أكد الدكتور دايسكي مارو ياما- الباحث بالجمعية اليابانية لتعزيز البحوث العلمية- أن جميع الأديان والمعتقدات تدعو لسلام الإنسان لا قتاله. مرجعا ظاهرة الإرهاب والتطرف إلي سوء الفهم الذي يصاب به بعض أتباع الأديان. مشيرا إلي أن جرائم داعش لا تُمثّل الإسلام لكنها تشوِّه صورته وتدفع الإنسان العادي يخافه. رافضا فكرة الربط بين الإسلام والإرهاب. أوضح أن هناك فرقا كبيرا بين الإسلام كدين وبين تصرفات وسلوكيات وأوضاع أتباعه. مشيرا إلي أن هناك رابطا مشتركا بين الصوفية والأديان والمعتقدات الأخري يتمثل في إعلاء قيم الأخلاق والتواضع وحب الآخرين والتعاون بينهم. وهذا ما دفعه للتخصص في الدراسات الصوفية في مصر والسودان. وفيما يلي نص الحوار الذي أُجري معه خلال مشاركته فعاليات مؤتمر الاتحاد العالمي للطرق الصوفية الذي عُقد مؤخرا بمقر مشيخة الطريقة العزمية. حول تجديد الخطاب الديني: بداية. ما الذي دفعك للاهتمام بدراسة الصوفية؟ ولماذا مصر والسودان تحديدا؟ وهل توجد لديكم صوفية سواء إسلامية أو تابعة لديانة أخري؟ ** الحقيقة أنه لا توجد لدينا صوفية إسلامية لكن ما دعاني للبحث والتخصص في دراسة التصوف الإسلامي وطرقه المتعددة هو ذلك التشابه والتقارب ما بين السلوك الصوفي وسلوكنا نحن البوذيين. من حيث ان الصوفية يقومون بالذهاب إلي الأضرحة والأولياء والصالحين. ونحن كذلك في البوذية لدينا أماكن مقدسة نحرص علي زيارتها والتبرك بها. وندعو فيها بالصحة والنجاح والخروج من الأزمات. كما هي عادة المسلمين عامة والمصريين خاصة. صحيح أن الإسلام بعيد عنا ولا نعرفه كثيرا لكن الفكرة والسلوك الصوفي قريب جدا منّا لذا تجدني أهتم به ودراسته عن قرب وتعمّق. وإذا كان أساس التصوّف هو الأخلاق والمحبة والتسامح والكرم والتعاون بين الناس فنحن أيضا في البوذية نؤمن بهذا الأخلاقيات. لذا تجد بيننا روابط مشتركة رغم اختلاف الأديان أو المعتقدات علي رأسها الأخلاق والسمو الروحي. وأعتقد أن التصوف يمكنه أن يكون مدخلا جيدا لفهم الدين الإسلامي والتعريف به عالميا. لكنك تتحدث اللغة العربية بطلاقة. فأين تعلمتها؟ ** هذا صحيح. فمنذ 10 سنوات. وتحديدا من 2004-2005 حضرت إلي القاهرة ودرست اللغة العربية. لذا تجدني أحب بل أعشق المصريين وثقافتهم وعاداتهم وأهتم بها بل أحرص علي الحضور سنويا مرة أو اثنين. ثم بدأت في الذهاب إلي السودان منذ 2008- 2011. ولهذا السبب تجدني أعرف كثيرا عن الصوفية. لكن ما دفعني فعلا لدراستها أن كثيرا من اليابانيين يدرسون ويبحثون عن مصر عامة ولم يتخصص أحدهم في دراسة التصوف تحديدا. غير أنني وسَّعت دائرة اهتمامي لتشمل التصوف في مصر والسودان معا. وقد زاد اهتمامي وبحثي بالبلدين خصوصا بعد 2006 وتوقف الخلافات والحروب في شمال وجنوب السودان. دراسات بحثية هل دراستك أكاديمية بحثية أم أن لها أبعادا أخري ترتبط بقرارات حكومية؟ ** بالطبع دراستي بحثية ليس لها علاقة بأي شئ آخر. فأنا متخصص في علوم الانسانيات وحصلت علي الدكتوراه من جامعة طوكيو "اليابان" في 2013. والآن أنا باحث ومحاضر في الدراسات الإسلامية. وأبحث عن الدور الاجتماعي للطرق الصوفية في مصر السودان. وأيضا البحث عن العلاقات العالمية للطرق الصوفية. ولدي مكتبة ضخمة من الكتب التي تتحدث عن الصوفية. ومنها كتاب¢ الطرق الصوفية في السودان¢ لمؤلفه علي صارخ كرَّار. وكذا مجموعة من كتب التصوف من الإمام أبي العزائم. نتائج علمية وما هي أهم النتائج التي توصلت إليها من بحثك عن الصوفية؟ ** توصلت لعدة نتائج أهمها ذلك التقارب والتشابه الكبير فيما بين الصوفية وبين جميع الأديان والمعتقدات الأخري من حيث السلوك الإنساني والأخلاق وتزكية النفس والبعد عن الشهوات والتواضع والتسامح وحب الآخرين. فهذه صفات إنسانية مشتركة وتجمع بين أتباع كل الأديان والمعتقدات. والأكثر أنني تعلمت من مشايخ الصوفية ومريديهم أن أساس التصوف هو الأخلاق والاستقامة والصدق والكرم. وهذه صفات مهمة جدا لاستقامة الحياة الإنسانية وامتلائها بالطمأنينة والسكينة والهدوء. ونحن أحوج ما نكون في العصر الحالي لهذه المطالب. وكذا فالإنسان لا يمكنه العيش في هذه الحياة بمفرده بل ضمن مجموعة من الناس والمجتمعات ومن ثم فإن السلوك الصوفي في هذا الإطار جميل جدا ويساعد علي الاندماج والعيش في الحياة الهادئة الآمنة للتغلب علي صخب العصر بنتائجه ومخرجاته التكنولوجية الكثيرة. مسلمو اليابان نريدك أن تلقي الضوء علي أوضاع المسلمين في اليابان. ما هي اهم مشكلاتهم وقضاياهم؟ ** كي أكون منصفا فأنا غير دارس لأحوالهم في بلادنا لكن من الرؤية العامة فإن مسلمي اليابان قليلون ومع هذا فعددهم يزداد يوما بعد الآخر وفي الأغلب نتيجة الزواج من اليابانيات. وتوجد مساجد كثيرة في طوكيو العاصمة وغيرها. ويستطيع المسلم أداء صلواته في أي مكان دون مضايقات لأن القانون يسمح بحرية العبادة والاعتقاد. غير أن المشكلة الصعبة التي تواجه المسلمين فعلا هي مسألة الأكل ¢الحلال¢. فنحن نأكل لحم الخنزير وهذا حرام في الإسلام. مما يسبب مشكلة للمسلمين. غير أنهم بدأوا في التغلب علي هذه المشكلة بالتوسع في إقامة محلات الأكل ¢الحلال¢ طبقا للشريعة الإسلامية. والتي انتشرت بشكل كبير في اليابان عامة. واقع محزن كيف تري واقع المسلمين. بوجهة نظرك؟ وما هي رؤيتك للإسلام والمسلمين؟ وهل هناك فرق بينهما؟ ** واقع المسلمين يختلف طبقا للمكان والدولة. فهناك مسلمو جنوب شرق آسيا والمنطقة العربية وأفريقيا وأوروبا وغيرهم. ونحن كبوذيين نحترم جميع الأديان والمعتقدات. لكن في الفترة الأخيرة. للأسف الشديد. أصبح معظمنا يخاف من الإسلام. خصوصا بعد ظهور داعش وما ارتكبته بحق الإنسانية وتحديدا اليابانيين اللذين قتلتهما مؤخرا في العراق. ومع ذلك فنحن ندرك. كمثقفين ودارسين. أن هناك فرقا كبيرا وشاسعا بين الإسلام كدين وعقيدة وبين سلوكيات وتصرفات أتباعه. لكن الإنسان العادي لا يستطيع التفرقة بين الدين وتصرفات أتباعه. فالذي قرأناه عن الإسلام أنه دين سلام وتسامح لكن هناك أتباع له يريدون فرضه علي الناس بالقوة والإكراه وهذا مرفوض من وجهة نظر الإسلام نفسه الذي يقول:¢ لا إكراه في الدين¢ وأيضا:¢ لكم دينكم ولي دين¢.. وأولئك المتشددين والمتطرفين هم سبب تشويهه والإساءة إليه. كما تفعل داعش وتقول لغير المسلم: إما أن تُسلم أو أقتلك! فهل يكون الدين بهذه الطريقة صحيحا؟! أعتقد الإجابة بالنفي طبعا. جرائم داعش ما تقييمك كمواطن ياباني لما حدث من جرائم داعش بحق الإنسانية. هل يؤثر ذلك علي رؤيتكم للإسلام؟ ** كما قلت لك سابقا. المواطن العادي في أي بلد غير مسلم لا يفرق بين الدين وتصرفات أتباعه. بعكس الدارس والموضوعي. وبالنسبة لي شخصيا فأنا لي أصدقاء مسلمين وأزور دولا عربية وإسلامية كثيرة وأجدهم كرماء وطيبين ويستقبلونني بحفاوة بالغة وضيافة جميلة. لكن الحقيقة أن داعش هذه مشكلة كبيرة للمسلمين وغيرهم. فهم يقولون أنهم مسلمون. والآخرون يقولون نفس الكلام. وأنا كشخص غير مسلم لا أستطيع الحكم علي أيهما الأصح وأيهما الخطأ. أو من منهم الذي يُمثل الإسلام أو يتصرف بقيمه ومبادئه وأخلاقياته. فهذا واجب المسلمين وحدهم أن يُنقّوا ويُصحِّحوا صورة دينهم وليس أحد غيرهم. والذي أستطيع قوله: أن أسلوب داعش قبيح وليس إنسانيا. حتي الجهاد الذي يدّعونه فقد قرأت عنه وعرفت أنه مجاهدة النفس وليس قتل الآخر أو المختلف معي في الرأي. وإذا كان حكم داعش يصنع الخوف والكره في قلوب الناس تجاه الإسلام فإن الأديان والمعتقدات كلها أساسها الحب والأخلاق والتعامل مع الله والناس بالمحبة والصدق والاستقامة والتواضع. لذا أتمني أن يقوم كل المسلمين بحل لهذه المشكلة. فنحن يمكننا القول بأن داعش غير إسلامية وخارجة عنه. لكن هذا ليس حلا للمشكلة. وهذا يفرض ويتطلب من المسلمين أن يُجروا فيما بينهم حوارا لا حربا. يتفقون ويوحِّدون كلمتهم فيما بينهم فهذا مهم جدا. ثم يتحاورون بعد ذلك مع غيرهم. فالحوار هو الطريق الصحيح لا القتال. من أجل التعايش السلمي والتعاون الإنساني. الاتهام بالإرهاب كيف تنظر لاتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب والتطرف والوحشية؟ ** للأسف نحن. كعامة الناس. لا نعرف الإسلام والمسلمين إلا من خلال الأخبار التي تنشر وتذاع عبر وسائل الإعلام المختلفة. وهي تتحدث عن فلسطين وداعش وليبيا والإرهابيين. وهي أخبار ليست سارة إطلاقا. لذا فالمواطن الياباني يخاف من الإسلام. وهو أيضا لا يعرف حياة الإنسان المسلم ولا ثقافته. وهذا يفرض علي المسلمين أن يقوموا بجهود كبيرة للتعريف بدينهم إذا أرادوا تصحيح الصورة وتقديم الإسلام الصحيح وأن المسلمين لا يمكن اختزالهم في داعش وفقط. في المقابل علينا نحن غير المسلمين أن نتذكر دائما أن الإسلام والمسلمين ليسوا هم داعش. حتي وإن مثَّلت 1 أو 5% من المسلمين. وإنما المسلمون هم أصحاب الثقافة والحضارة التي عرفناها وقرأناها عبر التاريخ الإنساني الطويل. وأنا شخصيا أرفض هذا الاتهام لأن لي أصدقاء مسلمين كثيرين وليسوا متطرفين ولا متشددين. وكل الأديان فيها متطرفين نتيجة سوء فهمهم للدين. فضلا عن أن هناك تطرف سياسي أو نتيجة ظروف اجتماعية أو غيرها. لكن في الغالب أن معظم التطرف يكون وليد الفهم الخاطئ للأديان. الدين والإنسانية هل تري أن الإسلام يعادي العلم والإنسانية حسب قراءتك لأحداث وتصرفات بعض أتباعه؟ ** بالعكس أنا أري أن الإسلام يتوازي ويتواكب تماما مع الإنسانية والعلم. بما أنه دين سماوي فالأديان كلها كما قلت هي حياة الإنسانية. والإنسان يحتاج للدين في حياته حتي يشعر بالسكينة والاطمئنان. ولا يمكن أن يتحارب الدين مع الإنسان وحياته وإلا حدثت مشكلة كبيرة. فالدين والعلم والعمل والعقل يسيرون معا. ونحن اليابانيين ورغم أننا لا نهتم بفكرة الأديان كثيرا إلا أننا نحتفل بالأعياد المسيحية مثل الكريسماس وغيره رغم اننا لسنا جميعا مسيحيين. كما نحتفل بعيد الحب كذلك. لأننا نحب الحياة والاستقرار والعمل والعلم ولا نخلق لأنفسنا عدوا فالعداوة والكره يقتلان أي إنسان ولا يساعدانه علي الحياة الآمنة ولا الإبداع.