أحمد يمنى: الأطباء وضعف القانون المنظم للمهنة وغياب العقاب والرقابة من الوزارة سبب المشكلة وكيل صحة النواب: المعامل لا تلتزم بمعايير الجودة ويعمل بها غير متخصصين قانون التحاليل الطبية فى أدراج مجلس النواب
انتشرت معامل التحاليل الطبية بنسبة كبيرة في الفترة الماضية، مما أدى إلى وجود فوضى فيها، بسبب الأخطاء المتكررة التي تحدث داخل جزء ليس بالقليل منها بسبب النتائج غير الدقيقة، فنتائج تحاليل العينات في معظمها كادت أن تثير حيرة الأطباء أنفسهم بدلا من إعانتهم لاتخاذ القرار المناسب بإجراء جراحة عاجلة أو بالعلاج الطبي لمرضي تلوي من الألم. فهناك فرق كبير بين المعامل الكبرى، التي يوجد بها أحدث الأجهزة العالمية لجميع التحاليل وأساتذة متخصصين متبعة نظاما صارما في تجميع العينات ومعايير الجودة والرقابة، وبين معامل تحاليل “بير السلم” بمدن وقرى المحافظات، والتي لا تلتزم بأبسط معايير المهنة، فتعمل بصورة عشوائية دون مراعاة لأبسط قواعد المهنة وأصولها وضوابطها الطبية وتفاصيلها الفنية، فتحتوي على أجهزة طبية متهالكة، مشكوك في صحة ما يخرج عنها من نتائج يعتمد عليها الأطباء، لتشخيص مرضاهم بعد أن تحولت إلى مجرد مشروع تجاري “بيزنس” تحكمه عوامل الربح. معاناة المرضى ورصدت “الأهالي” بعض شكاوي المواطنين من “معامل تحاليل بير السلم”، قال محمود فتحي، إنه كان يحلم بالسفر، بحثا عن الرزق وتحسين مستوى المعيشة لأسرته، قائلا: إنه توجه إلي المعمل لإجراء تحاليل فيروسات الكبد، بناء علي طلب السفارة ، فخرجت النتائج لتؤكد إصابتي بفيروس سي ، فتحولت حياتي إلى جحيم، ولكن بعد فترة قومت بإعادة التحاليل مرة أخرى، وتفأجات بالنتائج، تؤكد عدم وجود فيروسات، بعد أن ذهبت لأحد المعامل الكبرى المعتمدة. كما أكدت رشا محمد، والدة أحد المرضى، أنها توجهت للطبيب بابنها الصغير، في السابعة من عمره، بعد أن لاحظت وجود اصفرار في وجهه وهبوط دائم ونوم مستمر، فطلب منها إجراء بعض التحاليل الطبية، مؤكدة أنه بمجرد اطلاع الطبيب على النتائج، تغير وجهه وطلب منها، إعادتها علي الفور في معمل آخر. وأضافت أنها قامت بإجراء التحاليل في معمل آخر، وكانت النتيجة مختلفة تماما عن التحاليل الأولي، فاطمأن الطبيب، مؤكدة لها أن التحاليل الأولي، كانت تؤكد إصابة الطفل بسرطان في الدم. معامل مجهولة الهوية ومن جانبه أكد الدكتور أحمد يمني، رئيس نقابة أخصائيي التحاليل الطبية، ورئيس جمعية الكيمياء الحيوية الباثولوجية وأبحاث الدم، أن مصر هي أكبر دولة في العالم بها فوضي في مجال التحاليل، نتيجة انتشار معامل الشركات مجهولة الهوية وسيطرتها علي غالبية التحاليل في مصر، رغم نتائجها المليئة بالأخطاء الناتجة عن غياب الخبرات والكفاءات للعاملين بتلك المعامل . وشدد على أن السبب الرئيسي لهذه الفوضى، هو ضعف القانون المنظم للمهنة وغياب العقاب الرادع للمخالفين، وأيضا غياب دور المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة في مراقبة تلك المعامل، بالإضافة إلى صراع النقابات الطبية المختلفة “الأطباء والصيادلة والبيطريين” على المهنة وتوزيع دماء المهنة على أبناء النقابات الثلاث بجانب خريجي كليات الزراعة والعلوم . واتهم “الأطباء” في تلك المشكلة، التي يعاني منها الجميع قائلا: ” كل طبيب يتفق مع معامل بير السلم مقابل نسبة يحصل عليها رغم علمه بعدم دقة النتائج الصادرة عن هذا المعمل على حساب المريض دون النظر لأي أعراف مهنية أو حتى أخلاقية “، مؤكدا أن هناك مطالبات من النقابة العامة لأخصائي التحاليل، بتعديل قانون المهنة، لمواجهة الفوضى التي تشهدها البلاد . وأوضح أن الكثير من اللوائح والقرارات الصادرة من قبل عن وزارة الصحة لم تكن في صالح المهنة، حيث أدت إلى عشوائية شديدة وآلاف القضايا بالمحاكم للحصول على ترخيص مزاولة المهنة، لافتا إلي أن محاربة تلك الفوضى ستأخذ وقتا لان ذلك يحتاج في البداية لقانون قوى وعادل وبه كل التفاصيل لمزاولة المهنة، حتى لا يتم التلاعب في القانون، فمعركة الإصلاح ستأخذ وقتا وتحتاج إلى تكاتف وتعاون الجميع وخصوصا أعضاء نقابة أخصائيي التحاليل الطبية في كل محافظات مصر من الإسكندرية إلى أسوان . كما شدد علي ضرورة تعديل قانون التحاليل الطبية رقم 367 لسنة 1954 من خلال عدم تمكين مافيا الخارج وعصابات الداخل من المهنة والقضاء علي العشوائية في المعامل، وإنهاء قرارات وزارة الصحة التي لا تخدم المهنة، بالإضافة إلي إصدار قانون للمهنة، يتفق مع الدولة العصرية ويخدم الجميع، المريض ودكتور المعمل وحق الدولة، وكذلك التوعية الإعلامية للمواطنين عن مهنة التحاليل الطبية فهي ليست من مهن الطب بل هي مهنة مستقلة ولها نقابة مستقلة وكذلك إنشاء هيئة مستقلة للإشراف علي المواد الخام الكيمائية، وكذلك الأجهزة الخاصة بالمعامل والتي يتم استيرادها من الخارج . قنبلة موقوتة أما الدكتور أحمد زهران، أمين عام نقابة أطباء الدقهلية، والمتخصص في مجال التحاليل الطبية، فقال أن وضع معامل التحاليل في مصر، قنبلة موقوتة، مؤكدا أن 60% من معامل التحاليل تحولت لبيزنس ومشاريع تجارية يمتلكها ويديرها غير متخصصين. وأوضح، أن التحاليل الطبية، علم كبير يضم الكثير من الكليات، والإحصائية الأخيرة تشير إلى وجود 12470 معملا مرخصا، أما المعامل غير المرخصة تشير الأرقام الاسترشادية، إلى وصولها إلى 70 ألف معمل، أي 5 أضعاف المعامل المرخصة على أقل تقدير، وهي معامل ليست عليها رقابة، وتنتشر في كل الأماكن بلا استثناء، والتمييز بينها أمر غير سهل على الإطلاق. وأشار إلى أن إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، هي المنوطة بالرقابة على كل المنشآت الصحية وتقوم بدور جيد في ذلك، إلا أن عدد الموظفين في الإدارة ممن يمتلكون الضبطية القضائية لا يتعدي أصابع اليد، ومن المشاكل الموجودة أيضا أن وزارة الصحة، هي الوحيدة التي تطلب تسجيل المعامل، ولا توجد كشوف للمعامل المرخصة لغير الأطباء، ولا توجد عقوبات نهائيا على المعامل غير مرخصة. وأكد أن حل تلك المشكلة يتمثل في الموافقة على قانون موجه لمجلس الشعب منذ 3 سنوات ولم يطرح للنقاش حتى الآن، يتضمن القواعد المعمول بها بكل دول العالم ليطبق في مصر، مطالبا بإنشاء إدارة للتفتيش المعملي بإدارة العلاج الحر تضم المختصين في مجال التحاليل الطبية على غرار إدارة التفتيش الصيدلي، خاصة أن عدد معامل التحاليل تجاوز عدد الصيدليات. نتائج صحيحة كما قال الدكتور علي هنداوي، أستاذ الباثولوجي وصاحب أحد معامل التحاليل، أن التحاليل المعملية تنقسم إلى نوعين، النوع الأول هو تحاليل جهازيه، وهي النوعية التي لا يتدخل الإنسان فيها على الإطلاق وتقوم بها الأجهزة فقط، مثل تحاليل الدم والكولسترول، أما النوع الثاني فيطلق عليه اسم التحاليل الشخصية، وهي التي تعتمد على العنصر البشري دون تدخل الأجهزة في شيء، مثل تحاليل النخاع الشوكي والأنسجة والأورام. وأضاف، أن التضارب في نتائج التحاليل المعملية، أمر يضر صناعة الطب المصري، الذي يعد من أعرق جهات الطب على مستوى العالم، مبينا أن مصر بها معامل كبيرة، تملك نظاما تدقيقيا للعينة منذ لحظة وصولها إلى المعمل وحتى استخراج النتائج ووصولها للمواطن، وهو النظام الذي يعتمد على ترقيم العينة بنظام الباركود ووضعها على أجهزة الكمبيوتر وخضوعها لأدق التفاصيل، وذلك لضمان الحصول على نتائج صحيحة بنسبة 100% . وأوضح، أن الأخطاء التي تحدث في بعض المعامل، أمر وارد ويحدث في كل دول العالم وليس مصر وحدها ولا يؤثر على علاج المريض في شيء، لافتا إلى أن وزارة الصحة تقوم بدورها الرقابي قبل وأثناء وبعد إنشاء تلك المعامل على أكمل وجه، وذلك للحفاظ على المريض المصري، حيث تبدأ تلك الرقابة أولا في التأكد من كفاءة القائمين على شئون المعمل، بحيث لا تقل درجته العلمية عن ماجستير، بالإضافة إلى التشديد على التعاقد مع شركات لإعدام نفايات المعامل بشكل صحي، وذلك لأنها تمثل كارثة كبرى بجانب التفتيش الدوري عليها . مناقشة المشروع ومن جانبها قالت الدكتورة إيناس عبد الحليم، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن هناك حالة فوضى موجودة بمعامل التحاليل الطبية، استدعت التدخل بتشريع جديد لتنظيمها، موضحة أن بعض المعامل لا تلتزم بمعايير الجودة وتسببت في خروج بعض النتائج بشكل غير صحيح، وفى مشاكل للمرضى أنفسهم. وأضافت، أن بعض المعامل يعمل بها أشخاص ليسوا أطباء أو متخصصين ولا حتى كيميائيين، وبالتالي غير مؤهلين علميا، بالإضافة إلى أن هناك بعض المعامل تعمل بدون تصريح بمزاولة المهنة، وبالتالي لا رقابة عليها، وهو أمر في غاية الخطورة، قائلة : ” البعض لديه رخصة لإنشاء معمل متخصص في تحاليل البول والبراز والمثانة فقط، ولكنهم يتخطون هذا الترخيص لباقي أنواع التحاليل”. وأشارت، إلى أن لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، ستستكمل مناقشة مشروع قانون التحاليل الطبية، الذي تقدمت به خلال دور الانعقاد الحالى، وستدعو كل المعنيين به لجلسات استماع موسعة للخروج به بشكل توافقي وسريع لضبط هذا المشهد الفوضوي الذي يدفع ثمنه في النهاية المريض فقط.