فى إطار قراءة مُتعمّقة لمستقبل (بحوث الرأى العام فى العالم الافتراضى) بالمراكز والمؤسسات والمعاهد البحثية الدولية مقارنةً بها فى مصر والدول العربية، نجد أن هناك محاولات جادة للّحاق بالركب، لكن هذا لا يمنع أن هناك جوانب خفية وزوايا معتمة لم يُسلّط الضوء عليها بعد قد تعرقل السير قدماً نحو التفاعل مع تلك التحولات السريعة، واحتواء مخاطرها. ربما بات من الضرورى معرفة الجوانب والزوايا الشائكة التى تحيط تلك القضية، وربما بات من الضرورى التنظير الحقيقى والتوثيق الموضوعى المُكثّف الجامع المانع لمفهوم ” قوة التعبئة الإفتراضية “. وهل تلك القوة جدلية أم إشكالية أم متداخلة؟! وأوجه التعامل معها إيجابياً وردع الجانب السلبى منها، خاصة الجانب الأمنى فيها إذ كانت تتداخل أطر تلك القوة مع أطر الأمن القومى المصرى. ونجد أيضاً أن أحد تجلّيات تلك التعبئة التشبيك الإرهابى وخلق النموذج، على سبيل المثال (الألعاب الإليكترونية الافتراضية، المُدونات غير الشخصية، الصفحات الوهمية المليئة بأفكار تحمل بذور العنف السلوكى) ومن خلال استراتيجية التنويع والتكثيف والتكرار يحدث إشباع فكرى ووجدانى يتحول لسلوك فردى يتم هيكلته داخل إطار استقطابى سريع. ومن ثمّ خلق مجموعات بشرية تحمل نفس التكوين الفكرى والمعرفى والوجدانى وذات سلوك أحادى تم تحديده مُسبقاً، من خلال عمليات نفسية مستمرة. قضايا الإرهاب النوعى وتغذية العقل الباطن بمفردات غريبة لتصبح مألوفة، والعنف السلوكى الناتج عن تكوين وجدانى ونفسي وترسيب معرفى مشوه نتيجة تداخل مفاهيم القوة والجرأة والشجاعة. والآن نجد أن هناك عمليات منظمة مُمنهجة لتجييش المجموعات الافتراضية حول قضايا مرحلية ومستقبلية شائكة، سياسية وغير سياسية، وعمليات استقطاب معرفى ووجدانى مناهض للدولة وللجيوش النظامية. وعليه فأصبح من الضرورى احتواء تلك القوة الدافعة بحكم التحول الرقمى العالمى، وبحكم اتساع بؤر الفضاء الافتراضى وتجليّات قوة التعبئة الافتراضية، وأن يتم تشكيل لجان نوعية من متخصصين بالمجال (الأمنى، الإعلامى، الاجتماعى، السياسى، النفسى) تحت مظلة مجلس قومى للفضاء الافتراضى، كهيئة نوعية منفصلة عن مجالس الإعلام التقليدية، وسن تشريع يحدد ماهية عمل واختصاصات وهيكلة ذلك المجلس المتخصص، بعد جلسات من الحوار المجتمعى حول تلك الفكرة، فى ظل استشراف أمنى شامل لمستقبل الحروب السيبرانية والتجييش الافتراضى وفقاً لمحددات الأمن القومى الداخلى والخارجى. فى اعتقادى أصبح ضرورة مُلّحة وفقاً لأبجديات التأمين الشامل للهُويّة الرقمية، فى ظل تدافع مفاهيم التحرر الإعلامى الشامل الذى لا تقوى على مجابهته المجالس والهيئات الإعلامية التقليدية، إلى جانب التشريعات القانونية الإعلامية المتهالكة والعقيمة والسطحية فى الغالب، والتخبط الإعلامى أحياناً والثقافة المضمحلة لغالبية المُتلّقين والمستخدمين. *بقلم الباحثة في مجال الاعلام السياسي د. دينا محسن