فى ظل تنفيذ الحكومة لبرنامج الاصلاح الاقتصادى – وفقا للاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولى- والذى يهدف الى الغاء الدعم والرفع المباشر لاسعار السلع والخدمات وزيادة الضرائب واسعار الوقود والكهرباء والمياه والغاز الطبيعى.. الامر الذى ادى الى زيادة الاعباء على المواطنين وتدهور مستوى معيشتهم، ولذلك أطلقت الحكومة مجموعة من برامج الحماية الاجتماعية خلال السنوات الماضية للتخفيف من حدة الإصلاح على الفقراء، وشملت هذه البرامج كلا من "تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة".. والسؤال الذى يطرح نفسه هل برامج الدعم النقدى المتمثلة فى تكافل وكرامة كافية لمواجهة الفقر؟!. من جانبها اعلنت د." هالة السعيد" وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، أنه لولا برامج الحماية الاجتماعية التي نفذتها الدولة المصرية، فى الفترة الماضية، لكانت نسبة الفقر ارتفعت إلى معدلات أكبر بكثير. وقالت الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي خلال مؤتمر إعلان نتائج بحث الدخل والانفاق والاستهلاك، إن برنامج تكافل وكرامة له أثر كبير فى تراجع نسبة الفقر وارتفاع مستوى الفرد فى قرى الصعيد،مشيرة الى أن 86% من تمويل البرنامج وجه لمحافظات قنا وأسيوط وسوهاج. وبالنسبة لبرنامج "تكافل" الذى تطبقه الدولة كمساعدة شهرية مؤقتة لحماية الفقراء من آثار الإصلاح الاقتصادي فهو يستهدف الاسر الفقيرة بشرط انتظام أبنائها فى تلقي خدمات صحية والانتظام فى الدراسة، وتبلغ قيمة المعاش 325 جنيها فى الشهر، بالإضافة إلى 60جنيها للطفل دون عمر السادسة، ويرتفع إلى 80 جنيها لطفل المرحلة الابتدائية، 100 جنيه لطالب المرحلة الإعدادية 140 جنيها للمرحلة الثانوية، ويشترط لحصول الأسرة على الدعم أن يستمر أطفالها فى الحضور بالمدارس بنسبة لا تقل عن 80% من أيام الدراسة الفعلية، والحد الأقصى للأطفال المستفيدين من هذا البرنامج هو ثلاثة أطفال للأسرة الواحدة، تم اقتصاره على طفلين بداية من يناير الماضى. وبرنامج "كرامة" فهو يستهدف كبار السن فوق 65 عاما والأشخاص ذوي الاعاقة غير القادرين على العمل – بنسبة إعاقة 50% فأكثر يوفر 325 جنيهًا شهريًا لكل فرد تنطبق عليه شروط البرنامج داخل الأسرة، ومبلغ 425 جنيهًا للفردين داخل الأسرة الواحدة، و550 جنيهًا لثلاثة أفراد (وهو الحد الأقصى للبرنامج) داخل الأسرة الواحدة. برامج الحماية الاجتماعية لم تؤت ثمارها لانها تصل لعدد محدود من المواطنين يتقاضون مبلغا هزيلا لا يسمن ولا يغنى من جوع وبلغة الارقام فهناك نحو 32 مليون مواطن فقير، والمخصص للدعم النقدى فى موازنة العام الماضى يبلغ نحو 17.5 مليار جنيه. وبحسب وزارة التضامن، فإن إجمالي عدد الأسر المستفيدة من برامج الدعم النقدي قد وصل إلى 3.839.446 أسرة، بواقع 15 مليون مواطن مستفيد، ورغم ذلك لم تفلح المعاشات الجديدة فى منع ارتفاع نسبة الفقر التى زادت من 27.8% فى 2015 الى 32،5 % عام 2017/2018(وفقا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).. فقد ساهمت سياسات الدولة المالية فى زيادة اعداد الفقراءه.. هذا ما اكدته دراسة بعنوان "النقود وحدها لا تكفى" صادرة عن «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» فى فبراير 2018. واشارت الدراسة، إلى أن عدد المستفيدين من تكافل وكرامة ليس محدودًا فقط، لكن أيضًا بالمقارنة بمعدّل الفقر الذي وصل إلى 27.8% فى عام 2015 أي قبل عام من تطبيق إجراءات نوفمبر الاقتصادية من تحرير سعر صرف الجنيه، وما ترتب عليها من موجة تضخمية. ونوهت الدراسة إلى أنه عند المقارنة ب"التجربتين الرائدتين فى مجال الدعم النقدي المشروط، البرازيل والمكسيك"، اللتين غطت فيهما تلك البرامج نحو ربع السكان فى البلاد، فإن تغطية كل من المعاشات المشروطة وغير المشروطة فى مصر تعد "محدودة للغاية". واوضحت الدراسة، انه لا قيمة لتحفيز الأبناء على الدراسة طالما أن معدلات البطالة مرتفعة فى أوساط الفئات الأعلى تعليمًا، كما أن تطبيق برنامج تكافل فى الوقت الذي لا تلتزم فيه الدولة بالإنفاق الدستوري على التعليم يجعل هذا المعاش مجرد أداة لإسكات الفقراء عن الاحتجاج على الضغوط التضخمية وليس معاشًا تنمويًّا كما تزعم الدولة. وترى الدراسة، أن سياسة التحويلات النقدية بمفردها لن تكون قادرة على مواجهة الفقر بصورة مستدامة بدون سياسات كلية تهدف إلى تحفيز النمو وخلق فرص عمل مستدامة تستجيب لمعايير العمل الدولية. واوضحت د."يمن الحماقى"استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن اقل الطرق كفاءة لمواجهة الفقر فى هذه المرحلة الانتقالية هو الدعم النقدى لانه اسلوب ثبت فشله، مشيرة الى أن التمكين الاقتصادى للاسر الفقيرة من الاجراءات الحمانية المطلوبة فى الوقت الراهن، وهو اهم كثيرا من المنح المؤقته والبرامج الاجتماعية، فيجب وضع خطة واضحة للتمكين الاقتصادى لابناء الطبقة الكادحة بمعنى توفير فرص عمل لهم ومساعدتهم على عمل مشروعات لها عائد مضمون وتمكنهم مستقبلا من الاعتماد على أنفسهم، وشددت على ضرورة الاهتمام بقطاع الصناعة والزراعة لانهما من القطاعات التى تعطينا فرص لتنوع هيكل الانتاج، مشيرة الى أن جميع الدول الناجحة فى مواجهة الفقر ركزت على التمكين الاقتصادى للنهوض بالاسر الفقيرة وحل المشكلة من جذورها كما حدث فى الصين. وأكد د."هانى الحسينى"القيادى بحزب التجمع والخبير الاقتصادى، أن الحكومة المصرية لم تتبن مبدأ العدالة الاجتماعية الواجبة من اجل حياة كريمة لكافة المواطنين، ولكنها تركز على الحماية الاجتماعية، وهناك فرق كبير بين العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية مشيرا الى أن مبدأ العدالة الاجتماعية يعنى تحمل الاغنياء للجزء الاكبر من الاعباء الاقتصادية، وحصول الفقراء على نفس الحقوق التى يحصل عليها الاغنياء كالعمل والتعليم والصحة، وتوزيع عادل للدخل، وللاسف هذا ليس موجودا فى مصر، فالمواطن الفقير هو الضحية للاجراءات الاقتصادية الصعبة التى انتهجتها الحكومة، ولذلك تسعى الحكومة لحمايته اجتماعيا حتى لا يزداد فقرا وذلك عن طريق تحويل دعم نقدى مؤقت ومشروط مثل برنامج تكافل وكرامة. وتابع، أن الدولة تحاول التوسع فى هذه البرامج الحمائية، وفى نفس الوقت تتجه الى تقليص الدعم الحقيقى الموجه للمواطن الفقير.. مشيرا الى أن هذه البرامج تأتى تنفيذا لنصائح صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والتى يوصى بها لضمان عدم حدوث توترات اجتماعية بعد تنفيذ اجراءات الاصلاح، اى أن الهدف منها سياسى وليس هدفا اقتصاديًا اجتماعيا، واضاف ان مواجهة تزايد معدلات الفقر تتطلب برامج عدالة اجتماعية تتمثل فى تكافؤ الفرص فى توزيع معدلات النمو، ووضع برامج شاملة لمحاربة البطالة وتوفير فرص عمل دائمة وليست مؤقتة، وارساء قواعد هدفها تحسين مستوى معيشة المواطنين وخفض الاسعار. وتابع:اما برامج الحماية الحالية فهى مجرد مسكنات للأزمة، ويخشى "الحسينى" تفاقم الاوضاع وزيادة الشعور بالحرمان فى حالة عدم اتخاذ اجراءات العدالة الاجتماعية. وهو الامر الذى ينذر بكارثة حقيقية.