"نقد الكتاب المقدس".. نظرية أسسها غربيون في القرن التاسع عشر لنقد.. بل ووضع أسس هدم كل ما هو مقدس في أمور الدين وصولا لهدم الدين نفسه باعتباره هو الأمر المقدس في حياة الشعوب لأنه دين الله. هذه النظرية نجحت الي حد ما في أوربا لكنها لم تحقق النجاح الذي توقعه واضعوها ومؤيدوها في الشرق وبرغم انهم استغلوا حالة التغيير الشديد التي اجتاحت أوروبا في ذلك الوقت.. الا ان العلاقة بين الانسان وربه تبقي دائما حالة انسانية ذات صفة خاصة لأنها ترتبط بروح الانسان. هذه النظرية استخدمها البعض في المشرق العربي ضد الاسلام.. متجاهلين أن هناك اختلافا كبيرا بين الغرب.. والشرق في تكوين النفس وتكوينه البيئي.. وأن الشرق العربي والاسلامي وان كان في أسوأ حالاته المادية والفكرية الا ان علاقته بربه لم تنقطع. صحيح ان البيئة الشرقية منذ سنوات بيئة خصبة لمولد تلك النظرية الهدامة.. فهناك حالة الفقر والجهل.. وانتشار أمراض كثيرة ثم انتشار جماعات التكفير والارهاب والخلاف الفكري الواضح بين جماعات ومذاهب فكرية تنتسب الي الاسلام ولها جذور تاريخية اسلامية.. لكن الاسلام يحمي نفسه بنفسه أولا. اعتقد أن ظاهرة "اسلام بحيري" علي قناة "القاهرة والناس" تأتي في اطار هذه النظرية.. وهو ليس وحده في الميدان.. بل هناك كثيرون غير أن اسلام بحيري من خلال الفضائية.. وأسلوبه في توجيه الاتهامات وأحيانا السب لبعض علماء التراث كان سببا في جذب الاهتمام ثم هجومه علي الأزهر كان دافعا لاهتمام البعض الآخر.. فأي تطرف في الهجوم يجذب الاهتمام وليس بالضرورة يجذب الأهمية.. كما ان لهذا التيار وجوداً فعلياً بغض النظر عن حجمه أو تأثيره وبالتالي كان هناك اتجاه لتمويل القضية من نقد للمقدس.. الي نقد لحرية الاعلام..!! وأنا هنا لا أدافع عن اسلام بحيري لكن فقط أحاول أن أضع بعض النقاط فوق الحروف أولا: كل انسان حر في أن يبدي رأيه ويعلن عن فكره.. وما حاول اسلام بحيري أن يفعله هو أن يحاول - من وجهة نظره - تجديد الفكر والتراث الديني - حتي وان كان بطريقة خطأ.. ولكن الحرية ليست مطلقة فلكل حرية مسئولية! ثانيا: من ترك الساحة لاسلام بحيري ومن هو علي شاكلته هم المخطئون أولا.. لأنه لو لم تكن الساحة خالية ما جرؤ أحدهم علي الدخول وسط الكبار.. فقبل أن نحاسب اسلام بحيري يجب أن نحاسب من ترك له الساحة خالية وقال له: العب وحدك..!! ثالثا: برغم لغة السب والشتم الا انه أحيانا يتعرض لقضايا مهمة.. تحتاج الي مناقشة وتوضيح وتفسير.. ولابد من الرد والمواجهة وليس التجاهل أو الهجوم. رابعا: طريقة "الاجتزاء" التي قام بها في عرضه لنقد البخاري وابن تيمية وغيرهما كانت تحتاج لمواجهة فكرية لتوضيح ان هذه الأجزاء مبتسرة أو خرجت عن سياقها.. أو خطأ اذا كان هناك خطأ. خامسا: رفضنا لأسلوب بحيري في الهجوم علي علماء التراث يجب ألا نكرره نحن في هجومنا عليه وانتقادنا له.. فلا يجب أن نفعل ما ننكره منه. سادسا: ما فعله اسلام بحيري وان كان بأسلوب خطأ - هو نفسه ما طالب به الجميع وهو تنقية وتجديد التراث.. ووجوده علي الساحة الاعلامية مع غياب أهل الاختصاص هو الذي جعل منه حالة في هذا المجال والغائبون هم من يتحملون المسئولية وليس هو وحده.. ويجب أن ننظر للقضية من خلال هذا المنظور أولا. سابعا: حالة اسلام بحيري أصبحت حالة مصرية واضحة.. فنحن في الدين كلنا علماء ومفتون وفي الطب والصيدلة كلنا أطباء ومعالجون وفي الكرة كلنا خبراء ومدربون.. وأهل الاختصاص في كل مجال.. غائبون..! ثامنا: استكمالا للنقطة السابقة.. فان الواقع الشعبي شيء وما يحدث في الحقيقة شيء آخر.. ففي الكرة مثلا هناك مدرب لحراس المرمي وآخر للياقة البدنية وثالث للكرة ورابع مدرب عام وخامس مدير فني وسادس مدير للكرة.. حتي العامل الذي يحمل الكرات والأدوات له اختصاصه وفي الطب مثلا لم يعد التخصص كما كان.. بل هناك تخصص في التخصص.. ففي طب العيون مثلا.. متخصصون في الشبكية وآخرون في القرنية.. وهكذا.. لكن العلم الديني وحده مباح للجميع.. برغم وجود تخصص وخبراء وعلماء في كل فرع.. بل في جزئية من الفرع..فمن يتحمل مسئولية هذا الغياب؟ تاسعا: الاساءة الي الأزهر الشريف - وهي مرفوضة شكلا وموضوعا - ليست هي القضية لأن للأزهر رباً يحميه.. والأزهر بيت من بيوت الله وجامعة علمية ومعاهد ومؤسسة كبيرة بناؤها كله لله.. والله وحده يدافع عنه.. لكن ما حدث ان الأزهر لم ينتفض الا دفاعا عن رجاله وشيوخه.. بينما ترك الساحة لمن يهاجم الدين ويسيء اليه في البداية..!! عاشرا: علماء الأزهر ورجال الدعوة في مصر هم جنود الله المخلصون حقا ومن يدعي غير ذلك فهو إما جاهل أو فاقد للوعي أو مغرض. ولا يعني ذلك انه لا يوجد خلل أو خطأ - حاشا لله - فهناك أخطاء وهناك مخطئون.. وقد يكون العالم كبيرا ومتميزا في أمر وهو نفسه مخطيء في أمر آخر.. وهذا الخطأ لا يقلل ولا يهدم أبدا تميزه الأول. وعلماؤنا بخير.. ولديهم من العلم ما يؤكد حقيقة ان الأزهر هو درع الوسطية في العالم وسيبقي كذلك باذن الله واذا حولنا القضية الي حرب ضد الأزهر ودفاع عن المؤسسة الدينية فستكون قضية خاسرة. علينا أن نواجه الواقع وأن نواجه ما حدث برؤية وفكر وعلم.. فالهجمة القادمة ضد الدين ستكون أشرس لأن من يخطط ضد الاسلام وضد المسلمين لديهم خطة ورؤية وفكر وهذا ما نحتاجه للدفاع.. بل وللوقاية أولا قبل الدفاع. 1⁄4 "وللحديث بقية".. إن شاء الله