شغل الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة العالم خلال الأيام الماضية، ولا يزال العالم ينتظر ما ستسفر عنه المواجهة الحالية الدائرة فى منطقة الخليج، وبين تكثيف الولايات المتحدة لتواجدها العسكرى فى المنطقة، وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين الإيرانيين العنترية، بأن الولايات المتحدة لن تجرؤ على ضرب إيران بأى حال، ليس لقوة إيران وهم يدركون ذلك ولكن لأن نتيجة الضربة ربما تنعكس سلباً على حلفاء واشنطن فى المنطقة وعلى رأسهم إسرائيل. يذكر أن واشنطن وسعت من جبهة مواجهاتها فى العالم، ولم تستطع حل أى مشكلة فى العالم، فملف كوريا الشمالية حاولت الولايات المتحدة حله بدون روسيا أو الصين وهما دولتان مؤثرتان بقوة على الزعيم كيم، كما أن سلوك الولايات المتحدة الذى ظهر من خلال سحب توقيعها على الاتفاق النووى مع إيران أفزع الزعيم الكورى الشمالى، رغم أن الرئيس بوتين حاول إقناعه فى لقائه الأخير فى الشرق الأقصى الروسى بنزع السلاح النووى، فكما هو معروف روسيا لا تريد دولة نووية على حدودها، فرغم العلاقات الممتازة مع روسيا، وفشل لقاء فيتنام الأخير يعد هزيمة قاسية للرئيس ترامب. ثم الملف السورى وفيه تقلص دور الولايات المتحدة جداً وانفردت به روسيا دون مشاركة أمريكية، ومازال ملف فنزويلا مفتوحاً بل أن القيادة الموجودة نيكولاس مادورو تحقق نجاحات ما جعل زعيم المعارضة جوايدو يطالب الولايات المتحدة بالتدخل العسكرى، ورغم نفى الرئيس بوتين فى محادثة تليفونية بينه وبين ترامب تدخل روسيا فى فنزويلا، وهو ما اعتبر ضوء أخضر لغلق الملف، إلا أن هذا الأخير لم يحقق أى نجاح. ثم الملف الأوكرانى الذى تتلاعب فيه روسيا بالولايات المتحدة كما تشاء، بل أقدم الرئيس الروسى على حل المشكلة بطريقة اجتماعية عندما أعلن عن تسهيل حصول مواطنى الدنباس بشرق أوكرانيا على الجنسية الروسية، ثم فتح الرئيس ترامب على نفسه الملف الإيرانى، والمشكلة ليس فى فتح الملف ولكن فى إغلاقه. الهدف.. حزب الله وليس الهدف من المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران هو الملف النووى رغم أن هذا يحظى بنسبة ليست قليلة كسبب للمواجهة، لكن الهدف الأساسى هو القضاء على حزب الله، فإذا وجدت الولايات المتحدة لغة مشتركة مع طهران على تقويض حزب الله وسحب ميليشياتها من سوريا والتوقف عن مساعداتها لبعض التنظيمات الأخرى التى تعادى إسرائيل، مثل الحوثيين وحركة حماس، فإن الولايات المتحدة ستكون فى غاية السعادة، لكن إيران بدلاً من الرضوخ للضغوط الأمريكية العسكرية والعقوبات قام حلفاؤها الحوثيون بمهاجمة منشآت نفطية فى المملكة العربية السعودية، بل قام مجهولون بمهاجمة الحليف التالى ميناء الفجيرة بالإمارات، وهو ما يعتبر مؤشرا على ما ستكون عليه رقعة المواجهة من اتساع. إيران.. وأوراق الضغط إيران لديها أيضاً من أوراق الضغط ما سيجعل الولايات المتحدة، تتفاوض معها، وهو ما أعلنه الرئيس ترامب من أنه سيتفاوض وهو ينتظر طلب إيرانى بالتفاوض، وصرح مؤخراً واصفاً سياسته القوية للغاية فى الشرق الأوسط ستدفع إيران إلى التفاوض، فإيران أعلنت عن أنها ستقوم بتخصيب اليورانيوم بتركيز يسمح لها بإنتاج سلاح نووى، وهو ما يشكل خطرا بالغا على إسرائيل التى تحرص الولايات المتحدة على أن تبقى الدولة النووية فى الشرق الأوسط. على أى حال، لن تحدث حرب مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، لأن الولايات المتحدة لا ترغب سوى فى الاتفاق مع إيران على تحجيم قوتها العسكرية ومنعها من إنتاج سلاح نووى، بما قد يهدد إسرائيل فى المستقبل، والعنصر الأهم هو الضغط لكى تتخلص إيران من توابعها التى تهدد إسرائيل من ميليشيات مثل حزب الله والحوثيين فى اليمن وحماس، إما وجود إيران كقوة عسكرية إقليمية فهو فى صالح الولايات المتحدة لأنها وسيلة لابتزاز بعض دول المنطقة، كل ما تريده واشنطن هو الجلوس والتوصل لترتيبات لضمان أمن إسرائيل. أمريكا.. وأوروآسيا وإذا عدنا للجيوسياسية بشكل أعمق وأشمل، نجد أن الهدف الأساسى للولايات المتحدة هو السيطر على أوروآسيا، والتى تعتبر إيران مركزها، بالدرجة الأولى وربما هذا هو السبب فى إلحاح الولايات المتحدة فى السيطرة على أوكرانيا، فخبراء الاستراتيجية الأمريكيون يعتقدون أن نصب الصواريخ فى خاركوف الأوكرانية أفضل منه فى وارسوا عاصمة بولندا. ويشير بعض الخبراء إلى أن قضية الولايات المتحدة مع إيران أو العراق هى التبعية، فهى تريد دولا خاضعة، بالمناسبة هذا يسرى على جميع دول العالم فى علاقة الولايات المتحدة بها. يقول برزجينسكى، مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، إن التحديات الكبرى التى تواجه الولايات المتحدة فى العالم تأتى من منطقة أوروآسيا، التى تعتبر فى ثرواتها متفوقة على الولايات المتحدة بكثير، ووفق رأى السياسى الأمريكى المخضرم، أنه لكى تتعايش الولايات المتحدة يجب عليها تسميم العلاقات بين دول أوروآسيا بشكل دائم، مستغلة الاختلافات العرقية والسياسية بين هذه الدول، وأشار إلى أن مشروع الصين «حزام واحد طريق واحد» من الممكن، لأول مرة فى التاريخ، أن يوحد أوروآسيا على الأقل سياسياً، ومن هذا المنطلق أصبح هذا المشروع هدفاً للإدارة الأمريكية، لكن بدون روسيا، ذات الطموح، سيكون من الصعب على الصين تنفيذ مثل هذا المشروع. تركيا كانت دائماً عنصر توازن مع إيران فى منطقة القوقاز، وهذا يفسر صبر الولايات المتحدة على دلع الأتراك معهم والتمسك بها فى حلف الناتو ومن قبل الولايات المتحدة، رغم أن دولة مثل أذربيجان لا تقل أهمية عن تركيا فى القوقاز، فهى يمكن اعتبارها دولة لها نفوذ فى القوقاز. أذربيجان السنية أكثر انجذاباً إلى تركيا، فى الوقت الذى يعيش فيه ثلث سكان أذربيجان فى إيران الشيعية. التفاوض من جديد فى هذا المثلث صنع لإيران وضع جيد وجعلها عنصر استقرار فى منطقة وسط آسيا، وإذا رغبت الولايات المتحدة، فى إشعال خاصرة روسيا والصين سيكون عليها فقط إشعال النيران فى إيران، لكنها فى نفس الوقت لا تنسى أن إيران تسيطر على منطقة الخليج حيث حلفاءها. سمح الاتفاق النووى الذى وقعته إيران مع 6 دول الخمسة دائمى العضوية بمجلس الأمن والمانيا، برفع العقوبات مع احتفاظ إيران بما انجزته فى برنامجها النووى. ولن توافق طهران على أى قيود تصر الولايات المتحدة على فرضها على برنامجها، وتعتبر واشنطن الاتفاقية التى توصل إليها أوباما غير مجدية وليست فى صالحها. ربما كان الرئيس ترامب على حق فى فى مطالبته بالعودة من جديد للتفاوض مع إيران وخروجه من الاتفاق، لكن الأمر ليس بهذه البساطة بسبب الدول الأوروبية والصين وروسيا الذين يريدون السير فى الاتفاق حتى نهايته عام 2023، فعلى سبيل المثل ألمانيا نشيطة فى شراء النفط الإيرانى ولها مصالح تجارية كبيرة مع طهران وإذا استمر ترامب فى الضغط على المانيا وروسيا بسبب إيران ودول الخليج فإنه يخاطر هنا بدفع الأمور إلى حافة الخطر على الأقل بالنسبة له سياسياً. عندما كانت إيران على خلاف مع روسيا أو على الأقل العلاقات كانت غير ودية، كان هذا فى مصلحة الولايات المتحدة، عندما كانت إيران تمثل حاجزا أمام الروس للنفاذ للشرق الأوسط، بما من تهديد للمصالح الأمريكية فى ذلك الوقت. لكن عندما تقاربت روسياوإيران أثناء الأزمة السورية، ودخلت روسيا منطقة الشرق الأوسط من أوسع أبوابها، ولم تكتف بذلك بل تقوم بالتعاون مع إيران بالتضييق على المصالح الأمريكية وتهديدها، برزت فكرة القضاء على إيران، فهناك خطر القضاء على إسرائيل رأس حربة واشنطن فى الشرق الأوسط، ورغم ذلك والأسباب الكثيرة التى تدفع الولايات المتحدة بشن حرب على إيران، غير أن الحسابات تختلف عن العراق، إيران أقوى عسكرياً، وكان مع الولايات تحالف دولى أوروبى فى الأساس وهذه المرة غير موجود. على أى حال إذا لم يحدث تفاوض أمريكى إيرانى كما يأمل الرئيس ترامب، فإنه لن يكون هناك مفر أمام الولايات المتحدة من توجيه ضربة لإيران على الأقل تعرقل برنامجها النووى، وإلا ستفقد الولايات المتحدة هيبتها فى العالم خاصة بعد تنازلاتها أمام كيم زعيم كوريا الشمالية وتردى أوضاع المعارضة المدعومة من واشنطن فى فنزويلا، هذا طبعا بخلاف الملفين السورى والأوكرانى. ربما هذا ما دفع مايك بومبيو لزيارة روسيا لطلب الدعم الروسى فى الملفات التى تراكمت دون قدرة من واشنطن على غلق ولا واحد منها. ضغوط أمريكية تشير أخر الأنباء، وفى إطار ممارسة الولايات لأقصى أنواع الضغط والترهيب على طهران، قامت الولايات المتحدة بإخلاء دبلوماسييها من بغداد، كما أخلت الموظفين العاملين فى شركة إكسون موبل من موقع حقل القرنة 1 القريب من البصرة. وهو الأمر الذى قابله وزير الخارجية الإيرانية بتصريح قال فيه إن بلاده لا تريد الحرب، ويبدو أن وسائل الضغط الأمريكى بدأت تأتى ثمارها وظهر ذلك من خلال تصريح برلمانى إيران يقال أنه عضو فى لجنة الأمن القومى دعى من خلاله إلى عقد مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة فى دولة ثالثة واختار لذلك بغداد أو الدوحة. وعلى العالم ان ينتظر، لكن مسألة الحرب الشاملة مستبعدة، وإذا حدثت حرب ستكون محدودة، ومن وجهة نظرى إجلاء الدبلوماسيين والموظفين فى بعض الشركات الأمريكية هو للإيحاء لإيران بقرب توجيه ضربة ومن ثم إجبارها على التفاوض كما ترغب واشنطن. د. نبيل رشوان - الإعلانات -