عاجل للأهمية بقلم نبيل زكي حسابات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الخاطئة والكارثية تهدد الأن ليس فقط بتفكيك المملكة المتحدة بل بانقسام حزب المحافظين الحكام ايضا إلي حزبين، بل إن الرجل لم يستطع ضمان وحدة حكومته، ذلك أن خمسة وزراء فى حكومة حزب المحافظين مع خروج من الاتحاد الأوروبي، كمان أن 42 % فقط من أعضاء هذا الحزب كانوا يفضلون البقاء مع أوربا. وحتى حزب العمال البريطاني المعارض .. يعاني من نفس الخلافات، ذلك أن نسبة من كانوا يريدون البقاء فى الأتحاد الأوروبي لا تتجاوز 63 %. وعلى مستوي الناخبين البريطانيين بوجه عام فإن من أرادوا الخروج من الاتحاد الاوربي يمكن تصنيفهم على النحو التالي 54% ضد الهجرة الى بريطانيا و43 % ضد الرأسمالية، و39 % ضد التعددية الثقافية، و36 ضد العولمة، و35% ضد الليبرالية الأجتماعية، و22% ضد الحركة النسائية، و26 % ضد انصار البيئة. الأن تناهر كل الجهود لتوحدي القارة الاوربية اقتصاديا وسياسيا على أساس الرأسمالية. ومالم يتم حسم الصراع لصالح الطبقات الشعبية، فإن بلقنة اوربا هى النتيجة المرتقبة. ومعلوم أن الأزمة التى تواجه الرأسمالية تدفعها الى شن هجمات اكثر وحشية على الأجور والأوضاع الاجتماعية والتحرك صوب اشكال سلطوية للحكم. وتتزايد المعارضة للسياسات الرأسمالية الأوربية سواء فى اليونان أو فرنسا أو بلجيكا مما يخلق ظروفا موضوعية لنضال اجتماعي وسياسي على نطارق القارة ضد الرأسمالية فى مواجهة تحريض قيادات الاتحاد الاوروبي على الخصخصة وتهديد المكتسبات الاجتماعية. وثمة عنصر أساسي فى أزمة خروج بريطانيا من أوربا هو أن الناخبين البريطانيين – والاوروبيين ايضا قد اقتنعوا بأن الاتحاد الأوروبي ليس سوي مؤسسة تناهض مصالحهم، وتتولي ممارسة القمع الأجتماعي ضدهم تحت ستار "تحرير السياسات الأقتصادية" .. غير أن هذا التحرير يتم لصالح مجموعة ضيقة من البنوك. والملاحظ أن عنصر الأحتجاج الأجتماعي يكمن فى نتائج الأستفتاء، فقد أمتزج السخط على حكومة المحافظين وعلى حزب العمال مع العداء للأتحاد الأوروبي، وخاصة بين الذين تقل دخولهم عن 15 الف جنيه فى السنة، فقد تعلم البريطانيون من تجاربهم أن بيروقراطية بروكسل – مقر الاتحاد الأوروبي –تتدخل للوقوف ضد السياسات الاجتماعية التى تحقق قدرا من العدالة النسبية بينما تعمل على تأمين خلق أجواء استثمارية مجزية لأصحاب رؤوس الأموال العملاقة، وتقوم بتوزيع الفوائض المالية بطريقة سيئة، ولا يعرف الأتحاد الاوربي معنى التحركات الشعبية التى تطرح مطالب اجتماعية بل لا يعرف – اصلا – معنى العدالة الاجتماعية ، فهو مجرد أداة للرأسمالية وتمزقة المنافسات والتناقضات فى المصالح بين اعضائه. الأكثر من ذلك أن قادة الأتحاد ينتمون إلى الدول المسماة ب"الفردوس الضريبى" أو "الجنات الضريبية"، التى تمنح اللجوء السري لحسابات كبار أثرياء العالم، الذين يتهربون من دفع الضرائب فى بلدانهم. وإذا كانت بريطانيا سوف تخسر منطقة موحدة اقتصاديا يزيد عدد سكانها على 400 مليون نسمة، واذا كان هناك بريطانيون يأملون فى ارتفاع الأجور بعد الحد من هجرة الأوربيين الشرقيين إلى بريطانيا، فإن الأنخفاض الذي لحق بالجنيه الاسترليني سوف يستمر على المدي المتوسط، كما سوف تزداد تكلفة شراء السلع والخدمات من الخارج، ويزداد التضخم، كما تصبح السلع البريطانية التى تباع للدول الأخري أقل سعرا، وكذلك ترتفع قيمة الأيجارات وكلفة القروض، ويزداد عدد العاطلين عن العمل وتنخفض معدلات النمو الاقتصادي وميزانية الرعاية الاجتماعية، ويتراجع الانفاق الحكومي ومساعدات الضمان الاجتماعي وقد تزداد الضرائب وتمتد فترة التقشف لتتجاوز عام 2020 وتتعرض معاشات التقاعد لخطر الأنكماش، إلى جانب التراجع فى الدخل القومي، وتنخفض عائدات السندات والفوائد السنوية عليها وتصبح الأسهم البريطانية أقل جاذبية للمستثمرين وترتفع تكاليف الرحلات إلى خارج بريطانيا ومن أخطر عواقب الخروج البريطاني .. الاحتمال المرجح بخروج اسكتلندا وايرلندا الشمالية وجبل طارق من إطار المملكة المتحدة لأنها تريد البقاء فى الاتحاد الاوروبي. ومع ذلك يري دعاة الانسحاب من اوربا أن المكاسب التى تجنيها بريطانيا من العضوية أقل من تكلفة البقاء فى الاتحاد الأوربي. وسوف يخسر الاتحاد الاوربي حوالي سدس ناتجة الاقتصادي دفعة واحدة بعد خروج بريطانيا التى كانت تحتل المرتبة الثانية كأكبر مساهم فى ميزانية الاتحاد بعد ألمانيا. وقد خسرت الأسواق المالية 2 تريليون جنيه استرلينى فى اليوم الأول لخروج بريطانيا. وهذا الخروج يزيد التوترات بين أكبر دولتين الأن فى الاتحاد الاوربي من الناحية الاقتصادية، وهما فرنساوألمانيا، وقد سارع الرئيس الفرنسي اولاند بالمطالبة ب"تغييرات عميقة"، فى الاتحاد، ولا يوجد ما يشير الى أن برلين وباريس قادرتان على تسوية الخلافات المتصاعدة داخل منطقة اليورو. ورغم أن بريطانيا لم تكن مشاركة فى نظام شنجن أو "منطقة اليورو"، لكن اوربا تستعد الأن لمفاوضات مريرة قد تستغرق عامين حول الشروط القانونية والمالية للانسحاب البريطاني والمعاهدات المرتبطة به، ويتوقع المراقبون أن يتخذ الاتحاد الاوربي إجراءات قاسية ضد بريطانيا غداة الأنسحاب فى محاولة لجعل خروجها مؤلما ماليا بقدر الامكان بالنسبة لها كوسيلة لردع أى دول أخري حتى لا تفكر فى أن تحذو حذو بريطانيا. وتسبب التوترات داخل الاتحاد الأوروبي مشكلات خطيرة لواشنطن، فالتحالف العسكري لحلف الأطلنطى، الذي يضم كل الدول الأوربية الرئيسيىة، يشكل عنصرا مركزيا فى السياسة الخارجية الامريكية، وكان الرئيس الامريكي باراك اوباما يقوم بحملة ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي، وسافر الى بريطانيا لكي يهدد بأنها "ستقف فى أخر الطابور"، فى علاقتها مع الولاياتالمتحدة إذا خرجت من الاتحاد الأوربي. وتخشي واشنطن من أن يؤدى تصدع الاتحاد الاوربي إلى إضعاف حلف الاطلنطي وخاصة أن بريطانيا كانت تلعب دور المتحدث باسم امريكا داخل الاتحاد. وهذا ما يفسر لنا كيف كانت بريطانيا هي الأكثر تشدد ضد روسيا، فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية، بشأن اوكرانيا، كذلك كانت بريطانيا هي الأكثر تشدد فى الانحياز إلى جانب الأحتلال الأسرائيلى، ولذلك كان ديفيد كاميرون يؤكد اثناء حملة الأستفتاء أن بقاء بريطانيا فى الاتحاد الاوربي يشكل مصلحة لإسرائيل، حيث إن بريطانيا كانت ترفض المبادرات الاوروبية المناهضة للاحتلال والاستيطان. غياب بريطانيا عن الاتحاد يعنى غياب اقوى صوت مؤيد لإسرائيل، التى تخشي الأن من أن تشهد بريطانيا فترة ركود اقتصادي قد يمتد ليشمل اوربا ، مما يعنى أن إسرائيل ستواجه مشكلة لان 44% من تجارتها الخارجية مع أوربا. الكثير من نتائج الخروج البريطاني يتوقف على عوامل عديدة، منها نتائج المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي.