أصبحت ورقة التمويل سيفا مسلطا على رقبة الجامعة العربية،أو كما يسميها البعض «بيت العرب» التي تتخذ من القاهرة مقرا لها،وهو الأمر الذي جعل هذا الكيان تابعا لبعض البلدان الممولة،وخاضعا لسياساتها..وتشغل بالي هذه الرؤية كلما جاء عام جديد أو اقترب موعد الحديث عن ميزانية هذا «البيت»،حيث أتذكر معها أخطر واقعة من وجهة نظري حدثت يوم الأربعاء الموافق 26أغسطس 2015 عندما قررت الجامعة العربية،تأجيل اجتماع مجلس وزراء الدفاع والخارجية العرب الذي كان مقررا عقده فى اليوم التالي « الخميس» لإقرار بروتوكول انشاء القوة العربية المشتركة إلى موعد لاحق وذلك بناء على طلب السعودية،ووقتها أوضحت الامانة العامة للجامعة العربية فى بيان انه « تقرر تأجيل الاجتماع » الذي كان مقررا الخميس الى « موعد يحدد لاحقا » بعد أن تلقت الجامعة العربية مذكرة من السعودية تطلب التأجيل وقد أيدت البحرين وقطر والكويت والامارات والعراق هذا الطلب.وفى نفس اليوم ملأت تلك البلدان ميزانية الجامعة بملايين من الدولارت،والتي يحصل منها «الأمين العام» على راتبه الذي يصل إلى 24 الف دولار شهريا. وربما مواقف الجامعة العربية خلال السنوات الست الماضية،من بعض القضايا،خاصة الملفات المرتبطة بالربيع العربي،والإرهاب الذي دمر بلدانا عربية كبيرة كسوريا والعراق وليبيا وغيرها،وكبد الاقتصاد العربي أكثر من 800 مليار دولار حسب كل التقارير العربية والدولية،ناهيك عن الملف الفلسطيني بكل ابعاده العربية والدولية،تكشف لنا حقيقة ما نقوله،فقد خضعت،بل واستسلمت «الجامعة» بكل قراراتها لمن سيدفع،وأعطت ظهرها عمليا ونظريا لبلدان طالما لعبت دورا كبيرا فى دعم ذلك «البيت»،وكل ذنبها أنها أفلست بسبب الأحداث الراهنة.. وفى الحقيقة فإن قيادات «الجامعة العربية» تعترف بالأزمة،ولا تجدا طريقا أخر لتدبير مواردها من مشاريع واستثمارات خاصة لسداد الرواتب الباهظة،وتنظيم بعض الأنشطة لزوم «الديكور». فالأمر بات معروفا أن الجامعة تعانى من نقص مستمر وخطير فى ميزانيتها السنوية البالغة 65مليون دولار، بعد أن وصل العجز فى ميزانية عام 2016 إلى نسبة 55%، ولم تسدد الدول الأعضاء سوى 23% من مساهماتها فى ميزانية عام 2017. ومن هذا المنطلق كان لا يمكنني الحديث اليوم وبالتفصيل عن ضعف الجامعة العربية،وقراراتها المعتقلة فى أدراج صناع القرار،وبياناتها العقيمة خاصة تجاه الملف الفلسطيني والأزمات الأخرى سياسيا واقتصاديا وأمنيا،وعدم قدرتها على الضغط لتنفيذ تلك التوصيات،لأن ما يهمني الآن هو وجود بيت عربي مستقل وقوى وهو ما كان الأمين العام أحمد أبو الغيط – بخبرته التي أحترمها – يتمناه ويسعى نحو تحقيقه،ولكن «الإيد قصيرة،والعين بصيرة» كما قال لي مسئول عربي كبير شاركت معه فى مؤتمر بالأمم المتحدة بجنيف مؤخرا.. لا سبيل إذن لاستقلال وتقوية جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1954، إلا بالتخلى عن وضع نفسها كسلعة فى «السوبر ماركت»،ومتاحة للبيع لمن يدفع،فالحل فى إعادة الهيكلة،والاستقلال المالي.وفى النهاية أتمنى أن اعيش لأرى اليوم الذي أقرأ فيه قرارات لا ينطبق عليها وصف نزار قباني، الشاعر السوري الكبير، فى قصيدته «السمفونية الجنوبية الخامسة» التي أطلقها عام 1996:» «إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب… فحربهم إشاعة وسيفهم خشب وعشقهم خيانة ووعدهم كذب…».