أرجع خبراء النفس والاجتماع والإعلام جرائم قتل الأمهات لأبنائهن وأزواجهن إلي نتيجة الخلل التربوي والتصدع الاجتماعي والضعف الاقتصادي مشيرين إلي أن هذه الجرائم شاذة وغريبة عن الطبيعة البشرية ولم تصل بعد إلي حالة الظاهرة وإنما وسائل الإعلام هي التي تسلط الضوء عليها. أكدوا ان التربية والاعتصام بالآداب الدينية والأخلاقية حائط صد أمام هذه الجرائم اللاأخلاقية. يري الدكتور محمد غانم أستاذ ورئيس قسم علم النفس بآداب حلوان ان الحالة النفسية للأم تلعب دوراً كبيراً فيما يخرج عنها من سلوكيات فإما تؤدي إلي إنحرافها واصابتها بالعديد من العقد النفسية أو إلي حد ما بالسواء أو الصحة النفسية. وهناك بعض الأمهات اللائي يعاني أبناؤهن النفسي من تصدع وانهيار وعقد مما يؤدي بها إلي تشتت في المعاني السامية حتي وإن كانت هذه المعاني مرتبطة بغريزة الأمومة. وأوضح الأمثلة علي ذلك اننا نجد في الغالب أمهات قد أخذن علي عاتقهن حماية الأسرة من الضياع والتشتت فخرجت إلي سوق العمل وتنفق علي أولادها وربما علي زوجها في مقابل أمهات أخريات تغنيهن مثل هذه الأشياء وهناك مرض نفسي معروف قد يصيب بعض الأمهات عقب الولادة مباشرة حيث تدخل في حالة عدوانية شديدة لدرجة الرغبة الشديدة في قتل الوليد وما لم نأخذ الولد بعيداً عنها فإنها قد تقتله وفي كتابي "الخيانة الزوجية البناء النفسي لبعض السيدات الخائنات" رصدت العديد من الحالات عن نساء يفضلن المتعة الشخصية حتي وإن كانت علي حساب الزوج والأبناء وحتي إن لم تتزوج فمن الممكن أن تتفق مع عشيقها علي قتل والدتها أو زوجها إذا ظنت انه يقف عقبة كؤود أمام متعتها فالعشيقة قد تتحالف مع عشيقها في قتل أبنائها وقد تصمت والعشيق يقوم بالخنق والذبح لفلذة كبدها لأنها لا تستشعر مرارة في ذلك. أيضاً بعض السيدات لديهن انحراف الهرمونات ولديها زيادة في الطاقة الجنسية "مرض السودة" يشير إلي خلل في الهرمونات ورغبة في الهرمونات الجنسية مثل هذه المرأة تلحق عاراً بالزوج والأولاد وأسرتها مع الأخذ في الاعتبار ان هذا الخلل ليس له ميقات محدد ويصيب السيدة في أي مرحلة بعد البلوغ وقد يحدث لها بعد أن تخطت الستين من عمرها وتجد نفسها مدفوعة إلي الدخول في علاقات جنسية عابرة مع كل من هب ودب لأن الرغبة الجنسية تسيطر علي ما عداها من أشياء لدرجة ان بعضهن قد تنتقب وتمارس هذا الفعل حتي لا يراها الآخرون وقد تلجأ إلي التدين الشكلي وقد تفشل أيضاً. وبعضهن يلجأن إلي الانتحار كحل لهذه المشكلة التي ليس لها حل. نفسية مشوهة يشير د. محمد غانم إلي أن هذه الحالات تعكس بناء نفسياً مشوهاً وتربية شديدة القسوة والعنف ورغبة أصيلة لديها في أن تحصل علي المتعة خاصة الحسية وفقط وسوف تظل مثل هذه القضية. أي قضية عقوق الأمهات. موجودة في جميع المجتمعات وفي جميع الأزمنة والعصور لكنها كانت خافتة في ظل ثقافة الستر التي كانت تتسم بها المجتمعات فيما سبق. أما الآن فأصبح الإعلام يبالغ في نقل الحالات الشاذة ونجد اصدارات أسبوعية تصور الحوادث الشاذة وكذلك البرامج الإعلامية مثل "صبايا الخير" تختص في نقل كل ما هو غريب وشاذ وبالتفصيل الممل. عكس الطبيعة ويؤكد الدكتور عادل عبدالغفار عميد كلية الإعلام ببني سويف ان هذه الحالات استثناء في المجتمع وعكس الطبيعة البشرية ونمط غير معتاد لهذه الطبيعة تتدخل فيها أبعاد اجتماعية واقتصادية وإعلامية وثقافية وتربوية. فالإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها لذلك لا ينبغي أن نفرغ الجريمة من الواقع المحيط بها. ويري ان تأثير الدراما يختلف من شخص لآخر فالإنسان الذي يعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية يتأثر بما يراه في الدراما أما الإنسان السوي فإن مجرد العرض الدرامي لا يؤثر علي سلوكياته وتوجهاته. ويطالب وسائل الإعلام بضرورة التعمق في معرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه القضية. هل اقترب الزمان علي الانتهاء وأوشكنا علي الوصول إلي يوم القيامة.. هل أصبحنا كبعض الحشرات التي تقتل أولادها بلا وازع من ضمير. بعد أن أقدمت سلوي علي قتل أولادها الثلاثة خنقاً من أجل عيون عشيقها وتلك التي اتفقت مع عشيقها علي قتل صغيرها والأم التي تدفن ابنها حياً والأخري التي تلقي بابنتها في مقلب القمامة نماذج كثيرة لأمهات غلبت الشهوة والرغبة الحرام علي احساسها بالأمومة من هنا نتساءل عن أسباب ارتكاب هذه الجريمة وهل الجنة تحت أقدام هؤلاء؟. ظاهرة إعلامية وتري الدكتورة هدي الطنباري الأستاذ بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بكفر الشيخ ان هذه الحالات فردية ولا تعتبر ظاهرة انما وسائل الإعلام تسلط الضوء بكثافة علي هذه القضايا. هؤلاء الأمهات يعانين من خلل نفسي وتصدع اجتماعي ولا دخل للظروف الاقتصادية في ارتكاب هذه الجريمة فليس كل فقير شرير كما ان الفقر ليس وراء العمليات الإرهابية انما هو خلل في التنشئة الاجتماعية فمن يتربي منذ الصغر علي العنف في الأسرة والمدرسة ويعتاد مشاهد الدم قد يتأثر نفسياً بما يحيط به من ظروف ويرتكب الجريمة اعتقاداً منه بغياب الردع. تري ان المرأة البغي عدوة نفسها وتكره نفسها والمجتمع وهي شخصيات يصعب تغييرها تري ان الدراما السيئة أضاعت القيم وصدرت لأبنائنا سلوكيات سيئة وأضاعت فكرة الحقوق والواجبات وتطالب بضرورة الوقاية بالتنشئة الاجتماعية في الأسرة والمجتمع وتطبيق نموذج المواطن الصالح حقوق يقابلها واجبات وان تعود الريادة للتربية والتعليم.. وتؤكد علي ضرورة إعادة نموذج الأم القدوة في الدراما. أم البشر ويشير الدكتور خالد بدير الباحث بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر إلي أن الأم أصل وأساس وعماد كل شيء. أم البشر حواء. وأم القوم رئيسهم. وأم الكتاب الفاتحة. وأم القري مكة. وفي ثنايا العلوم كتاب الأم للشافعي رحمه الله؟! فالأم حنانها معين رحمة لا ينضب إذا جعت تطعمك وإذا مرضت ترعاك وإذا تعبت تحملك وإذا خلت جيوبك لا تبخل عليك بالغالي والرخيص. انها ملاكك الحارس إذا نامت العيون. وحضنك الحصين إذا اشتدت المحن وتقطعت السبل. وأول كلمة ينطقها لسانك إذا أحاطتك الرزايا وتربصت بك المنايا. لكن ما فُعل بأطفال قصتنا علي النقيض من ذلك لقد تحول الحنان والعطف إلي آلة الموت التي سفكت دماءهم واستباحت أرواحهم ودماءهم بلا رحمة. انه دم أحب الناس وأعز الناس. فلذة الأكباد وحبات القلوب وحنايا الصدور.. هنا يتحول الحنان إلي غدر.. هنا ينقلب الحب إلي خيانة ودم وموت. إن هذه الأم التي قتلت أطفالها من أجل أن تخلو بعشيقها التي تواصلت معه عبر شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك". إن هذه الأم تجردت بهذه الفعلة الشنعاء النكراء من كل القيم والفضائل الإنسانية التي كرم بها الإنسان. وأردت بها هذه الجريمة البشعة إلي درك الحيوان والأنعام بل أضل. وكان ذلك سبباً أن هوي بها في جهنم "ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" الأعراف 179 فالأنعام والدواب مع عدم تكليفهم لا تنفك عنهم صفة الرحمة والشفقة فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً. وأنزل في الأرض جزءاً واحداً. فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق. حتي ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه". "البخاري ومسلم". أضاف: ليس هناك خطيئة تدنس عرش السماء أفظع ولا أسوأ من خطيئة أم خلعت رداء الرحمة ولبست ثواب الخداع والموت لصغارها الذين تركهم الإله الأعظم أمانة في عنقها وفي حضنها وفي "نن" عينيها. أشار إلي أن من قتل نفساً بريئة بغير جرم أو ذنب فكأنما قتل الناس جميعاً "انه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادي في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" "المائدة: 32" فما بالكم بمن قتلت أطفالها الثلاثة فلذة أكبادها الأبرياء؟! وتعظيماً لأمر قتل النفس بغير حق. وبياناً لشدة خطره. والتحذير منه. وتوعد من أقدم عليه. جاءت الآيات الكريمات. والأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك قال الله تعالي: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً" "النساء: 93" قال الإمام العلامة السعدي رحمه الله وذكر هنا وعيد القاتل عمداً وعيداً ترجف له القلوب. وتتصدع له الأفئدة. وينزعج منه. ولو العقول. فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد. بل ولا مثله. ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم. أي فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازي صاحبه بجهنم بما فيها من العذاب العظيم والخزي المهين. وسخط الجبار. وفوات الفوز والفلاح وحصول الخيبة والخسارة. فيا عياذاً بالله من كل سبب يُبعد عن رحمته. وأعظم من ذلك كله ما جاء عند أحمد والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناحيته ورأسه بيده. وأوداجه تشخب دماً يقول: يارب سل هذا فيم قتلني حتي يدنيه من العرش". فماذا عسي أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب؟!. أضاف: ان الأم التي يريدها الإسلام هي التي تُحسن تربية أبنائها فتغرس فيهم الفضائل. وتبغضهم في الرذائل وتعودهم طاعة الله وتشجعهم علي نصرة الحق. فأم موسي تستجيب إلي وحي الله وإلهامه وتلقي ولدها وفلذة كبدها في اليم مطمئنة إلي وعد ربها: "وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين" "القصص: 7". وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محرراً لله. خالصاً من كل شرك أو عبودية لغيره. داعية الله أن يتقبل منها نذرها: "فتقبل مني انك أنت السميع العليم" "آل عمران: 35". فلما كان المولود أنثي علي غير ما كانت تتوقع لم يمنعها ذلك من الوفاء بنذرها سائلة الله أن يحفظها من كل سوء: "وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" "آل عمران: 36". ومريم ابنة عمران أم المسيح عيسي. جعلها القرآن آية في الطهر والقنوت لله والتصديق بكلماته: "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين" "التحريم: 12". فما أحوج مجتمعنا وأسرنا إلي أمهات أمثال هؤلاء حتي تكتمل الأركان ويرتفع البنيان ونسعد برضا الرحمن.