ما يحدث فى السودان الشقيق منذ أسابيع يجعلنا نردد «يمهل و لايهمل». هاهو البشير، الرئيس الأسبق للسودان الذى قبع على أنفاس شعبه و خالف القوانين و الأعراف و تجاهل حكم المحكمة الجنائية الدولية الصادر عام 2005م بتوقيفه لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى دارفور فى غرب السودان، واتهامه عام 2010م بتهمة «عمليات إبادة». هاهو يقبع اليوم فى غياهب سجن سودانى ينتظر محاكمته محليا أو تسليمه الى المحكمة الجنائية الدولية. ولابد أن السلطات الجديدة فى السودان ستمتثل لقرار مجلس الأمن الذى دعا الحكومة السودانية للتعاون الكامل ومد يد العون. أخيرا أطاح الجيش السوداني بالبشير بعد 30 عاماً أمضاها فى الحكم منذ عام 1989 يتحكم فى السودان على إثر انقلاب، وأعلن اعتقاله واحتجازه «فى مكان آمن» وتولي مجلس عسكري انتقالي السلطة وذلك امتثالا للاحتجاجات الشعبية ضد النظام التى طالبت بذلك. ولكن الشعب السودانى كشف لعبة «تبديل الأقنعة « التى مارستها أغلب الأنظمة السياسية السابقة، من البشير إلى بن عوف إلى برهان، ولم تعد الوعود البراقة تخدعه. لم تعد الشعوب العربية تنخدع بالوعود الزائفة وكشفت قوى المعارضة إن البيان الأول للجيش والذى تلاه وزير الدفاع عوض بن عوف «جاء خاليا من أي مبادرة إيجابية تجاه قوى الحرية والتغيير، وخلا من أي إشارة لتشكيل الدولة فى الفترة الانتقالية وترتيبات المحاسبة والعدالة ورد الحقوق وذلك رغم تأكيدات المجلس العسكري السودانى بأنه لا يطمح للسلطة ولن يتدخل فى الحكم وأنه سيقود فترة انتقالية لا تتجاوز عامين وسيسلم زمام الأمور إلى حكومة مدنية، ورفضها «يستند على خبرة الشعب السوداني فى التعامل مع كل أساليب الخداع ومسرح الهزل والعبثية»، وإن «ما حدث لم يكن سوى تبديل أقنعة نفس النظام الذي خرج الشعب ثائرا عليه وساعيا لإسقاطه واقتلاعه من جذوره».. وأعلن الثوار فى بيان أن «الانقلاب الذي قادته حفنة من القيادات المتورطة فى المظالم والمكرسة للجبروت والطغيان يجعل البلاد عرضة لتكرار الملهاة التي شهدناها طيلة 30 عاما».وأضافت أن «الانقلابيين (لجنة النظام الأمنية) بطبيعتهم القديمة الجديدة ليسوا أهلاً لصُنع التغيير».، مطالبين بتسليم السلطة فورا لحكومة مدنية انتقالية كأحد الشروط الواجبة النفاذ. و للمرة الثانية تنتصر إرادة الشعب، و على الرغم من تنحى رئيس المجلس العسكري الانتقالى السابق عوض بن عوف من رئاسة المجلس وتعيين الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بدلا منه و إعفاء الفريق كمال عبد المعروف عن منصبه كنائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بعد أن أصر على ذلك «انتصارا لإرادة الجماهير».، مازال عشرات الآلاف من الأشقاء السودانيين يواصلون اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للجيش فى الخرطوم، وهكذا حقق الشعب السودانى بإرادته انتصارا غير مسبوق. فمالذى يريده الشعب السودانى بعد صبر طويل على رئيس البلاد السابق البشير ؟ إنهم ببساطة يريدون حكما مدنيا ديمقراطيا لا سيادة فيه إلا للشعب والتحفظ على كل رموز السلطة السابقة، التى كانت تحكم البلاد خاضعة للرئيس السابق ورغباته و أهوائه حتى «عرضهم على محاكمات عادلة. ونقل السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية «فورا» تشكلها «قوى إعلان الحرية والتغيير»، و»إلغاء القرارات التعسفية»، و قد دعا تجمع المهنيين السودانيين «للخروج للشوارع الآن، والتوجه إلى ساحات الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلّحة ومقار حامياتها ووحداتها المختلفة، والبقاء فى سوح الاعتصام طوال الليل وعدم مبارحتها، وإلى الإضراب الشامل حتى تحقيق هذه المطالب.