تقرير: اسما فاروق تحفة أثرية تجلت على أرض الفيروز”سيناء”، أرض البطولات الباسلة التي لطالما تغنت بها الكلمات وروى عنها الحكايات، تنطق لنا اليوم بلسان الأسلاف من القرون الماضية، تأخذنا إلى التاريخ القديم الذي مازال بمذاقه وبصمته التاريخية حيث يحمل لنا اليوم قصة أثرية من أرض السلام لمكان تجلت فيه عظمة التاريخ على مر العصور والأزمان، وتجسدت فيه روح التسامح والمحبة من دير “سانت كاترين”نأخذكم في جولة تاريخية: بدأت القصة في 330ميلادية حين أقامت الأمبراطورة هيلان زوجة الحاكم قسطنطين، كنيسة السيدة مريم العذراء في مكان العليقة المقدسة التي كانت نواة لديركامل فيما بعد وأقامت برجاً كملجأ للرهبان المتواجدون في هه البقعة وقتها، وقد جاء ذلك بعد توقيع قسطنطين الأمر المتعلق بعدم المساس بالديانات والسماح بحرية العقيدة للمسيحيين سنة 313 ميلادية، وقد قام جوستنيان فيما بعد ببناء كنيسة التجلي في نفس البقعة وقد عرفت في عصور متأخرة بإسم كنيسة كاترين وقد أخذ الدير نفس المسمى فيما بعد. كاترين هي إبنة كوستاس من عائله نبيلة بالاسكندرية في أيام حكم الأمبراطور الروماني مكسيمانوس 205:211 ميلادية وقد إعتنقت المسيحية، ومن أجل أن ينتزعها الأمبراطور من المسيحية أصدر أوامره إلى 50 حكيماً من حكماء عصره حتى يناقشوها و يجادلوها في سبيل دحض براهينها عن المسيحية، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل وجاءت النتائج عكسية لدرجة أن هؤلاء الحكام ما لبثوا أن انضموا إلى صفوف المسيحية وحذا كثيرون حذوهم، وكان من بينهم أقرب المقربين للأمبراطور من رجال البلاط فلجأ مكسيمانوس لتعذيبهم وأمر أن تصنع عجلات يبرز منها مسامير ورؤوس سكاكين مدببة لتوضع فيها، ولم يؤثر ذلك فى عقيدنها مما دفع أحد الجنود لقطع رأسها. - الإعلانات - كنائس الدير كنيسة العليقة وهي قائمة في مكان العليقة المقدسة التي ظهر الرب لموسى عندها، والأن ترى هناك عليقة أصلها داخل الكنيسة وأغصانها خارجة من طاقة في جدارها الشرقي، وفي قمه جبل المناجاه شرقي الدير نافذة طبيعية في صباح 23 مارس من كل سنة تدخلها الشمس لتنير العليقة، ولا يدخل هذه الكنيسة أحد إلا و يخلع نعليه خارج بابها تمثلا بنبى الله موسى عليه السلام عند اقترابه من العليقة، وفي الكنيسة منبر من خشب يجلس عليه مطران الدير وقد كتب على زراعي المنبر بأحرف من صدف إسم واقف المنبر و تاريخ وقفه له “وقف الفقير إبراهيم مسعد الحلبي لدير طور سيناء. كما يضم سور الديرالكنيسة الكبرى وتعرف بكنيسة “الإستحالة” مبنية بالحجر الجرانيتي المنحوت، في داخلها صفان من العمد الجرانيتية، و على يمين الداخل وشماله صفان من المقاعد الخشبية لجلوس الناس عليها في أثناء الصلاة، كما يوجد منبر من الرخام جميل الصنع يصعد إليه بسلم اهداى للكنيسة عام1787م يصعد إليه “شماس الكنيسة” لقراءة الإنجيل أو الواعظ من الرهبان، وأيضاً منبر لمطران الدير قد رسم عليه الدير وضواحيه الأب “كفارس الكريتى” من مصوري القرن الثامن عشر المشهورينمعرض الجماجم في وسط الحديقه مدفن الرهبان و معرض الجماجم، حيثُ كانوا يدفنون موتاهم في هذا المدفن ويتركون الجثث حتى تبلى ويأخذون عظامها ويجعلونها في معرض خاص قرب المدفن يسمى “كنيسة الموتى”، وترى في مدخل المعرض غرفة صغيرة فيها رفات الموتى و صورة القديس “نوفيروبوس” من نساك طور سيناء المشهورين وله لحية تكاد تلمس الأرض، و المعرض قبو متسع وقد رصت الجماجم بعضها فوق بعض كأنية الفخار في جهة واحدة منه، أما باقي العظام ففي الجهة الأخرى، و ترى بعض هياكل العظام متماسكة من الرأس إلى القدم وبينها هيكل غريب في الطول هذه هي عظام الرهبان، أما المطارنة فإن هياكل عظامهم قد جعل كل منها في صندوق خاص أو في عين في الحائط ومن ذلك رفات المطران “حنانيا” الذي سعى ليكون بطريرك للأستانة ولم يفلح و توفي عام 1668، ورفات المطران “أثناسيوس” المتوفي 1718 ميلادية وغيرهم، وترى عند باب هذه القاعة عن شمالك هيكل رجل مسن قد جلس على كرسي وألبسوه ثياب رثة وجعلوا في يديه سبحة حتى تخاله حياً حارساً للباب قيل أنه هيكل القديس “أسطفانوس” أول بواب للدير. سور الدير من أحجار الجرانيت المنحوت وهو متين جداً وفي أعلاه مزاغل ركب عليها مدافع صغيرة الحجم على أقدم طرز، عددها حالياً ستة مدافع تطلق في أيام الأعياد والمواسم، وقد هدمت الزلازل جزء من السور أواخر القرن الثامن عشر فانكشفت الكنيسة للجبل فأطلق بعض البدو رصاصة على راهب وهو يصلي فقتلته، و كانت مصر في هذه الفتره تحت الحكم الفرنسي بقيادة الجنرال كليبر وهو من أصل يوناني كأصل رهبان الدير فرفعوا إليه شكواهم فأرسل البنائين والأدوات اللازمة فأعادوه كما كان. الجامع الفاطمى لا شك أن جود الجامع يشهد على الترابط والتسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين، فهى البقعة الوحيدة في العالم التي تجتمع فيها مئذنة الجامع الفاطمي مع برج كنيسة التجلى داخل دير، هو جامع صغير بمنارة أقل إرتفاعاً من قبة الكنيسة، بناه الخليفة الفاطمي اللآمر بأحكام الله، وبناؤه بالطوب النئ و الحجر الجرانيتي، و في الجامع أثران تاريخيان نفيسان وهما “كرسي ومنبر” من الخشب أما الكرسي فعلى شكل هرم مقطوع نقش على جوانبه الأربعة سطران بالخط الكوفي، فيهما إسم بانى الجامع، أما منبر الجامع فقط حفر على جبهته ستة أسطر بالخط الكوفي فيها إسم واقف المنبر وتاريخ وقفه له. مخطوطات المكتبة تضم مجموعة نفيسة من الكتب الدينية و الأدبية و التاريخية من صدر النصرانية إلى هذا العهد، وهذه الكتب إما خطية أو مطبوعة باللغات “اليونانية، العربية، السريانية، العبرانية، الألمانية، الحبشية، القبطية، الفارسية، الروسية و اللاتينية” وأكثر كتبها باليونانية والعربية، وأهم هذه الكتب وأقدمها الإنجيل السرياني المعروف بإسم “المسست” وهي نسخه خطية غيرتامة من الإنجيل باللغة السريانية مكتوبة على رق غزال قيل هي أقدم نسخة معروفة للإنجيل بالسريانية، وهي محفوظة الأن في مكتبة الدير في صندوق جميل من الخشب الثمين له غطاء من زجاج. كتاب عهد الأمان تحتوي المكتبة أيضاً على كتاب العهد الذي كتبه لهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان الأصل محفوظ في الدير إلى أن فتح السلطان سليم مصر سنة 1517 فأخذ الأصل ومنحهم نسخة منه مع ترجمتها التركية، كما تضم بعض الفهارس أنشأها أهل الفضل غيرة على الدير والعلم، ومن أهم الكتب العربية نسخة من التوراه وتفاسير الكتب المقدسة والمزامير والإناجيل و قراءات من الإنجيل و أخبار القديسين و استشهاد القديسة كاترين. نفائس الدير تحتوي الكنيسة الكبرى للدير على الأيقونات القديمة، الثريات والقناديل النفيسة كسائر الكنائس الشرقية وأقدم الأيقونات فيها أيقونة” مريم العذراء والمسيح الطفل على يدها، أيقونة العذراء و سمعان وعلى يده المسيح بعد ولادته بثمانية أيام يزوره الهيكل، وأيقونة القديسة كاترينا”. وأجمل ما في الكنيسة هيكلها وأبدع ما في الهيكل حنيته المصورة وهي نصف قبة في صدر الهيكل قد رسم عليها صورة المسيح و صور الرسل والأنبياء و مؤسسى الكنيسة وكلها مصورة بالفسيفساء ببراعة عظيمة وإتقان بديع حتى تخال الرسوم قد صورت فوتوغرافية لا بحجارة الفسيفساء، حيث ترى في جوف الحنية صورة السيد المسيح، وإلى يمين المذبح عند بابه الجنوبي صندوق جميل من الرخام حفظت فيه يد القديسة كاترينا و جمجمتها واليد محلاه بالخواتم النفيسة من هدايا الزوار وتحت هذا الصندوق بلاطة مكتوب عليها بالعربيه ” جدد بلاط هذه الكنيسه المقدسة أثناسيوس رئيس أساقفة طور سيناء.