أسعار الخضروات والفواكه بكفر الشيخ اليوم.. البصل ب15 جنيها    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    الجيش الإسرائيلي: دوي صفارات إنذار في منطقة شوميرا شمالي إسرائيل    الجهود المصرية والعربية لتحريك ملف المفاوضات ووقف الحرب على غزة تتواصل    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    الإمارات تعلن استقبال الدفعة ال 16 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    محمد صلاح يقود هجوم ليفربول في التشكيل المتوقع أمام وست هام    طريقة الرحيل لم تعجبني.. كيف كان الحوار الأول بين بيبو وعبد الحفيظ؟    خروج جميع مصابي حادث حريق جراء سوء الأحوال الجوية بالأقصر    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    الداخلية: سحب 1255 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    حقيقة وقف خطة تخفيف الأحمال منتصف مايو.. مصدر بالكهرباء يكشف    بيان عاجل من هيئة العلماء السعودية بشأن شروط الحج (تفاصيل)    المقاولون العرب تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ سكان أوغندا من الفيضانات    الأولى من نوعها.. تعرف على أهمية الزيارة المرتقبة للسيسي إلى تركيا    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    هتنام بسرعة| 4 آيات حل رباني لمن لا يستطيع النوم ليلاً.. داوم عليها    أستاذ اقتصاديات الصحة: مصر خالية من الحصبة وشلل الأطفال ببرامج تطعيمات مستمرة    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي    بعد قليل.. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    اليوم.. الجنايات تنظر محاكمة متهمي "خليه المرج"    اليوم .. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    دينا فؤاد: أنا مش تحت أمر المخرج.. ومش هقدر أعمل أكتر مما يخدم الدراما بدون فجاجة    انخفاض أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل    سعر اليورو مقابل الجنيه اليوم السبت 27-4-2024 بالبنوك    اليوم، الاجتماع الفني لمباراة الزمالك ودريمز الغاني    بورصة الذهب تنهي تعاملاتها الأسبوعية بخسائر تتجاوز 50 دولارًا | تقرير    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    دينا فؤاد: مسلسل "الإختيار" الأقرب إلى قلبي.. وتكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 27 أبريل 2024    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    أحمد عبد الوهابن يكشف الإصابات التي تعرض لها أثناء تصويره مسلسل «الحشاشين»    وليد عبدالعزيز يكتب: السيارات وتراجع الأسعار    رسالة شديدة اللهجة من خالد الغندو ل شيكابالا.. ماذا حدث فى غانا؟    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    دوري أبطال إفريقيا|عبد القادر: الأهلي تأهل للنهائي بجدارة.. وجاهزين ل الترجي التونسي    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفوز بالأغلبية لا يعني تقديسها
نشر في الأهالي يوم 07 - 03 - 2018

لا ديمقراطية دون ديمقراطيين. قول مشهور نحفظه عن ظهر قلب. من بين دلالاته أننا أثناء مطالبتنا بالديمقراطية يجب أن نضمن كوننا ديمقراطيين بالفعل. وعموما ليس الديمقراطي هو الشخص الذي يطالب بالديمقراطية طول الوقت، بل هو الشخص المتشبع بالثقافة الديمقراطية فى سلوكه اليومي وداخل مجمل المؤسسات، بدءا من مؤسسات التنشئة الاجتماعية وانتهاء بمؤسسات التأطير السياسي.
معضلتنا أننا نحاول الدخول إلى عصر الديمقراطية حاملين معنا فقه القدامة وقيم العصر الوسيط، نحاول الدخول إلى عصر الديمقراطية بنفس المنطق الذي يؤلب الجمهور على النساء والأقليات والمثقفين، ما يجعل من الديمقراطية لدى البعض أداة لتصفية الهامش الحداثي المتاح، لكن هل من حقنا أن ننتقد الخطاب القدامي إذا كان هو نفسه الخطاب الذي يصوت عليه الناخبون ويصادق عليه الجمهور؟ هذا هو السؤال.
مباشرة عقب صعود الإسلاميين إبان حكم الترويكا فى تونس ظهر من يحتج على أنصار الحداثة بالقول التالي: أنتم لم تفوزوا فى الانتخابات، الشعب يرفضكم، فخير لكم أن تصمتوا إلى الأبد، وأن تتركوا صناديق الاقتراع تقرر بنفسها، وتحدد الحق من الباطل. ما يعني أن المطلوب من الحداثيين هو الكف عن النقد بدعوى أن الأغلبية الساحقة قالت كلمتها النهائية، ولا صوت يعلو على صناديق الاقتراع. غير أن الكف عن النقد معناه التوقف عن التفكير. بهذا المعنى ثمة سوء فهم مذهل، كما لو أنّ الفوز بالأغلبية الانتخابية يشبه انعقاد البيعة بالإجماع؟ وبالتأكيد سمعنا ما يكفى من المصطلحات الهجينة: البيعة بالاقتراع، غزوة الصناديق، الشورقراطية، إلخ، خلط مذهل فى المفاهيم والمرجعيات على طريقة ماكدونالد حلال، والمايوه الشرعي، والبنك الإسلامي، إلخ. ورغم كل ذلك يبقى السؤال قائما، هل يجوز من وجهة نظر ديمقراطية أن ننتقد الرأي الفائز بالأغلبية؟
طبعا يجيز الكثيرون النصيحة والتي هي حق للفقهاء دون غيرهم، لكننا نتساءل هنا عن النقد وليس النصيحة، نتساءل عن الحق فى النقد، نتساءل عن حق المثقف التنويري فى ممارسة وظيفته النقدية، ليس فقط من حيث نقد الأيديولوجيات المهزومة حيث النقد يتطلب القليل من الشجاعة، وإنما أيضا وبالأولى من حيث نقد الأيديولوجيات المنتصرة أو التي قد تنتشي بالنصر دون أن تحسب أيّ حساب للكلفة الإنسانية. بل المعضلة عندنا أكبر من ذلك الحجم بكثير، المعضلة عندنا أن الأيديولوجية المهزومة بالمعنى الحضاري سرعان ما تحرز النصر الانتخابي، كما هو الحال فى الكثير من المجتمعات ذات الغالبية المسلمة طالما أن حجم الأوهام فيها كبير.
فى كل الأحوال يبقى الرهان على غرائز الجمهور لعبة خطرة قد تدمر الديمقراطية نفسها، وتفجرها من الداخل. لذلك أوجدت الديمقراطية المعاصرة كما لا يخفى عدة احتياطات دستورية ومؤسساتية للتخفيف من أخطار الهشاشة الأصلية للديمقراطية، من بينها مثلا: الانتخابات عبر دورتين، التفاوت الزمني بين الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، إشراف السلطة القضائية على العملية الانتخابية، دسترة حقوق الأقليات، دسترة حرية التعبير، ترسيخ دور المجتمع المدني كسلطة مضادة إلخ. هذا يعني أن مفهوم الديمقراطية نفسه قد تطور لأجل حماية المكتسبات الديمقراطية من التقلبات الديمقراطية. وهو التطور الذي تحقق بفعل إعمال العقل النقدي فى مفهوم الديمقراطية نفسها.
وفى كل الأحوال، لا شيء يعلو على سلطة النقد، كما لا يمكن بأيّ حال توظيف المشروعية الديمقراطية ضد حق الإنسان فى أن يفكر ويعبر. وإذا كانت الدساتير الديمقراطية تكتفى فى الغالب بالتصريح بحرية التعبير، فلأن التعبير الحر هو بالضرورة ثمرة التفكير الحر.
فى فرنسا خلال أواسط سنوات الثمانين من القرن الماضي، وعندما فتحت الدولة نقاشا شعبيا لأجل إلغاء عقوبة الإعدام، كان المزاج الشعبي العام يميل إلى الإبقاء على العقوبة. وقتها لو تم الاحتكام إلى آلية التصويت لما ألغت فرنسا عقوبة الإعدام، لكن شجاعة وزير العدل حينها دفعته إلى إصدار قرار إلغاء تلك العقوبة من القانون الجنائي الفرنسي، بمعزل عما يراه المزاج الشعبي. وفى آخر المطاف فإن المزاج الشعبي الذي لم يكن سيوافق على إلغاء عقوبة الإعدام فيما لو تمت استشارته، لم يعترض على القرار حين تم إقراره.
بالمناسبة، دعنا نقول: الإعدام جريمة، سواء نفذ باسم الدين أو كان ضحيته من يتكلمون باسم الدين. ولنتكلم بصراحة أكبر، فقد كان إلغاؤه فى مجتمعاتنا يتطلب انخراط الإسلاميين أنفسهم، لا سيما فى سياق ما كان يُعرف بالربيع العربي، وكان ذلك الانخراط سيمثل مكسبا للجميع وخطوة كبيرة للحد من أي استبداد محتمل سواء باسم الدين أو باسم أي شيء آخر، لكن لا أحد من الإسلاميين اكترث بالأمر فى ما يبدو. فأين المشكلة؟ المشكلة مرة أخرى هي الاحتكام لغرائز الجمهور دون أدنى حس نقدي، لكن ما الغاية فى الأخير؟ لا شيء غير الوصول إلى السلطة، كما لو أن السلطة ستفتح خزائن الأرض، وهذا وهم كبير، لكنه وهم قاتل فى بعض الأحيان.
فى الواقع كل الشعارات التي تدور حول الإسلام اليوم تصادر على المطلوب، سواء أكانت شعارات من موقع السلطة أو المعارضة أو المقاومة. والمطلوب إعادة طرح السؤال: أي إسلام نريد، إسلام ابن تيمية وابن حنبل، أو إسلام ابن عربي والسهروردي، أو إسلام ابن رشد والفارابي، أو هناك إسلام جديد لا يزال يبحث عن صياغته؟ وأما بعد، فهل يكفى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع حتى نجيب عن أسئلة الدين والهوية والوجود التاريخي؟
لا أحد من الشيوخ الذين عارضوا سياقة المرأة للسيارات فى السعودية استدل بنص ولو ضعيف على موقفه، لا دليل غير الاحتجاج برأي الجمهور، ومزاج الجمهور الذي علينا فقط أن نحترمه. ثم أين هي أصوات "المعتدلين"من هذه الغوغائيات المدمرة؟ مؤلم فعلا أن نرى أحد مفكري الثورة السورية، ياسين الحاج صالح، يتألم ويشتكي ليس فقط من جماعات تنظيم "الدولة الإسلامية" و"النصرة" والتي تختطف زوجته وأخاه وعددا من أصدقائه، وإنما يشتكي من الإخوان المسلمين أنفسهم الذين لم يكلفوا أنفسهم أي عناء فى استنكار جريمة اقترفها التكفيريون ضد أحد أبرز وأصدق أصوات الثورة السورية المجهضة. مرّة أخرى فنحن أمام نفس المنطق: حسم السلطة أولا والباقي لا يهم.
لست أشك فى أنه حتى باسم الدين ومن منظور الرؤية الدينية، كان يمكن خوض معارك حاسمة فى تحسين نوع الحياة، لكن المعضلة كل المعضلة كانت ولا تزال هي تركيز الحركات الدينية طول الوقت على كيفية الوصول إلى السلطة. غير أن إرادة السلطة غالبا ما تكون على حساب إرادة الحقيقة، بل على حساب إرادة الحياة نفسها، بل قد يكون الثمن هو تدمير كل شيء، من أجل لا شيء فى الحساب الأخير. وهذا درس آخر من الدروس المنسية. والحق يقال، حتى فى الغرب نفسه لم تتطور مفاهيم وقيم حقوق الإنسان إلا من خارج الرهان على السلطة، وخارج الرهان على أصوات الناخبين.
وأخيرا، لقد تبلور الجيل الأخير من حقوق الإنسان بفعل المجهود النقدي والممارسة النقدية لقوى التنوير داخل المجتمعات الحديثة. وهذا درس كبير، نحن أحوج ما نكون إليه، بكل تأكيد.
سعيد ناشيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.