استضاف خالد الرشد في برنامج رحلة في الذاكرة على محطة روسيا اليوم البروفسير فالنتين كاتاسونوف المسئول الروسي السابق عن تنفيذ المشروعات الروسية مع البنك الدولي الذي خبر أسلوب و شروط التعامل معه و مع صندوق النقد الدولي أيام الرئيس الروسي يلستين بعد انهيار الاتحاد السوقيتي عام 1991 . نكتشف من حديثه أن ما جرى هناك يتكرر معنا . يقول الخبير الروسي كاتاسونوف إن صندوق النقد الدولي الذي أنشيء عام 1944 و ذلك لتقديم القروض للدول الرأسمالية التي تهتز عملتها و تتعرض للمخاطر . لكن عندما أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون فك ارتباط الدولار بقاعدة الذهب عام 1974 انتهى بذلك دور الصندوق .. لكنه استمر لربط الدول المقترضة منه بالسياسات الرأسمالية و استخدام الشركات الغربية و الأمريكية خاصة في تنفيذ مشروعاتها عندها . و هذا ما حدث في روسيا .. فجأة أيام الرئيس يلستين قرر البنك المركزي الروسي الالتزام بسلسلة من القرارات منها تحرير سعر الصرف للعملة الروسية فانخفضت قيمتها من 30 روبل للدولار إلى 60 للدولار في سوق العملات . بما أن قوة العملة تقاس بمدى قدرتها الشرائية من سلع و خدمات و بذلك قد قلت قيمة الروبل إلى النصف . صارت المؤسسات المالية تعمل على نحو مخالف أيام الاتحاد السوفيتي فأصبح بنك روسيا الاتحادي -المركزي – يعمل كأنه فرع من البنك الفيدرالي الأمريكي ، و صار طبع العملة الوطنية الروبل لابد أن يوفر احتياطيا نقديا يقابلها من الدولارات . لذلك اشترى بكثافة بنك روسيا الاتحادية الدولار . و أصبح الروبل الروسي بذلك هو نفسه الدولار الأمريكي الأخضر و إن أتخذ لونا آخر . كما تم تسهيل حصول روسيا على سلسلة من القروض و التي تستخدم في الضغط السياسي عليها كما حدث مع مصر عام 91 – كما ذكر كاتاسونوف – و تم إسقاط 20مليار دولار دفعة واحدة من ديونها لمشاركتها في حرب الخليج عام 91 ضد العراق . كما تم تهيئة الوضع القانوني لبنك روسيا الاتحادية – المركزي – ليكون مستقلا عن السلطة التنفيذية بحيث يكون غير مسئول عن التزامات الدولة ، والدولة غير مسئولة عن التزامات البنك المركزي . وأنت تسمع ما حاكاه كاتاسونوف عن روسيا تكاد لا تعرف هو يتحدث عن روسيا أم مصر ؟ . لا عجب فصندوق النقد الدولي واحد في الحالتين . الدستور المصري أعطى البنك المركزي مكانة مميزة بضمه ضمن الهيئات المستقلة و الرقابية مثله في ذلك مثل الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية التي أعطى لها الاستقلال الفني و الإداري و المالي عن الدولة ، و لا يعفى رئيسها إلا في حالات ينظمها القانون . لا أعرف كيف يتساوى مع تلك الأجهزة الرقابية .. صحيح له دور رقابي بمراقبة الأداء المصرفي للبنوك .. لكن له دور أهم – كما جاء في الدستور – العمل على سلامة النظام النقدي والمصرفي واستقرار الأسعار في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة .. فكيف يستقل بقراره النقدي ؟ . لذلك عندما يتخذ البنك المركزي من إجراءات ينظر لها فقط من منظور اقتصادي بعيدًا عن الآثار السياسية والاجتماعية . مثلا رفع البنك سعر الفائدة بمعدل 2% له مردود سلبي على ميزانية الدولة لأنها يكلفها ما بين20- 30 مليار جنيه عن كل واحد في المائة زيادة في الفائدة . بذلك يضيع على الدولة أثر تقليص بند دعم المحروقات والكهرباء برفع سعر فائدة أذون وسندات الخزانة التي تحصل عليها . هكذا نظل في دوامة مستمرة فالدولة تحاول أن تقلل عجز الموازنة العامة بتقليل الدعم الموجه للمحروقات و الكهرباء فيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار وزيادة نسب التضخم فيتدخل البنك المركزي برفع سعر فائدة الودائع لجذب الأموال نحو المصارف ، ويزداد بذلك عوائد القروض التي تأخذها الحكومة فيضيع الأثر الناتج عن تقليل الإنفاق على دعم الكهرباء و المحروقات . يذكرنا ذلك بالأثر الناتج عن تعويم الجنيه المصري أمام الدولار ، والذي كان أحد أهدافه تقليل حجم الاستيراد و زيادة التصدير لكنه من ناحية أخرى زاد على عاتق الدولة فاتورة دعم الكهرباء والمحروقات ومستلزمات الإنتاج وغيرها التي يتم استيرادها بالدولار من 206 مليارات في ميزانية 16 – 17 إلى 332 مليار جنيه في موازنة 17 – 18 . بالرجوع إلى موازنة الدولة تتبين أيضا أن فوائد القروض زادت من 292 مليارا عام 16-17 إلى 380 مليارًا 17-18 و زادت الأجور و المرتبات بنحو 10 مليارات عن موازنة 16-17 لتعوض تلك الزيادة في الأسعار . بذلك زاد العجز الكلي للموازنة من 319 مليار جنيه 16 – 17 إلى 370 مليار 17-18 . لتتجاوز الدولة هذا العجز تضطر للاقتراض فزاد من 575 مليار جنيه للعام المالي 16- 17 إلى 635 مليار جنيه لموازنة 17 -18 . انعكس ذلك على ما تنفقه الدولة على الاستثمار بالسالب فقل بنحو 11مليارًا من 146 مليارًا 16-17 إلى 135 مليارًا 17-18 .. مع أن المرجو من تقليل الإنفاق على الدعم أن تتوفر أموال للاستثمار . كذلك سياسة البنك المركزي برفع الرصيد النقدي من الدولارات إلى ما يتجاوز 30 مليارًا عن طريق طرح سندات دولارية بعائد عالي لا يقل عن 6.12 للسندات ذات الأجل خمس سنوات و 7.5 لسندات العشر سنوات بهدف أن يطمئن المستثمر أنه بإمكانه أن يسترد أرباحه بسهولة دون إبطاء فيتشجع على الاستثمار . لكن ألا تشكل تلك السندات الدولارية عبئا إضافيا على الدولة عند سدادها خاصة إذا لم يأت الاستثمار المرجو ، و لم تتحرك مصادر التمويل الأخرى كالسياحة . هل تظل مصر بذلك في دوامة القروض و سداد الديون و لا يمكنها بذلك القفز للأمام الهدف المرجو من كل سياسات الإصلاح الاقتصادي ؟ . في النهاية لنا أن نتساءل هل تلك السياسات التي ينتهجها البنك المركزي تؤدي إلى تقليل من الارتباط بالاقتصاد العالمي أم تزيده ؟ . هل ما حدث للروبل باعتباره هو الدولار و إن اتخذ لونا آخر يحدث مع الجنيه المصري بعد قرار التعويم ، و زيادة الاحتياط النقدي بالسندات الدولارية عالية الفائدة .