من اختمار الحلم يجى النهار.. من انكسار الروح فى دوح الوطن.. يجى احتضار الشوق فى سجن البدن.. من اختمار الحلم يجى النهار.. يعود غريب الدار ل أهل وسكن.. ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء.. وواخدنا ليه فى طريق ما منوش رجوع.. أقسى همومنا يفجر السخرية..وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع.. لعل هذه الكلمات للشاعر الكبير سيد حجاب أول مايخطر ببالك عندما تشاهد المسرحية المتميزة "سلم نفسك". "سلم نفسك" هو العرض المسرحى الذى يقدمه الآن المبدع خالد جلال، على خشبة مسرح مركز الإبداع الفنى بدار الأوبرا، ويخرج من خلاله الدفعة الثالثة من ستوديو مركز الإبداع.. ومن خلال مركز الإبداع إستطاع المبدع خالد جلال أن يحقق نقلة نوعية لها مذاق خاص فى الحياة الفنية، ذلك فى كل العروض التى يقدمها، بإطروحاته المتميزة والمثيرة للجدل، إلى جانب اكتشافاته المبهرة للمواهب الجديدة عبر ورشة الممثل التى تكونت منذ أكثر من عقد من الزمن، ومازالات تقدم لنا نجوما واعدة تملأ الساحة الفنية، ومن بينهم: محمد فراج وبيومى فؤاد وسامح حسين ونضال الشافعى وإيمان السيد ومحمد شاهين وعلى ربيع وغيرهم. اعتمد العرض على مجموعة من الاسكتشات والرؤى، وأفكار يطرحها المخرج، وساهم معه فريق العمل فى إرتجال تلك الأفكار، كل ذلك جاء نتاج ورشة الإرتجال والتمثيل، بمشاركة نحو سبعة وعشرين ممثلاً وممثلة، شاركوا جميعا فى صياغة الأغانى وتلحينها وتصميم الرقصات، وهؤلاء تم اختيارهم مِن بين مئات من هواة التمثيل، ومن ثم تمت صياغة العمل فى قالب مسرحى ممتع، وهو ما تميز به المخرج خالد جلال عبر مسيرته الفنية، كما فى عروضه السابقة : "أيامنا الحلوة"، و"هبوط إضطرارى"، ورائعته الشهيرة "قهوة سادة". قالب كوميدى العرض ملىء بالإسقاطات الاجتماعية والسياسية، ويبدأ باكتشاف كائن غريب يحمل قنبلة فيروسية مليئة بالأمراض الفتاكة التى يمكنها أن تأتى على المدينة بالكامل وتدمرها تماما، بالإضافة إلى أن ذلك المرض ينتقل فى الحال لكل من يلمسه، ولمواجهة هذا الكائن إجتمع العلماء وأولى الأمر من أجل أتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذا الخطر الداهم والعدو اللعين. الطريف فى الأمر، أن هذا الكائن يرمز إلى زمننا الراهن الذى نعيش فيه بكل موبقاته وتفسخة الأخلاقى. عبر تلك الفكرة الذكية ينفذ المايسترو خالد جلال إلى قلب الوطن ليسلط الضوء على أدق دقائق الحياة، وكل الأمراض التى عانى منها المجتمع المصرى مؤخرا، ليعرى التشوهات التى أصابت الروح والأخلاق المصرية، من خلال مجموعة من الإسكتشات البارعة، فى قالب كوميدى ساخر. الجفاف الإنسانى عبر تلك الاسكتشات سلط الضوء على مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى "الفيسبوك" إذ ساهمت تلك الوسائط فى تدمير التواصل العائلى، وأدت إلى الحد من العلاقات الإنسانية بين الأصدقاء، ومن ثم العزلة وخلخلة علاقات الشباب بأسرهم، بل والاكتفاء بالرسائل النصية بين البشر، ما أدى إلى الجفاف الإنسانى والعاطفى معا.. ومن ناحية أخرى وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التى يعانى من الوطن، فالكل سواء فقيرا أو معدما أو مطحونا يحمل هاتفه المحمول!!. ملحمة الألم إسكتش يسلط الضوء على المتغيرات التى طرأت على المجتمع، من تفكك الأسرة وغياب الترابط العائلى، ذلك من خلال جنازة الأم التى يتركها الأبناء للبحث عن الميراث، وحجم نصيبهم فى الوصية، التى هى أهم لديهم من أحزان الغياب، وآلام الفراق، ما يكشف عن الجحود الواضح للأبناء وتركهم للأم وحيدة طوال رحلة مرضها، وعند وفاتها لم يكتشف الوفاة سوى حارس العقار. فى أحد المشاهد الأكثر قسوة "ميدان الشهامة" وهو عنوان آخر لإسكتش يكشف عن موت النخوة وغياب الجدعنة، وشهامة إبن البلد التى طالما اتسم بها المواطن المصرى، وكانت من صفاته الأصيلة على مر الزمن، ذلك عندما قتل شاب إثر حادث سير فكان رد فعل المارة متبلدا يخلو من الإنسانية، بل سرقوا كافة متعلقاته، وباعوا جثمانه!!. وهكذا كشفت تلك الإسكتشات عن عورات المجتمع، وفضحت سلوكياته، وسلطت الضوء على ملحمة الألم والأوجاع التى يئن بها الشارع المصرى. وفى نهاية العرض منح الجمهور جرعة أمل بأنه حتما ستعود مصر مجددا كما كانت شامخة عبر الانتماء إلى الوطن. نقدًا ساخرًا إيمانًا بأن الضحك يلعب دوراً تصحيحياً للأخطاء الاجتماعية، برع المخرج خالد جلال فى إدانة كل أشكال القبح، وقدم نقدا ساخرا للمجتمع من أجل إعادة بنائه، محدثا صدمه للمشاهد لعله يستفيق، عبر تلك الوجبة الدسمة الممزوجة بالضحكات والقفشات والمرح الذى سيطر على العمل رغم مرار الواقع.. كما نجح جلال فى تقديم كوكبة متناغمة من الممثلين والممثلات والمطربين المتميزين من بينهم: سارة هريدى، محمد مجدى، سارة عادل، شريف عبد المنعم، محمد أمين، سارة مجدى، أحمد كيكا وغيرهم من البراعم الشابة، كما شارك فى العرض المطرب شريف عبدالمنعم بالتمثيل والغناء. تحية خاصة للمبدع المتألق دائما خالد جلال ودفعة الفرقة الثالثة التى تبشر بالأمل والمستقبل الواعد.