بداية، هل أقول لكم أيها القراء الأعزاء: لا عزاء فى عام 2018 الذى ودعناه منذ أيام؟ لا، لن أقول ذلك حتى لا نعيب زماننا و العيب فينا. و إنما سأقول لكم: دعونا نعمل على أن يكون عام 2019 أفضل من 2018. فما هى أهم أحداث عام 2018؟ قد يختلف المحللون فى الإجابة عن هذا السؤال، و هذا طبيعى. و طبقا للعرف السارى، يقوم الكثيرون باستعراض أهم أحداث العام السابق لعمل خط أساس لمجريات الأمور فى العام اللاحق. و من بين الأحداث الكثيرة التى شهدها عام 2018 سأختار حدثا واحدا باعتباره الأهم بامتياز. ففى تقديرى المتواضع أن أهم حدث فى السنة المنقضية هو صدور تقرير خطيرعن الهيئة الحكومية حول التغير المناخى (Intergovernmental Panel on Climate Change- IPCC). ففى الثامن من شهر أكتوير الماضى أطلقت الهيئة أحدث تقاريرها بعنوان "الإحترار العالمى ب 1.5 درجة مئوية". فما هى الهيئة الحكومية حول التغير المناخى؟ و ما دلالة تقريرها هذا؟ الهيئة المذكورة هى هيئة إستشارية شكلها برنامج الأممالمتحدة للبيئة و المنظمة العالمية للأرصاد من علماء و خبراء رفيعى المستوى فى مختلف المجالات المتصلة بالتغير المناخى. و الغرض من تكوينها هو مراجعة و تقييم الأدبيات و الدراسات المتاحة عن التغير المناخى و استخلاص الحقائق العلمية فى هذا المجال لتوضع أمام متخذى القرار. أما التقرير الصادرفى أكتوبر الماضى، فهو يدق جرس إنذار من خطر مُحْدِق بمستقبل البشرية إستنادا إلى الأدلة العلمية المدققة التى تؤكد إرتفاع حرارة كوكب الأرض بقدار 1.5 درجة مئوية ما بين سنتى 2030 و 2052 عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية. كما انه يبصر بالعواقب الناتجة عن ذلك- وما أكثرها و أخطرها. و إتصالا بهذا، حدد جهاز شئون البيئة عدة مخاطر أساسية تتعرض لها مصر من التغيرات المناخية، أهمها: ارتفاع منسوب سطح البحر بمقدار 100سنتيمتر حتى عام 2100، مما سيؤدى إلى دخول المياه المالحة على الجوفية وتلوثها غرق أجزاء من الدلتا، وتملح التربة و تدهور الإنتاج الزراعى، و التأثير سلباً على الثروة الحيوانية مما يؤدي الي زيادة معدلات الفقر. ارتفاع درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية يؤدى إلى تدهور السياحة البيئية و يساهم فى انتشار أمراض النواقل الحشرية مثل: الملاريا. زيادة وتيرة و حِدَّة الأحداث المناخية المتطرفة، مثل العواصف الترابية و الموجات الحارة و السيول. و سيؤثر تغير المناخ أيضا على نمط الأمطار فى حوض النيل ومعدلات البخر بالمجارى المائية. لكن المخيف و المخزى حقا أنه رغم الأدلة الدامغة التى جاءت فى تقرير الهيئة الدولية رفيعة المستوى، نجد الرئيس الأمريكى ترامب يتخذ موقف الإنكار من التغير المناخى، معتبرا إياه مجرد خيال علمى لا أكثر. بل إنه أعلن بالفعل إنسحاب بلاده من إتفاقية باريس لتغيرالمناخ الموقعة فى ديسمبر2015. هذا رغم أن بلاده التى يسكنها 5% من سكان العالم مسئولة بمفردها عن 22% من إنبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون، و هو أكثر الغازات مسئولية عن ظاهرة الإحتباس الحرارى، و بالتالى عن إحترار كوكب الأرض. نعم، أمريكا هى أكبر الملوثين لكوكبنا و مصر من أكثر المضارين. تمعنوا هذا الوضع أعزائى القراء. إنه يدل على اختلال الموازين و غياب الحوكمة فى النظام الدولى الراهن. و إزاء ذلك، فليس أمام الضعفاء فى عالمنا إلا الأخذ بكل أسباب القوة، لأن البديل لذلك هو استمرارهم كالأيتام على موائد اللئام. تهنئة كل عام وأنتم وأمتنا وعالمنا بخير بمناسبة 2019