وإذا كان المصريون الأحرار الذين ظلوا علي الدوام يذكرون بشاعة الجرم في دنشواي وخيانة المصريين الذين حكموا علي شهداء دنشواي وعلي رأسهم فتحي زغلول فإنهم ظلوا يرفضون اصرار احمد لطفي السيد علي الدفاع عن فتحي زغلول قاضي دنشواي ويرفضون زعمه بأنه صديق عظيم وفي للحرية ومبادئها وخادميها. وكالعادة فإن التدقيق في مذكرات احمد لطفي يقتادنا إلي معلومات قد تبدو تفصيلية في زمانها فتتجاهلها الكتابات أو لا يتعرف عليها المؤرخون لكنها في كل الاحوال متممة لمعرفتنا بالتاريخ الحقيقي..ونقرأ في المذكرات تحت عنوان "موقفنا من الحرب سنة 1914" قصة "وتقول انه التقي رشدي باشا وعدلي يكن "واتفقنا علي السعي لتعترف انجلترا باستقلالنا ونكفل لها مصالحها إلي حد دخولنا الحرب معها إذا كان ذلك ضروريا. ويقول "التقيت مستشار الداخلية سير جراهام وقلت له إن مركزنا دقيق فنحن تابعون لتركيا وهي ستدخل الحرب مع ألمانيا وانتم تحتلون بلدنا ولست أري طريقا سوي أن نعلن استقلالنا وننصب الخديو ملكا علينا وتعترفون بذلك. فقال تركيا لن تدخل الحرب وعندنا ضمانات، فلما الححت عليه قال " نحن نعرفكم كما تعرفون انفسكم، فمع ظهور اول طربوش تركي في القنال ستتركوننا وتجرون خلفه" (ص99) ويحكي لطفي السيد تفاصيل عديدة تداخل فيها ايضا ستورس السكرتير الشرقي بدار المعتمد البريطاني ووعدهم خيرا ثم لم يفعل شيئا ثم يقول "كل ذلك في اغسطس 1914، وذهبت بعد أيام قلائل إلي عدلي باشا بديوان الخارجية فوجدته قد يئس تماما من تحقيق مطلبنا فخرجت من عنده وأنا مصمم علي اعتزال السياسة. ثم قدمت استقالتي من رئاسة "الجريدة" لرئيسها محمود باشا سليمان وسافرت بعدها إلي بلدي "برقين" وكان هذا آخر عهدي بالعمل الصحفي" (ص10) وبعدها ضغط علي ابي ان اقبل العمل بالحكومة حتي لا يقبض الانجليز علي فقبلت ذلك ارضاء لوالدي. وليأذن لي القارئ أن اتوقف به عند هذه الخطوة الفارقة في حياة احمد لطفي السيد.. تحمس.. اسس حزبا – اصدر جريدة.. ومع أول منحني يتراجع وكما يقول يكسر قلمه ثم يتوظف حتي لا يقبض عليه" . ثم يأتي لطفي السيد إلي احداث ثورة 1919 ويقول "نهضنا نطالب بالاستقلال. طلبنا الاستقلال التام لأن الحرية هي الغذاء الضروري لحياتنا.. وعقولنا وقلوبنا لا ترضي إلا بالحرية".. ثم يقول "أعجب من الذي يظن الحياة شيئا والحرية شيئا آخر ولا يريد أن يقتنع أنه لا حياة بلا حرية" (ص104) ثم يتحدث عمن اسماهم الاسماء الخمسة- سعد زغلول- عبد العزيز فهمي- علي شعراوي- محمد محمود- وأنا في التباحث حول كيفية الاستفادة من المبادئ التي أعلنها الرئيس ويلسون والتي تقول أن كل أمة مهما صغرت لها الحق في اختيار مصيرها. وفي نوفمبر 1918 بدأنا نؤلف الوفد المصري واستقلت من دار الكتب" (ص108( ثم يروي كيف تشكل الوفد المسافر للتفاوض. وكيف تراجع ويلسون وكيف وافق علي الحماية البريطانية. ثم الخلاف بين سعد وعدلي علي رئاسة الوفد وانتقل الامر إلي خصومه شخصية فإعتزلت السياسة، ورجعت رئيسا لدار الكتب" (ص109) ونعود لنتحدث عن هذا الرجل الذي يتقد حماسا ثم لا يلبث أن ينطفئ حماسه مع أول عقبة.. وأول صعوبة.. ويبدو أنها سمة من سمات معارك الاعيان.. ونواصل.