أعلنت شركة أرامكو عملاق النفط السعودى أنها تلقت تعليمات بزيادة الإنتاج ليصل إلى من 12 إلى13 مليون برميل فى اليوم بشكل ثابت، وذلك بسبب الحالة فى سوق النفط العالمية. وكما ذكرت صحيفة أرقام السعودية أن المملكة ستطرح 12,3 مليون برميل فى اليوم مع حلول شهر أبريل المقبل، وهو ما يعنى زيادة فى الإنتاج 300 ألف برميل عن المعدل الثابت للإنتاج اليومى للشركة السعودية أرامكو. ونقلت الصحيفة السعودية عن رجل أعمال أنه فى حال زيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل فى اليوم فإن سعر البرميل سيصل إلى حوالى 20 دولارا. القرار السعودى جاء بسبب تعنت وزير النفط الروسى الكسندر نوفاك أثناء اجتماع منظمة أوبك + الذى عقد فى فيينا 6 مارس الجارى، والذى كما تتوقع بعض المصادر أن يبدى بعض المرونة بضغط من شركات النفط الروسية الكبرى، وبالفعل بدأ يشير إلى أن روسيا تصدر النفط لأكثر من 40 دولة حول العالم، وأنها بدأت بالفعل فى خفض انتاجها وفق طلب منظمة أوبك، مشيراً إلى أنه من مصلحة روسيا خفض الإنتاج، كل هذا بعد انتهاء اجتماع أوبك + وبدء حرب تجارة النفط مع السعودية. زيادة الإنتاج من قطبين منتجين للنفط سيجعل جميع المنتجين يتخلون عن حصص الإنتاج السابقة وسيزيدون من إنتاجهم مما سيزيد المعروض فى السوق ومن ثم إغراق السوق وهو الأمر الذى سيهوى بأسعار النفط، وقد يصل سعر البرميل إلى حوالى 20 دولارا، ما يتسبب فى تهديد خطير للاقتصاد العالمى. ويفيد بعض الدول المعادية للمملكة العربية السعودية نتيجة انخفاض الأسعار سيمكنها من توفير 1,5 مليار دولار فى الشهر، وهو ما يعنى أنها ستوفر حوالى 18 مليار دولار فى العام، فهل بذلك قامت السعودية بإطلاق النار على قدميها، بالنسبة لروسيا الأمر بالطبع لن يخلو من عجز فى الميزانية والتضخم حيث بدأ الدولار يرتفع بحوالى 9%، نفس الشيء حدث مع الغاز حيث عرضت روسيا الغاز على الأوروبيين والأتراك بتخفيض نسبته 40%، وانخفضت المليون وحدة حرارية من 9 دولارات إلى 2 دولار. الصراع بين روسيا والسعودية هو لعبة عض أصابع بلا شك فكلتا الدولتين تعتمدان بدرجة كبيرة على النفط كمصدر لتمويل ميزانيتهما، ومن هنا فإن كل طرف منهما ينتظر أن يصرخ الأول روسيا لديها حرب فى أوكرانيا وسوريا، ورغم محدودية المصروفات الروسية بهذا الصدد إلى أن هناك إنفاقا كما هو الوضع فى أى نزاع، كما أن اقتصادها يعتمد بدرجة كبيرة على النفط والغاز، وبمجرد انخفاض سعر النفط حدث ما يشبه الانهيار فى البورصة والعملة الروسية، بل اتجه البعض إلى ضرورة تخفيض سعر العملة الروسية الروبل، رغم أن روسيا صرحت على لسان مسئولين روس أنهم يستطيعون تحمل انخفاض الأسعار لفترة طويلة فعلى حد قولهم إن روسيا لديها 540 مليار دولار من النقد الأجنبى، وهل الاحتياطى النقدى يستخدم لهذا. على أى حال الوضع فى السعودية لا يختلف كثيراً، فهى لديها حرب فى اليمن وميزانيتها تعتمد بدرجة ربما أكبر على النفط، فهل ستتحمل السعودية؟! لكن هناك عنصر فى صالح السعودية وهو الرخص النسبى لتكلفة استخراج برميل النفط، ففى روسيا تتراوح تكلفة البرميل من 10 إلى 12 دولارا للبرميل، فى حين نفط السعودية من 3 إلى 5 دولارات للبرميل، لكن هناك نقطة هامة وهو أن سعر البرميل فى الميزانية الروسية 30 دولارا للبرميل، فعادة ما تشكل روسيا ميزانيتها على أساس سعر منخفض للنفط، أما السعودية فهى تشكل ميزانيتها على أساس 77 دولارا للبرميل. ومن هنا فإن انخفاض أسعار النفط سيضر بجميع المنتجين بما فيهم شركات النفط والغاز الصخريين فى الولاياتالمتحدة نفسها، وسيقع الضرر كذلك على مستوردى النفط، الذين سيغريهم استيراد النفط الرخيص عن الإنتاج. خفض الأسعار لم يكن نتيجة ظروف اقتصادية موضوعية، بل بالدرجة الأولى كان نتيجة رفض روسيا الاتفاق مع أوبك على خفض جديد للإنتاج، وبمجرد أن انتشرت الأخبار حول العالم بعدم توصل السعودية وروسيا لاتفاق حول خفض الإنتاج لرفع الأسعار تهاوت أسعار النفط، فيما وقفت روسيا والسعودية مكتوفى الأيدى. والآن يمكن أن يصل سعر البرميل إلى حوالى 20 دولارا، والروبل انخفض أمام كافة العملات الأجنبية وخاصة الدولار واليورو بنسبة كبيرة، فهل قامت روسيا بهذا مصادفة أم عن وعى بما تفعل ولماذا؟ هل هذه الضربة موجهة لطرف ثالث، البعض حتى وفق نظرية المؤامرة يتهم السعودية وروسيا بالعمل معاً ضد شركات النفط الصخرى الأمريكية التى فقدت أسهمها فى البورصة الكثير من وزنها، بل أن بعضها أغلق أبوابه وسيكون لهذا تأثير كبير على الاقتصاد الأمريكى. ليس هناك إجابة واحدة على هذا السؤال، هل الاحتياطى النقدى كبير بدرجة كافية (540 مليار دولار) ليسمح الكرملين لنفسه بحرب جديدة هذه المرة فى مجال الطاقة، وهى متمثلة فى إضعاف وضع الولاياتالمتحدة فى مجال الزيت الصخرى العالى التكلفة، سيصبح الإنتاج غير مجدٍ اقتصادياً ومن ثم ستنهار الشركات المنتجة، فى نفس الوقت توجيه ضربة للعربية السعودية، وهل كما يقول بعض المراقبين فى روسيا، أن بوتين ربما أراد حل مشاكل رئيس روس نفط إيجور سيتشين، حيث تواترت أنباء عن أنه كان ضد الاتفاق الجديد مع أوبك، وهل مراعاة مصلحة سيتشين أهم من مصلحة الدولة كما يقول المحلل السياسى فيتالى بوتنيكوف. ويستطرد بورتنيكوف أنه من الصعب فهم قرار الكرملين حالياً، ولكن يمكن فهم شيء آخر وهو أن “هذه حرب”، وليست لعبة كومبيوتر، ففى هذه الألعاب من الممكن أن يكون هناك خطأ فى الحسابات، ويعرب الصحفى الأوكرانى عن تشاؤمه ويقول: إن المملكة العربية السعودية قبلت التحدى، وبدأت فى خفض أسعار النفط، الذى من الممكن أن يكون ضربة قوية لشركات النفط الروسية، وإذا أضفنا عنصر انتشار الكورونا سيكون للأمر بلا شك تأثير كارثى على اقتصاد البلدين والاقتصاد العالمى. انضمام الإمارات إلى السعودية فى حرب البراميل سيفاقم بلا شك من انخفاض الأسعار. حيث تعتمد الإمارات على النفط كمصدر لتمويل حوالى 60% من الميزانية، وإذا انخفض سعر النفط بنسبة 50%، ستتعرض الإمارات لعجز فى الميزانية، بالإضافة للإمارات المحت بريطانيا إلى أنها قد تدخل حرب أسعار النفط إلى جانب المملكة العربية السعودية. فى اعتقاد كثير من المراقبين أن قبول الأمير محمد بن سلمان للتحدى الروسى فى أوبك +، ولجوئه إلى سياسة عنيفة كان يهدف بالدرجة الأولى إلى جلب روسيا وشركات النفط الصخرى الأمريكية إلى طاولة التفاوض. لكن على أى حال بدأت حرب عض الأصابع فقد أعلن الرئيس بوتين إن بلاده تستطيع تحمل أسعار النفط المنخفضة لمدة عشر سنوات عند سعر البرميل 30 دولارا، بينما طلب محمد بن سلمان بتخفيض الميزانية 20%، لأنه فى حال سعر البرميل 50 دولارا تتكبد السعودية عجزا فى الموازنة مقدارها 6%، فما بالك إذا وصل السعر 30 إلى 35 دولارا حالياً لكم أن تتخيلوا عجز الموازنة، لكن هناك عنصر فى صالح السعودية وهو تكلفة استخراج برميل النفط أقل بكثير عن تكلفة استخراج نظيره الروسى. يذكر أن أسعار النفط كانت أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتى، وكانت السبب هى المملكة العربية السعودية عندما زادت إنتاجها من النفط عام 1991 فى ذروة الأزمة الاقتصادية التى كان يعانى منها الاتحاد السوفيتى السابق (تحدث عن هذا جورباتشوف فى كتابه “وحيداً مع نفسى، والذى صدر عن دار الهلال بعنوان جورباتشوف يتذكر كيف ولماذ سقط الاتحاد السوفيتى)، هذا بالطبع لن يحدث الآن فروسيا لديها احتياطى نقدى كبير ووضعها الاقتصادى يفوق ما كان عليه الاتحاد السوفيتى، والشئ بالشيء يذكر، فقد حذر المستشرق الروسى العظيم يفجينى بريماكوف من اعتماد روسيا على النفط، وكان يحثها على تصدير منتجات فيها قيمة مضافة وألا تعتمد ميزانيتها على تصدير النفط والغاز لكن للأسف هاهى الأزمات وهاهى حرب البراميل تندلع من سينتصر من الصعب الآن التكهن، إنها لعبة عض الأصابع من سيصرخ أولاً، ومن سينضم لهذه الحرب؟ وإلى جانب من؟، لكن المؤكد أن الخسارة ستلحق بالجميع المنتجين والمستهلكين، وبشركات النفط والغاز الصخريين، فقد أفلست بعض الشركات المنتجة، مما أثر على الاقتصاد الأمريكى.