تحقيق : خالد عبدالراضى من واشنطن، حيث كان الدعم والمباركة الأمريكية لتولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم فى مصر، خلفًا لحسني مبارك، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، أطلق عدد من القيادات الإخوانية والشخصيات السياسية الموالية للتنظيم، مبادرة عرفت باسم "مبادرة واشنطن"، لتشكيل ما يسمونه تحالفا ثوريا لمواجهة النظام فى مصر. لكنها وقبل أن تولد سرعان ما تنصل منها العديد من القوى الاخري المتحالفة معها التى طرح أسمها كشريك فيها، مثل حركة شباب 6 إبريل، وحتى بعض الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي، والداعمة لجماعة الإخوان المسلمين. من العاصمة الأمريكية تحاول الجماعة الإرهابية، أن تلقي حجرًا ليحرك المياه فى مصر لصالح التنظيم، وذلك بعد أن فشلت كل محاولاتها البائسة، وعملياتها النوعية، فى فرض إرادتها على المصريين، وإستعادة مرسى إلى الحكم من جديد، كاشفة بمبادرتها عن وجهين فى آن واحد أحدهما "أمريكى داعم للإرهاب الإخواني فى مصر وسوريا ومختلف الدول العربية"، وآخر "إخواني لايخجل من الارتماء فى أحضان عدو تاريخي للمنطقة العربية وشعوبها" بزعم عودة ما يسمونه الشرعية. ونصت توصيات المبادرة، على أن ثورة 25 يناير هي الثورة الحقيقية، وأن التعدد والتنوع يعني التعبير عن توجهات مختلفة وآراء متنوعة، والسيادة والسلطة والشرعية من الشعب وللشعب وحده، ويحكم العلاقة بين قواه المختلفة دستور مدني والمساواة التامة بين كل المواطنين، وصياغة دستور مدني ينص صراحة على عدم تدخل الدولة فى المؤسسات الدينية أو العكس، كما نصت المبادرة على أن الدولة لا هوية ولا مرجعية لها إلا مدنيتها، ولا مؤسسات دينية تابعة لها، بحيث لا يتدخل الدين فى الدولة ولا تتدخل الدولة فى الدين، إضافة الى وضع إستراتيجية العدالة الانتقالية الشاملة لكل الشهداء والمصابين والمتضررين بما يمكنهم من نيل حقوقهم وجبر ضررهم، ومحاكمة كل من تورط فى الدم قبل أحداث الثورة وما بعدها. بين "بالونة الاختبار" لقوى المعارضة المصرية، و"محاولة العودة الى المشهد"، كانت توصيفات بعض السياسيين والباحثين فى شئون الحركات الإسلامية للمبادرة الإخوانية، كما وصفها البعض بأنها مبادرة العار والارتماء فى أحضان العدو الأول لمصر، وآخرون يرونها صنيعة المخابرات الأمريكية للضغط على مصر. أمريكا ودعم الإرهاب الدكتور رفعت السعيد المفكر السياسي وأمين عام المجلس الاستشاري لحزب التجمع، يقول إنه يكفى جماعة الإخوان الإرهابية عارًا تسمية مبادرتهم ب "مبادرة واشنطن" موضحًا أنهم لم يضعوا أنفسهم فقط تحت مظلة جماعة الإخوان الإرهابية، بل تحت مظلة العدو الأول لمصر والعرب أيضًا وهم الامريكيون، مضيفًا "لا يمكن أن تكون هذه الجماعة إلا خصمًا لمصر وشعبها". وأوضح السعيد، أن هذة المبادرة التى تهدف الى عودة جماعة الاخوان الارهابية للمشهد، لا تكشف ارتماء الموقعين عليها فى أحضان الجماعة الإرهابية وأمريكا فقط، وانما تكشف أيضا الدور الأمريكي فى احتضانه لجماعة الإخوان الإرهابية، مضيفًا، أنه عندما يتحدث الأمريكان عن مواجهة الارهاب فى المنطقة يتبدى الأمر فاضحًا لهذه الأقاويل، موضحًا أن الجماعة الارهابية تواصل الارهاب بشكل عنيف وشديد العنف وهذا ما يؤكد ان امريكا تناور بالحديث عن مواجهة الارهاب وهي تستخدمه عبر هذه الجماعات. كما أكد "السعيد"، أن الامريكيين يعرفون جيدًا حجم هؤلاء، ويعلمون أنهم لا يستطيعون تحريك أى شىء، كما يمكن شراؤهم وهم فى أمريكا أو غيرها، مضيفًا أن واشنطن ومن ناحية آخرى تريد ترويع النظام المصري لإخضاعة للإدارة الامريكية، وخصوصًا بعد أن تبدى تململ النظام المصري من الضغوط الأمريكية عليه، ولجوئه الى تنويع مصادر اسلحته، وإقامة علاقات مع روسيا والصين والعديد من البلدان، مرجحا أن الرسالة هدفها ترويع النظام وليس تحريك الجماهير. وأختتم "السعيد"، أن الموقعين على هذه المبادرة يضعون انفسهم فى مواجهة مصلحة الوطن والشعب، قائلاً: "لا أعتقد أن أحدا من المصريين سيستجيب لهذة الدعوة الا من اعتادوا أن يكونوا مطية للإخوان المسلمين". بالون اختبار واعتبر الدكتور عمار على حسن، الباحث فى علم الاجتماع السياسي، أن المبادرة لا تختلف عن سابقيها، وانها تمت بالترتيب مع جماعة الاخوان، كبالون اختبار جديد للقوى الوطنية، مضيفًا أن الإخوان تنصلوا منها ومن مطلقيها بعد انعدام التفاعل معها، مرجحًا أن تكون الترتيبات لهذه المبادرة تمت بين الجناح الإخواني فى تركيا وقطر دون إطلاع بقية القيادات عليها، ومن ثم ظهرت حالة التذبذب فى صفوف الإخوان حيالها. ويرى "حسن"، أن المبادرة تنطلق من اعتبار الإخوان أن كل تراجع فى شعبية السلطة الحالية يصب فى مصلحتهم، أو يعد حنينًا اليهم ورغبة فى عودتهم الى الحكم، وهو ما وصفه بأوهام العودة الإخوانية، موضحًا أن كل جزء تنزفه السلطة الحالية من شعبيتها يكون فى الفراغ بحثا عن بديل مدني جديد. وأضاف د. عمار، أن الجديد فى المبادرة الإخوانية هو الاستعداد لفكرة فصل الدين عن الدولة، لكنه فى الوقت نفسه لا يجب أن يؤخذ على محمل الجد، لأن التنظيم لن يقبل على خطوة مثل هذة لاعتبارها ضد جوهر مشروعة وأهداف الجماعة. ومن ناحية آخرى أكد "حسن"، أن النظام يتصل بقيادات الإخوان فى السجون، وأن هناك مفاوضات سرية تجرى حاليًا بين الطرفين، مضيفًا أن الخلاف الوحيد بينهم حول قبول السلطة عودة الجماعة والحزب أم عودة حزب الحرية والعدالة فقط. محاولة للعودة كما يرى أحمد بان، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، أن جماعة الإخوان حاولت خلال الثلاث سنوات الماضية تحريك المشهد فى اتجاه طموحاتها فى استعادة مسارات تعيدها الى الحكم من جديد، أو حتى العودة الى وضعها كرقم صعب فى المعادلة المصرية، عبر أكثر من وسيلة ومنها التظاهر السلمي، ثم اللجوء الى مرحلة العنف الشامل عبر مايسمى بالعمليات النوعية. وأوضح "بان" أن انكسار تلك الموجات المتتابعة وفشلها فى تحريك المشهد لصالح الجماعة جعلها لم تجد طريقًا إلا عبر المبادرات السياسية بالتعاون مع بعض حلفائها من الشخصيات الهامشية القريبة منها، لكي تصدر مشهدًا يحاول الايحاء بأن هناك قوى معارضه يمكنها الحشد أو عقد مؤتمرات كبيرة أو الإعداد لحوار وطني واسع يطرح بدائل للوضع السياسي فى مصر، مؤكدا أنها فى النهاية ستلحق بغيرها من المبادرات التى تعددت وفشلت فى النهاية. أكاذيب إخوانية وأضاف "بان"، أن جماعة الإخوان الإرهابية، تحاول عبر وثيقتها جس نبض القوى الوطنية من خلال حديثهم عن الدولة المدنية ولإزالة المخاوف لدى الناس من مساعي الإخوان لفرض هيمنتهم، مؤكدًا أن الجماعة لا تعمل إلا لصالح أجندتها وليس لها أجندة وطنية أو تعرف معنى العمل الوطني مع غيرها، موضحًا أنها تحتقر كل القوى الوطنية وتعتبرها تابع وهذا ما لا تقبله أى قوى سياسية تحترم نفسها. المخابرات الأمريكية فيما أشار الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق فى تنظيم الجهاد المنحل، إلى أن المحرك الأساسي لجماعة الإخوان الآن، هي المخابرات الأمريكية، موضحًا أنها تهدف من خلالهم زعزعة استقرار مصر، للحصول منها على أكبر قدر من التنازلات، مؤكدًا أنه على الرغم من حرص الأجهزة الاستخباراتية على عناصرها إلا أنها ستتخلى عن إخوان مصر عاجلا أم آجلا مثلما تخلت عن إخوان سوريا. انقسام إخواني كما علق القيادي الإخواني عمرو دراج، على حسابه الشخصي بموقع فيس بوك، على المبادرة قائلاً: "يقوم البعض بالبهتان علينا بأجندة مخابراتية واضحة، بدعم ما يسمى ببيان واشنطن، الذي لا نعلم عنه شيئًا. على ما ذكرته الأخبار أن يوضح الحقيقة"، رافضًا ما أقره عبد الموجود الدرديري، وعدد من قيادات التنظيم الدولي الذين وقعوا على المبادرة. كما رفض طارق الزمر، قيادي الجماعة الإسلامية الهارب، ما جاء بالمبادرة، حيث كتب على تويتر: "هوية مصر ليست ملكًا لأحد حتى يتنازل عنها وليست منحة من أحد حتى يسحبها.. لكن ثوابت الوطن لا تتغير وإن تغيرت كل معالمه وتغير كل شيء فيه". 6 إبريل تتبرأ كما تبرأت حركة شباب 6 إبريل، من المبادرة، وأعلنت رفضها لأي بيانات صادرة فى الخارج، مضيفة أن حضور أي اجتماعات تنسيقية مع تيارات أخرى يتم عن طريق أعضاء المكتب السياسي فقط، و هو ما لم يحدث فيما سمي باجتماع القوى الثورية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.