يغضب على من أمه، ويتخانق معها من أجل « ندى « التي يحبها وترفض الأم هذه العلاقة.. يقرر على أن يهجر بيت أمه، ويبحث عن « ندى « ليأخذها معه لنكتشف نحن أن « ندى « ليست فتاة.. وإنما معزة صغيرة بيضاء جميلة وأن عليا يحبها ولا يسمح لأحد بالسخرية منها أو من حبه وتمسكه بها.. وتنساب الأحداث فى فيلم « على معزة وابراهيم « أول الأفلام الروائية الطويلة لمخرجه الشاب شريف البنداري بعد عدة أفلام قصيرة كان أولها هو « صباح الفل « الذي طرح علينا موقفا واقعيا مئة بالمائة لأم لطفل وليد « هند صبري « فى لحظات ما قبل ذهابها لعملها وكيف تفعل كل شئ ممكن لاعداد نفسها ووليدها ليوم جديد، طويل، وتحضير رضعاته وملابسه لكي تسلمه إلى أمها البعيدة قبل التوجه لعملها كان « صباح الفل « أنشودة عن متاعب ومعاناة المرأة، ربما المصرية تحديداً فى إطار حمل المسئولية الزائدة، وبعده قدم البنداري فيلمه الثاني، التسجيلي، عن وسط البلد فى القاهرة، وهل هو مجرد شوارع ومحلات أم مواقع وأفكار وحيوات يمتلئ بها عبر معالمه وبناياته وشققه، وبعده قدم « حار جاف صيفا « الذي لم أره للأسف وأن تتبعت الإعجاب به وحصده لعدد كبير من الجوائز فى مهرجانات دولية.. غير أن الأفلام القصيرة ليست بالضرورة عنوانا لما قد يأتي بعدها من أفلام طويلة لأن الأخيرة قد تجبر صانعها على تغيير وجهة نظره فى نوعية الفيلم وأسلوب طرحه لقضيته، والتعامل مع جمهور آخر غير جمهور الفيلم القصير، وأيضاً مراعاة أختلاف بين أفلام تجارية بالدرجة الأولى، وأخرى فنية أساساً، فى « على معزة وإبراهيم « يختار مخرجنا الاختلاف بداية من العنوان نفسه ثم قصة الفيلم التي كتبها المخرج ابراهيم البطوط أحد أهم مخرجي السينما المختلفة فى مصر، والسيناريو والحوار لأحمد عامر، وهو أيضاً اسم جديد، ولتتحول حكاية « على « الذي ترك أمه « سلوى محمد على « غاضباً وأخذ معزته وخرج من البيت باحثا عن مأوى آخر إلى قضية تطارده، أي البطل على طوال الفيلم هو وابراهيم « أحمد مجدي « الذي التقى فى بداية رحلته مع ندى، والذي يعمل موسيقيا لكنه يعاني من سماع أصوات حادة فى أذنيه تتحول إلى طنين يملأ رأسه ويستنزف قواه خاصة كلما تذكر موت أمه وهروب أبيه، وأيام جده، وتبدو الأحداث فى الفيلم كأنها مجال حقيقي بين الحقيقي والوهمي، وبين الزيف والبراءة، لتضع « على « و» إبراهيم « ونحن معها فى اختيارات متتالية، أولها حين تتوقف السيارة التي يستقلانها عند كمين شرطة، ويشك الضابط « آسر ياسين « فى دبدوب يحمله على فى عيد الحب ويبدو واضحا أن الضابط يشك فيه وفى أن أمثاله يعرفون عيد الحب وهداياه، فيسأله عن « الحشو « معتقدا أنه يخفى بداخله ممنوعات ومهما أقسم له الشاب لايصدق وينهال على الدبدوب بآلة حادة لتدميره بهمة بالغة فتفلت منه عربة تاكسي بها امرأة مختطقة تصرخ طالبة النجدة ! هكذا يكتشف الضابط أن الدبدوب خال من الممنوعات فيعطيه ممزقا لصاحبه الذي يأخذه باكيا بينما تحاول ضحية « الكمين : الصراخ من هجوم الذئاب، وتفلح فى الإفلات من مختطفيها « ناهد السباعي « وليكشف لنا الفيلم تدريجياً عن مفارقات الحياة والبشر فى قاهرة اليوم، وفى ظهور عم عبده الدجال « صبري فواز « الذي يقدم روشتته لعلاج على من الامه وإبراهيم من أصواته بالقاء الأحجار فى البحرين الأبيض والأحمر والنيل، وهكذا يذهب الصديقان فى رحلة إلى البحر الأحمر، وتصبح « ندى « سببا فى إنقاذهما فى إطار فيلم تختلط فيه مفردات الواقع بالفانتازيا وتنساب فيه روح التسامح بدلا من السخرية المفترضة من شاب يحب معزته كل هذا الحب، بالطبع تتوارد على بطلي الفيلم شخصيات أخرى تنتمي لنفس المجتمع والطبقة وتبدو كثيرا من المشاهد معبرة عن عشوائية المجتمعات التي يعيش فيها هؤلاء الباحثون عن حياة آمنة وحلول لمعاناتهم، غير أن المخرج لا يترك المشاهد الرافض لحكاية « ندى « بلا تفسير، وإنما نعرف القصة قبل نهاية الفيلم، وأن « ندى « الحقيقية هي خطيبة على التي أحبها وقبل أن يتزوجا ماتت فى حادثة مروعة على أحد كبارى العاصمة، كان هذا التفسير المتأخر غير ضروري بالنسبة لي، وحين سألت المخرج عن سببه قال إنه فكر فى الجمهور الذي لن يهضم حكاية « المعزة « التي وضع فيها على مشاعره تجاه حبيبته الراحلة، والمعنى من هذا أن مخرجنا حين قدم فيلمه الروائي الطويل الأول فكر فى جمهور عريض مختلف، يذهب إلى دار السينما وربما لا يقبل الاختلاف عما ألفه.. ولكن، هل سألنا أنفسنا لماذا يعتبر بعض الناس قططهم وكلابهم أعز الكائنات لديهم ؟ أستطاع المصور عمرو فاروق تقديم روح العمل ببراعة سواء بالنسبة للمكان أو الشخصيات، كذلك كان المونتاج لعماد ماهر جيدا باستثناء طول مدة « تقطيع « الدبدوب وقد أحسن البنداري إدارة ممثليه، فإلى جانب فوز على صبحي ممثل دور « على « لجائزة أفضل ممثل عن أدائه هنا من مهرجان دبي، فإن أحمد مجدي قدم دوراً من أفضل أدواره وكذلك القديرة سلوى محمد علي، فى مشاهدها القليلة جدا.. أخيراً، فإن لمسات الموسيقى والأغنيات لأحمد الصاوي كانت جزءا من الاتساق الذي جاء عليه الفيلم الذي يدخلنا فى جانب جديد من قاهرتنا المليئة بمشاهد الناس فى القمة.. والقاع.. والأخير تحديدا هو الأكثر امتداداً وتوغلا، وربما تقوم هذه النوعية من الأفلام بدور مهم هنا حين تدخلنا إلى مجتمعات وعوالم تعيش بيننا ونعيش بينها ولا نعرفها، وهو ما عبر عنه أحد مشاهدي الفيلم فى مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوربية.. « على معزة وإبراهيم « فيلم مختلف يستحق أن نراه بعيدا عن حصار أفكارنا التقليدية، وأن نتأمل أسلوب صانعه والعاملين معه والذي ينتهي إلى سينما قد تسود فى المستقبل.