفن دوراً ترفيهيا وتثقيفيا مهماً في القرون الوسطى، ولم يكن مقتصراً على قصور الخلفاء، والأمراء والأغنياء، الذين كانوا يقيمون الحفلات الخاصة لمشاهدة فن “المخايلة” أوا ما يسمى بالأراجوز وخيال الظل بل كان فنانو هذا النوع الفني يطوفون به الشوارع والمقاهي، وحفلات الزواج والختان وغيرها من المناسبات الشعبية، وبالمثل تواجد هذا الفن في الريف والنجوع وفي المناطق البدوية . ربما هذا الفن كاد أن يندثر مع تقدم وسائل الإعلام والاتصال ودخول العالم إلى عصر التكنولوجيا الرقمية، لكن حاول عدد من المهتمين بهذا الفن مؤخراً إعادته إلى الحياة من خلال توظيفه في إطار عروض فنية ومسرحية. ومن أهم التجارب التي قدمت في هذا الإطار تجربة “فرقة ومضة” المسرحية التي تعتمد في عروضها على فنون الأداء الشعبي ” الأراجوز وخيال الظل ” في محاولة لمواجهة هيمنة المجتمع الاستهلاكي الذي تؤسس له شركات عابرة للقارات التي ربطت برامجها التسويقية بما يقدم للمتلقي من برامج إعلامية موجهة، وهي لا تختلف في نمطها العام عن تلك التي تربط المنتجات الغذائية والاستهلاكية بالغرائز الأساسية لتضمن استمرار العملية التسويقية، ويتجلي ذلك أكثر في برامج الأطفال التي ارتبطت بتسويق منتجات ترفيهية، وهذا ما جعل الفرقة على حد تعبير د. نبيل بهجت مؤسسها، تعمل على تدعيم قيم العطاء من خلال عروض تقدم للمتلقي من دون مقابل مادي . وتنطلق الفرقة من معطيات التراث للتأكيد على أن لدينا ما نستطيع أن نعبر به عن أنفسنا بشكل يحررنا من مفاهيم العجز التي يفرضها علينا شكل التلقي للنموذج الغربي. فنون الضد تطرح الفرقة في أسلوبها، ومضمون ما تقدمه منهجاً يمكن أن نطلق عليه “فنون الضد” أي ضد الهيمنة الوحيدة على العالم وضد صياغته بشكل يتفق مع مصالح المهيمن الوحيد على العالم، الذي يفرض نفسه لإلغاء التعددية الثقافية، والتي هي الضمان الوحيد للأستمرار، والتي هي خلاصة الوعي المعرفي الإنساني . وتعتمد الفرقة في عروضها لتحقيق ذلك على فكرة “اللامركزية” باستخدام العديد من الوسائل ومنها ” خيال الظل ” و” الأراجوز ” و” الحكواتي ” من أجل التأكيد على رفض مفاهيم الاحتكار على جميع مستوياته بداية من رفض فكرة البطولة المطلقة للممثلين داخل العمل الفني، إمتداداً إلى الفكرة السياسية التي توظف داخل العروض، والتي تقدم عبر مداخل إنسانية، فموضوعات المسرحيات تهتم بمشاكل الإنسان في المقام الأول . تعتمد كذلك على النظام الشكلي وترفض البنية الهرمية، فهناك مجموعة من الوحدات الدرامية داخل السياق . وهي لا تقيد بمكان عرض محدد بل تسعى في عروضها إلى الناس حيث يكونون، فأقامت الفرقة عدداً من العروض في الأحياء الفقيرة والمتنزهات والمعارض الدولية للكتاب، والمراكز المسرحية المتخصصة، واستقرت حالياً لتقدم عروضها كل أسبوع في ” بيت السحيمي ” بشارع المعز، وهي بذلك تحاول أن تستوعب المكان الذي تقدم فيه عروضها ليشكل في بنيتها مهما اتسع أو ضاق . عنصر الشباب وتتكون ” فرقة ومضة ” من مجموعة من الفنانين الشباب الذين يرغبون في الاستقلال الفني، فمؤسس الفرقة د. نبيل بهجت، رئيس قسم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان وقد عاونه عدد من الفنانين منهم محمد كريم عبدالغني، وقد حاولت الفرقة التمكن من أدواتها بإقامة عدة ورش فنية في بداياتها في المركز القومي للمسرح، اعتمدت على إعادة صياغة رسوم خيال الظل بتضفير الصورة التراثية بالصورة الواقعية لتوافق اللحظة الراهنة مع التجديد في آليات الحكاية الشعبية . كذلك تم البحث عن لاعبي الأراجوز، وبالفعل تم العثور على آخر لاعبي الأراجوز وهو ” عم صابر المصري ” والذي تجاوز عمره الثمانين عاما وقتها، لكنه كان يحمل الكثير من أسرار تلك المهنة التي انقرضت، وبالفعل حضر عدد من هذه الورش، وقام بتعليم عدد من الشباب آليات هذا الفن، وكيفية تصنيع الأراجوز . ومن أوائل العروض التي قدمتها الفرقة عرض “خللوا بالكم” والذي قدم في معرض القاهرة لكتب الأطفال تحت رعاية المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية . وهذا العرض الذي اعتمد على فنون “الأراجوز” قائم على التواجد اللحظي والتفاعل بين الجمهور وأداة الفرجة الشعبية بمفهومها التراثي، وبين الممثل الذي يعد وسيطاً وفاعلاً بين الجمهور والإدارة التراثية، والعرض لا يعتمد على نص ثابت مكتوب، وإنما يعتمد على خط درامي يقوم أساساً على أسلوب الارتجال وكيفية المعايشة بين الممثل والمكان الذي يقدم فيه العرض . ويفترض العرض بداية قيام صلة إيجابية بين الأداة الشعبية والمتلقي، يبني على أساسها الممثل حالة مستمدة من الفرجة الشعبية، تعتمد على إشراك المتفرج في العرض بطريقة تختلف كثيرا عن الأسلوب ” البريختي “، حيث هدفها الاساسي إعادة إبداع الذات لدى المتفرج ليصبح قادراً على اتخاذ القرار، ومن ثم إعادة اكتشاف قدرته الداخلية، على مواجهة كل ما يسلب الإنسان إنسانيته . كما أن هذه العروض على حد تعبير د. نبيل بهجت هي احتفالية بالذات والهوية، لأنها تثبت عملية أن عندنا فنوناً شعبية يمكن الاعتماد عليها في تشكيل مسرح عربي جديد يزاوج بين الأصالة والمعاصرة . وقد شاركت الفرقة في عدة مهرجانات دولية لفن العرائس، وحصلت على العديد من الجوائر في هذا المجال . الأراجوز المصري ومن الفرق التي أهتمت بتقديم ” الأراجوز ” فرقة الأراجوز المصري، والتي أسسها المخرج ناصر عبدالتواب، بغرض تحديث الحدوتة التراثية وتقديمها على المسرح باستخدام عنصري التمثيل البشري والدمي “عرائس القفاز ” باعتبار أن الأراجوز كفن شعبي يهتم بالقضايا الاجتماعية . وقد جاء عرضها الأول “المواطن مصري” من إخراج ناصر عبدالتواب معتمدا على حدوتة الأراجوز و” الجزار ” من خلال المزج بين التمثيل البشري والتمثيل العرائسي “التحبيط ” القائم على ما يسمى بالتشخيص داخل التشخيص، بمناقشة قضية مهمة وهي “وضعية المثقف في المجتمع” الآن من خلال شخصية ” الأراجوز المثقف” المهموم بقضايا الوطن، من خلال استخدام تقنيات سينمائية مثل شريط فيلم ” الناصر صلاح الدين ” إخراج يوسف شاهين، كخلفية حيث ينشغل ذلك “الأراجوز ” بسؤال مهم يتردد في ثنايا الحدث الدرامي للفيلم، وهو ” كيف حال العرب ياحسام ؟ ” وفي تلك الأثناء تدخل زوجته الحاضرة من عند “الجزار” الذي ساومها على شرفها، فيسألها ماحالك ؟ ياكشكشوبوز ؟ وهوأسم الأراجوزة، وحين يعرف منها الحكاية يهتف صائحاً، لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم . فتقول له : خد سكينة معاك !! وهنا تكمن عقدة النص المسرحي من خلال هذا السؤال الوجودي عميق المغزى ومتشعب الدلالة الراصد لحالة المثقفين القابعين في دائرة التنظير دون الخروج إلى دائرة الفعل . أما العرض الثاني فقدمت من خلاله الفرقة الجزء الثاني من عرضه “المواطن مصري” تأليف محمد منير وإخراج ناصر عبدالتواب، وتدور أحداثه حول فرقة مسرحية قرر أحد ممثليها في إحدى ليالي العرض ترك المسرح الذي رأى أنه “مسرح سري” لا يهم الناس العاديين . وقد ناقش العرض في إطار كوميدي ساخر عدة قضايا مهمة، منها “قضية الحرية الفردية” في ظل واقع مادي متغير . أما العرض الثالث للفرقة فقد جاء تحت عنوان “وشك للحيط” فناقش فكرة تحول الزمن والتغيرات الاجتماعية من خلال نص يدور حول صاحب “عربة الأراجوز” الذي يكتشف أن الأراجوز في هذا الزمن قد فقد أهميته، فقرر أن يستبدل مهنته بإفتتاح شركة لإنتاج الكاسيت، واستحضر لذلك عدداً من مطربي أغنيات “الميكروباص” . أما العرض الرابع للفرقة فجاء تحت عنوان “الأرشفجي” تأليف صلاح عبدالسيد، وهو نص كلاسيكي واقعي من خلال طرح شخصية “الأرشفجي” موظف الأرشيف وربطها بشخصية الأراجوز، فهو موظف مطحون يسكن في غرفة موحشة رطبة مما يؤدي في النهاية إلى إصابته بانسداد في الشعب الهوائية، وتأتي ” الكحة ” المصاحبة لأداء الممثل تعبيرا عن الاعتراض منه على الأشياء التي يرفضها . كما قدمت الفرقة أيضا عرضاً عبارة عن دراما شعرية من أشعار فؤاد حداد تحت عنوان ” التسالي والقهر ” أعدها درامياً سيد سلامة وأخرجها ناصر عبدالتواب.