تحقيق: أمل خليفة مع بدء ظهور وسائل الاتصال الذكية وتطورها، تنبأ علماء علوم الاتصال وتبادل المعلومات بسيادة هذه الوسائل وسيطرتها التامة علي أسلوب حياتنا، وهذا حدث بالفعل في الدول المتقدمة في شتي المجالات، ولكن لدينا كانت “الرقمنة” تسير ببطء واقتصرت على بعض المجالات فقط، ولكن في ظل ما نمر به هذه الأيام من ظروف طارئة، أجبرتنا علي تغيير الكثير من أنماط حياتنا اليومية خشية الإصابة بفيروس كورونا، بدأت التقنية الرقمية تأخذ خطوات واسعة في العديد من المجالات من بينها الثقافة، فكثير من الأنشطة الثقافية التي كان من المفترض تأجيلها بسبب “الكورونا” استخدمت الأسلوب الرقمي في تنفيذها علي سبيل المثال “مهرجان الأقصر”. لذا أصبح السؤال هل يمكن أن تطوع كل الأنشطة الثقافية فتصبح أنشطة رقمية في المستقبل؟ الأجابة سنجدها بين سطور هذا التحقيق. المسرح .. والفن التشكيلى قال دكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق: إن الأنشطة الثقافية يمكن أن تمارس بشكل رقمي إلي حد ما، ووجهة نظري في الأنشطة الرقمية رغم أهميتها وفائدتها في تيسير الكثير من الأمور، إلا إنها قد تكون محدودة فيما يتعلق بالنشاط الثقافي الذي يحتاج ويعتمد في أغلب الأحوال إلي التفاعل المباشر، فعلي سبيل المثال المسرح يحتاج إلي حضور جمهور لرؤية ما يتم عرضه، وإلا يفقد سمة من سمات المسرح وهي التفعالية!، فمن الممكن أن نشاهد العروض بطرق مختلفة، إن جزءا من الأداء المسرحي يتمثل حيويته ويعتمد علي تفاعل الجمهور حتي في المسرح التقليدي فما بالك بالمسرح الحديث؟ الذي لا يكتفي بتفاعل الجمهور فقط بل ومشاركته أيضاً في العرض. وبالنسبة لمعارض الفن التشكيلي، يمكن أن يتم العرض الرقمي، ويمكن للجمهور أن يعلق، ولكن ستظل الخبرة أو التجربة منقوصة غير مكتملة، فاللجوء إلى الأسلوب الرقمي هو نوع من الحلول البديلة ولكنها غير كافية. مجرد حلول إبداعية وحول فكرة تحويل الأنشطة الثقافية إلي الرقمنة الثقافية مع مرور الوقت، أضاف عبد الحميد قائلاً: لا أعتقد ذلك؛ فما يحدث سوف يستغرق فترة مؤقتة، والرقمنة الثقافية هي مجرد حلول إبداعية بديلة فقط، لأن الفنون بشكل عام تعتمد علي الخبرة المباشرة، ماعدا الكتب والروايات فالقارئ يحتاج أن يقرأها بمفرده، وهناك فنون أخري مثل المسرح والموسيقي وعروض السيرك، وحتي التعليم عن بعد غير كاف. فرغم كل ما يقال فهي مجرد حلول أنا لست ضدها، ولكن لست معها، فالتعليم يحتاج إلي تفاعل مباشر بين المعلم وبين الطالب. ولذلك لا يحتل التعليم عن بعد المكانة الأولي فالتعليم المباشر هو رقم واحد ثم يأتي بعده التعليم عن بعد. الكتاب الإلكترونى واستطرد عبد الحميد قائلاً: حول ما تم نشره من كتبه إلكترونيا إن بعض هذه الكتب تم نشرها دون تصريح منه ولا يعرف عنها أى شيء، ومع ذلك أكد بإصرار أن صدي النشر الإلكتروني لا يرتقي علي الإطلاق إلى النشر الورقي، فكل ما يحدث عندما يتم نشر كتاب عبر المواقع الإلكترونية هو تعليق القراء عليه، فشركة مثل “أمازون” لديها أشهر موقع لبيع الكتب الإلكترونية على مستوى العالم، وأيضاً يقوم بتسويق الكتب الورقية بإسلوب إلكتروني، ولكننا نجد عند صدور كتاب لمؤلف ذي صيت وشهرة أو إعادة إصدار كتاب شهير وتنزل النسخ الورقية في نفس التوقيت إلي المكتبات نجد الناس طوابير أمام الكتاب في الواقع، ولا يشترونه إلكترونياً، لأن فكرة المعارض والحضور المباشر والتفاعل مع المؤلف لها وقع مختلف. ضرورة الوعي التقني علي جانب آخر، يري دكتور السيد نجم، نائب رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب، أن الموضوع يمكن تقسيمه إلي قبل وبعد ما نمر به من ظروف. فتوظيف التقنية الرقمية في الثقافة والتعليم والإعلام من القضايا الأساسية لهذه التقنية الجديدة، وخلال الثلاثة عقود الأخيرة بالتحديد كانت هناك محاولات لتعظيم قيمة التقنية الرقمية في مجالات الثقافة والإعلام والتعليم، وبالتالي فإن هناك اختلافا بين الدول والبلدان المختلفة في إمكانية توظيف التقنية الرقمية وتحقيق إنجاز فيها، فاليابان والولاياتالمتحدة وإنجلترا وكوريا وللأسف إسرائيل من الدول التي تمكنت من توظيف التقنية الرقمية بمعدلات مرتفعة في المجالات التي تم ذكرها، ومصر لا تقل كثيراً عن هذه الدول، فمصر أصبح لديها وعي بالتقنية الرقمية وإمكانية توظيفها بلا شك خاصة في العقد الأخير، إنما الجديد إن هناك ظاهرة جديدة وهي “الاكتفاء بالمنزل” وأن يتم العمل والتعليم وممارسة التثقيف عن طريق المنزل، وأصبح هناك نتيجة ظهور فيروس كورونا نظرة مختلفة لنمط حياتنا، وإن كنا مضطرين لهذا النمط الذي يعتمد علي البقاء بالمنزل، فهو في الحقيقة أضطرار سوف يستمر ولن يصبح اضطرارا بل سيصبح نمط حياة. وأضاف نجم قائلاً: رغم أن التجربة بدأت منذ أيام قليلة؛ إلا أنني لاحظت أن هناك إيجابيات في مجال العمل فمثلاً في البنوك لم أكن أتخيل أن يتم العمل في البنوك من المنزل، حيث أصبح اليوم من ضمن الظواهر عدم ذهاب الموظفين إلي عملهم بالبنوك بكامل عددهم كما كان يحدث من قبل فأصبح يذهب النصف أو الثُلث الخ.. وفق طاقة كل بنك أو فرع وأمكانياته، وأيضا بالنسبة للإعلام قرأت خبر مطروح علي إنه خبر عادي. إن إحدي المصريات في الولاياتالمتحدة نجحت في بث برنامج تليفزيوني يومي من بيتها، فالمقصود هو أن ما نعتبره حالة طارئة اليوم سيصبح هو نمط الحياة مستقبلاً، وبالتالي فالثقافة الرقمية هي الشكل المتاح الممكن خلال الفترة القادمة، فلا مشكلة نهائي أن يكون هناك كتاب مقروء علي سي دي أو شاشة كمبيوتر، سواء كان هذا الكتاب قصة أو رواية أو قصائد شعر، أو تاريح… الخ، فيكفي أن نقول إن الموسوعة الإنجليزية الخاصة بعام 2019م إذا وضعناها داخل غرفة ستملأها بالكامل، بينما تم وضع هذا الكم الهائل من المعلومات علي حوالي عشرة أقراص مدمجة يمكن وضعها في أي درج من أدراج المكتب، وهكذا الثقافة المختلفة بأنماط إبداعية أو معرفية أو غيرها. المسرح الرقمي للطفل وأستطرد نجم قائلاً: أصعب المجالات الثقافية التي يمكن تحويلها إلي نشاط رقمي هو المسرح، ولكن بالفعل هناك مسرح رقمي للطفل، ولديه إمكانية أن ينمو ويزداد، وإيطاليا أشهر دولة في مجال مسرح الطفل الرقمي وبدأ هذا المسرح يدخل مصر وهناك محاولات متميزة، وكل الانماط الثقافية يمكن طرحها رقميا بدون أدني مشكلة، وأنما النقطة هنا ليست يمكن أو لا يمكن ولكن المشكلة إن الناس قد تطرح سؤالا وهو ” هل سنستغني عن المسرح القديم وهل سنستبدل الكتاب بالأقراص المدمجة والكتاب الإلكتروني، في النهاية أقول: لا تقنية تغني عن تقنية أخري ولا تلغيها فهذا هو المبدأ الذي تقوم عليه التكنولوجيا منذ القرن التاسع عشر وحتي القرن الواحد والعشرين، فمثلاً عند ظهور السينما ظن البعض أن المسرح راحت عليه؛ ولم يحدث! وعندما ظهر التليفزيون وحدث له رواج اعتقد البعض أن السينما راحت عليها والجمهور لن يذهب إليها ولم يحدث هذا أيضاً، فالتليفزيون باقٍ والسينما باقية والمسرح باقٍ، ومجيء التقنية الرقمية لن يُغني عن كل ما سبق ذكره من أنماط ولن يلغي الكتاب أيضاً. روح القصيدة ومن زاوية أخري للموضوع يرى الكاتب والناقد حسن الجوخ، أنه ليس لدي كل الناس المقدرة علي مجاراة التقنية الرقمية والتعامل معها بمهارة وخاصة بالنسبة للمتلقي، فلابد من وجود شرط مهم وهو المعرفة التامة ودراسة هذه التقنية حتي يستطيع أن يتعامل مع الثقافة الرقمية، فكثير من الجمهور ليس لديه دراية بالتقنية الرقمية وخاصة كبار السن فليس لديهم قدرة كبيرة وشاملة للتعامل معها، لكن الشباب لديهم قدرة علي التعامل معها بيسر. وأضاف الجوخ قائلاً: هناك أنشطة لا يمكن تحويلها لأنشطة رقمية منها الندوات الشعرية فالقصيدة لها روح ولها إحساس لا يمكن حصرها في وسيلة رقمية ونفس الشيء بالنسبة للقصة القصيرة، لكن يمكن استغلال التقنية الرقمية في الدراسات النقدية وكذلك تسويق النشر، وكذلك أنشطة المجلس الأعلي للثقافة يمكن أن تتحول إلي أنشطة رقمية. فهناك قطاع كبير من الجمهور ليس لديه المعرفة بالثقافة الرقمية والبعض الآخر لديه معرفة سطحية لا تمكنه من الكتابة أو البحث والتفاعل.