إشكالية تجديد الخطاب الديني ليست وليدة اليوم بل هي مطروحة منذ أمد بعيد وبخاصة عقب الأزمات التي تمر بها البلاد لأنها قضية مرتبطة بظروف المجتمع . وما يعتريه من تقلبات.. أسئلة كثيرة طرحت نفسها بقوة في الأيام الأخيرة حول الخطاب الديني بل أجد نفسي تعرضت لسيل من هذه الأسئلة وبالذات من زملائي الإعلاميين في مختلف الوسائل بل ومن بعض الذين نعدهم من المثقفين. وكلهم يتساءلون: ما المقصود بالخطاب الديني؟ وما معني تجديد الخطاب الديني؟ وكيف نجدده؟ وما الفرق بين الخطاب الديني أمس واليوم. والواقع أن بعضنا لايعي مفهوم الخطاب الديني أصلا ولامعني تجديده أوكيف نجدده؟ وهل يحتاج إلي تجديد فعلا في الوقت الحالي؟ أم أن كثيرا من وسائل الإعلام وبعض الكاتبين يرددون ذلك تماشيا مع حدث أوموقف معين وسرعان ما ينصرفون أو ينسون أويتناسون بمعني أدق . وبالتالي فنحن نلف وندور في دائرة مفرعة قد يضيق أويتسع قطرها حسب الظروف . ومع ذلك فقد اجتهد البعض وبرزت أطروحات جديدة قديمة لتنظير مفهوم تجديد الخطاب الديني ولكن دونما وضع مفهوم للخطاب الديني الذي يريدون والتجديد الذي به يطالبون. وانقسم القوم في ذلك إلي جماعات كل منها تتبني توجها معينا يتفق وخلفياتها الثقافية ومذاهبها الفكرية نحو الخطاب الديني وتجديده . وأخطر المنظرين علي المجتمع وعلي الانسانية جمعاء هم الذين فهموا تجديد الخطاب الديني فهما ذاتيا وقالوا إنه يعني نسف ثوابت الدين والتحرر من كل موروث ديني أو ثقافي أو اجتماعي وحتي العادات والتقاليد الأصيلة بل جميع قواعد الدين والقيم والأخلاق والانتقال بالمجتمع الي التحرر المطلق حتي نلحق بركب التقدم ? من وجهة نظرهم- ..نعم قالوها قديما واليوم يرددونها بكل إصرار. الغريب أن هؤلاء وأمثالهم تتيح لهم وسائل الإعلام نشر فكرهم ليلا ونهارا بل وصل بهم التحدي لعلماء الدين أن يناظروهم ...والمناظرة في حد ذاتها لاغبار عليها ولكن هل يمكن لعاقل أن يناظر في كتاب الله أوفي حديث رسول الله الصحيح والمتواتر أوفي الأحاديث القدسية ؟ لقد انبري علماء الحديث منذ أمد بعيد وقسموا الأحاديث ومنها الصحيحة ومنها الضعيفة ومنها الحسنة . واضعين شروطا للحديث والسند الصحيح الموثوق بصحته وغيره.. ثم بعد ذلك يأتي من يقول كلاما لاسند له من العلم! وأصحاب هذا الرأي ومن علي شاكلتهم يرون أن الدين هو سبب تخلفنا. وأن الحل الوحيد في القضاء علي مشاكلنا والانطلاق نحو التقدم والنهضة العالمية هو ترك الموروث الديني . وهذا ينافي الفطرة الانسانية تماما فما بالنا بالدين الاسلامي الحنيف الذي يوم التزم به المسلمون كونوا إمبراطورية تساقطت أمامها أعتي الأمبراطوريات . ويوم أن ضعف ارتباطهم به أصبحوا دويلات وجماعات متفرقة . ويوضح "مالك بن نبي" المفكر الجزائري رحمه الله سبب ما تحياه أمتنا من شتات فكري وتراجع في الخطاب الديني . وتخلف علمي وحضاري فيقول في عبارته الشهيرة:¢ التخلُّف الذي يعيشُه العالم الإسلامي اليومَ ليس سببَه الإسلام. ولكنه عقوبة مستحقَّة من الإسلام علي المسلمين لتخلِّيهم عنه لا لتمسُّكهم به كما يظن بعض الجاهلين. وهناك نفر من المسلمين يرون التمسك بأصول الدين دون نقص أوزيادة . وماالتجديد من وجهة نظرهم إلا ضياع للعقيدة . ورغم احترامي لرأيهم لأنهم يحافظون علي الاسلام ويتمسكون به حرفيا إلا أن ذلك يعد عند جمهور العلماء جمودا لم يعرفه المسلمون إلا في عصور التخلف والضعف التي مروا بها لأسباب يطول شرحها. إننا نحترم رأي الجميع. وينبغي أن نلتزم بأب الاختلاف . وفي الوقت نفسه ننبذ الخلاف لأنه طريق الهلاك. الغريب أن البعض يحاول - بحسن نية أوبسوء نية- هدم مفهوم الخطاب الديني من أساسه فما بالنا بتجديده عندما يتفلسفون ويرفعون أصواتهم مبشرين بتجديد الخطاب الديني من خلال هدم قواعد الدين وأصوله فراحوا يهاجمون الدين ذاته ويقدمون للرأي العام أصحاب الأفكار الإلحادية في حوارات علنية وكأنهم عظماء عصرهم...راحوا يقدمون للرأي العام وللشباب بعض أصحاب الآراء الهدامة والغريبة علي كل الأديان فما بالنا بالدين الاسلامي الحنيف.؟! إن تجديد الخطاب الديني لايكون بمعاول الهدم والتفلسف والافتراء ومهاجمة العلماء والأزهر الشريف ورموزه الأجلاء من أجل جذب الناس للفكر الغريب وتسويق شخصيات إعلامية لأنفسهم علي حساب الدين من منطلق أن الناس يلتفون حول كل غريب...لكنهم في النهاية يتشتتون وتتفرق بهم السبل ويضلون الطريق فنغرق جميعا في دوامة العنف بمختلف أنواعه . ولذلك نقول : جددوا ولا تهدموا .! إن المؤسسات الدينية لا تألو جهداً في تحقيق ما يتطلبه الواقع من تجديد للخطاب الديني. وإن كان من تقصير كما يري الدكتور شريف درويش فلأن البيئة المحيطة بنا يجب أن تتهيأ لقبول ما يصدر عنها من نتاج علمي وعملي. فلا يمكن أن يحدث تجديد وسط جو من الصخب الإعلامي يعكر هذا الخطاب. ويشوش عليه ويبخس جهد المؤسسة الدينية الرائدة.