«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا خلطت الدولة بين الإخوان والطرق الصوفية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2010

بداية لابد أن أعترف أننى أشعر بمحبة خاصة لأهل التصوف فقد جلست فى حضراتهم.. وحفظت أورادهم وأشعارهم ورأيت فيهم فئة من الناس سمت أرواحهم وعاشوا الحياة كما أحبوا وأرادوا بعيدا عن صراعاتها ومعاركها واختاروا لأنفسهم طريقا غير ما عرف الناس..
قرأت كثيرا عن الصوفية وحفظت الكثير من أورادها وأحببت رموزها بل إننى تعلمت أوزان الشعر من فرق الإنشاد الصوفى فى الحضرة.. وكان عمرى يومها لا يتجاوز السبع عشرة عاما وأخذت العهد على الطريقة الشاذلية نسبة إلى سيدنا أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه ومازال مزاره فى ربوع مصر واحة تذهب إليها مواكب المتصوفين طوال العام والصوفية عالم فسيح ترى فيه كل جوانب الحياة فيهم الفن الجميل فى الشعر والإنشاد وفيهم الإيمان المطمئن.. والزهد المترفع والاستغناء فى زمن تحكمه المطامع..
ظهور الصوفية في مصر
كل من أحب آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام وزار مزاراتهم فى مصر أحب الطرق الصوفية.. فى أرض الكنانة توجد أضرحة آل البيت رضوان الله عليهم سيد شهداء أهل الجنة سيدنا الحسين.. والسيدة زينب.. والسيدة نفيسة.. وفى مصر أضرحة عدد كبير من أئمة التصوف.. ابن الفارض.. والمرسى أبوالعباس والسيد البدوى والبوصيرى.. وإبراهيم الدسوقى رضوان الله عليهم وكل هذه العلامات المضيئة فى تاريخ التصوف فى مصر..
مازلت أردد أشعار ابن الفارض الزاهد العظيم وحكمة ابن عربى الفيلسوف المتصوف.. وزهد البوصيرى وشفافية رابعة العدوية..
ولا يوجد تاريخ محدد لظهور الطرق الصوفية فى الإسلام ولكن البعض يرى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخص بعض الصحابة ومنهم سيدنا على كرم الله وجهه بأدعية وأوراد يقرأونها وهؤلاء يعتبرون ذلك بداية تاريخ التصوف..
ولكن الطرق الصوفية الكبرى مثل الشاذلية نسبة إلى أبى الحسن الشاذلى المغربى الأصل والذى يمتد نسبه إلى فاطمة الزهراء ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام تعتبر من أكبر الطرق الصوفية فى العالم الإسلامى وهناك الطريقة البرهانية والرفاعية والقادرية.. والبدوية.. والنقشبندية والتيجانية والجعفرية.. وكل طريقة من هذه الطرق تنسب إلى صاحبها من أهل التصوف..
وهذه الطرق انتشرت فى كل العالم الإسلامى بل إنها ساعدت على نشر الإسلام فى آسيا وأفريقيا والعالم العربى.. وإذا كان بيننا من لا يتعاطف مع الصوفية ويرى فيها موقفا سلبيا من الحياة والبشر فهناك من تأثر بها إلى أبعد حد.. والتصوف ليس قاصرا على الإسلام فقد كان طاغور متصوفا عظيما وكان الحلاج نموذجا للرفض والإصرار والتمرد..
أقول ذلك وقد تعجبت كثيرا من قرارات غريبة أصدرتها الحكومة أخيرا ولا أدرى على أى أساس جاءت هذه القرارات.. وما أسبابها.. ولماذا جاءت الآن؟
قرارات مريبة متعاقبة للدولة
فى الوقت الذى قررت فيه الدولة إلغاء مادة الدين فى مناهج التعليم وقامت بتأليف مادة بديلة اسمها الأخلاق.. فى هذا التوقيت صدرت مجموعة قرارات مريبة.. كان أول هذه القرارات إلغاء الاحتفالات بمولد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة رضوان الله عليهم.. وكانت حجة الدولة فى ذلك الوقت إنفلونزا الخنازير والخوف من التجمعات البشرية التى قد تساعد على انتشار المرض بين رواد هذه المناسبات.
وبالفعل ألغى مولد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وقد تشاءم الكثيرون من هذا القرار الغريب وقالوا إنه نذير شؤم على البلد أن تلغى احتفاليات آل البيت.. وكان من الممكن ان نغض الطرف عن إلغاء الموالد ولكن جاء القرار الثانى ليؤكد سوء النوايا فى القرار الأول فقد تم منع إقامة حضرات الذكر فى المساجد والزوايا الخاصة بالطرق الصوفية وهذه التجمعات تعتبر رحلات روحية مهما كانت تحفظات البعض عليها ولهذا كان قرار الإلغاء شيئا غريبا.
لم تكن صدفة أن تتدخل الدولة فى اختيار المجلس الصوفى الأعلى وكأنه يشبه انتخابات الحزب الوطنى.. فقد فرضت الحكومة المجلس الصوفى الذى تريده.. يمكن ان نفهم كل هذه الإجراءات على أساس أنها ضد التجمعات الكبرى بين المواطنين أثناء مأساة إنفلونزا الخنازير.. ولكن المنع الكامل لحضرات الذكر يحمل أكثر من رسالة وأكثر من معنى..
الصوفية محبة بعيدا عن السياسة
كلنا يعلم أن الطرق الصوفية تضم أناسا تعلو بهم أرواحهم إلى سماء أخرى غير تلك التى نعرفها ونراها.. وان المتصوفة رجال ونساء يحبون الله ورسوله ويعتبرون رحلتهم فى الحياة سفر مع الذات الالهية ومحبة آل البيت وأولياء الله الصالحين.. وهم لا يعرفون الحقد أو الخوف أو الضغائن.. إنهم مسالمون فى كل شىء.. ومن يقرأ تاريخ المتصوفين يجد رموزا كثيرة أضاءت هذا الكون بالتسامح والمحبة..
من يقرأ ابن عربى والحلاج وابن الفارض ورابعة العدوية والمرسى أبوالعباس والبوصيرى والسيد البدوى وكل هؤلاء يجد نفسه فى مكان آخر غير الأرض ويعرف أشياء تتجاوز حدود المعرفة التى اعتدنا عليها بين الإنسان والكون.. رغم كل ما وصل إليه الإنسان من مظاهر التقدم والحضارة مازال هناك شىء غامض يحمله إلى مشاعر تتجاوز الحدود والأشخاص والأماكن.. فلماذا نحرم الناس من أشياء تمنحهم قدرا من الراحة واليقين فى هذا الزمان الصعب المرتبك؟
ليس للمتصوفين دور فى السياسة بل إنهم الوجه المقابل للإسلام السياسى ممثلا فى القيادات الدينية التى حملت رسالة سياسية.. هناك فرق كبير بين أهل التصوف وأصحاب الفكر الدينى وإن كان البعض قد قدم نماذج فريدة جمعت بين الفكر والتصوف كما فعل الفيلسوف الإسلامى العظيم الإمام أبوحامد الغزالى رضى الله عنه فقد بدأ مفكرا متشككا متمردا وانتهى فى مواكب المتصوفين.. وما بين إحياء علوم الدين والمنقذ من الضلال مسافة كبيرة بين الفلسفة والتصوف..
وإذا كان الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه قد بدأ متصوفا فإنه لم يمكث كثيرا فى حضرة التصوف وانتقل إلى ساحة الفكر والإصلاح والرفض والسياسة وهذا يعنى أنه لا خوف على الأمن من حلقات الذكر.. ولا خوف على الاستقرار من مريدى الطرق الصوفية.. ولهذا تعجبت كثيرا من قرارات المنع التى شملت حلقات الذكر وموالد آل البيت.. إذا كان ذلك رفضا سياسيا فهو تفسير خاطئ لحلقات الذكر وما يحدث فيها.. وإذا كان قرارا أمنيا فهناك أشياء أخرى كثيرة أحق بالمنع..
إغلاق المساجد وتصاعد دور الإخوان
فى شبابنا كنا نذاكر فى المساجد حيث نجلس ونراجع المواد مع بعضنا وكانت أبواب المساجد مفتوحة طوال الليل ولم يكن أحد يمنعنا من ذلك وفى السنوات الأخيرة بدأت المساجد رحلة المنع أمام تسلل الإخوان المسلمون إلى شباب الجامعات وبدلا من أن يتسلل قادة الحزب الوطنى بالفكر والحوار إلى عقول الشباب أغلقوا المساجد..
وهذا ما تكرر فى الجامعات بدلا من أن يقترب رموز الحزب الوطنى الذى يدعى أنه حزب الأغلبية من الشباب من خلال تجارب سياسية وفكرية وحوار مشترك يقرر الحزب تجريم العمل السياسى بين شباب الجامعات.. هذا التخبط وصل بشبابنا إلى ما هو فيه الآن من التذمر والسطحية وعدم الإقبال على الحياة..
إن الحكومة فى صراع مع جماعة الإخوان المسلمين وهو صراع سياسى لا علاقة له بالدين فالجماعة تعترف أنها تعتنق فكرا سياسيا دينيا.. وهى تضع برامجها على هذا الأساس.. كما أن الجماعة تحمل تاريخا طويلا من الصراع مع عهود مختلفة بدأت مع ثورة يوليو وبقيت حتى الآن..
ومن الخطأ أن يحدث لبس فى نظر الدولة أو تداخل بين الطرق الصوفية والإخوان المسلمين أو أن نعتقد أن منع تدريس مادة الدين أو اختراع مادة جديدة اسمها الأخلاق سوف يغلق الأبواب أمام الإخوان المسلمون، لا أعتقد أن الإخوان ينتظرون مادة فى مناهج أو قرار بإغلاق مسجد لأنهم فى الحقيقة تجاوزوا فى تأثيرهم ودورهم كل هذه الحسابات أمام فشل التجربة الحزبية بكل تياراتها بما فى ذلك حزب الأغلبية..
منع الذكر لن يضر بالإخوان
لا أتصور أن يكون منع حلقات الذكر أو موالد آل البيت أو أولياء الله الصالحين سوف يضر بالإخوان المسلمين أو تحقق به الدولة إنجازا فى صراعها مع الإخوان.. إن الصوفية هم الوجه المتسامح للإسلام الوسطى فهم لا يعرفون العنف ولا يؤمنون بالسيرك السياسى وليست لهم مطامع فى سلطة أو منصب أو مسئولية.. إنهم هاربون من عبث الدنيا إلى راحة البدن والضمير..
لماذا نمنع الصوفية من متعة روحية لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد.. لماذا نمنع الموالد التى اعتاد المصريون أن يحتفلوا بها كل عام فى ذكرى الحسين وأم هاشم والسيدة نفيسة رضوان الله عليهم.. هل هى رغبة فى تكدير حياة المواطنين.. هل هى محاولة لإدانة كل شىء له علاقة بالدين تنفيذا لرغبات مسمومة ورياح فاسدة تتسلل إلينا من الخارج.. ماذا سيحدث إذا جلس المتصوفون فى أحد المساجد يناجون خالقهم ويشكون له ما حدث لهم فى هذا الزمان الكئيب.. وماذا سيفعل رواد ومريدى أضرحة آل البيت وهم يطوفون حبا لهذه الأماكن الطاهرة.. هل هو خوف سياسى.. أم خوف من التجمعات أم هو حصار لا مبرر له أم إنه مجرد استعراض لهيبة الأمن..
منع عبدة الشيطان أولى أم منع الصوفية!؟
هل استطاعت الدولة أن تمنع حفلات الزار وحفلات الرقص والعرى وما يحدث فى النوادى من حفلات صاخبة.. الغريب فى الأمر أن تجد من يدافع عن مطرب إنجليزى شاذ يقام له حفل فى القاهرة ولا تجد من يدافع عن أناس يذكرون الله فى جلسة صوفية..
ما الأولى بالمنع حفلات شباب موسيقى الميتال وعبدة الشيطان وجلسات المجانين وليالى السكر والعربدة أم حلقات الذكر التى يقيمها الصوفية، ما الأولى بالمنع حفلات العرى التى تطارد شبابنا على الفضائيات أم موالد السيدة زينب والحسين؟
إن مريدى هذه الأماكن الطاهرة من فقراء مصر وأهلها البسطاء الذين يتوافدون إليها من أعماق الريف.. هؤلاء الغلابة الذين يحملون همومهم ويلقون بها عند أبواب هذه الأضرحة.. جاءوا هاربين من بنوك التسليف الزراعى التى تطاردهم ومن أسعار المبيدات والأسمدة والبذور والأرض التى أجدبت أمام سياسات خاطئة.
هؤلاء الذين يطوفون حول هذه الأضرحة يطلبون الصبر ويسألون الناس الرحمة هم ضحايا المعاش المبكر وبيع القطاع العام ومصادرة أرزاقهم والذين طردتهم حكوماتنا الرشيدة من أعمالهم وباعتها للمغامرين والنصابين من رجال الأعمال.. هؤلاء الذين يقيمون جلسات الذكر فى الزوايا لم يجدوا شيئا يسعدهم فى الدنيا فهربوا إلى الله يرجون رحمته وغفرانه.
شىء غريب ألا تمنع الدولة حفلات عبدة الشيطان وتمنع جلسات يذكر فيها اسم الله.. شىء غريب أن تفكر الدولة فى إلغاء مادة الدين من مناهج التعليم وتقرر مواد للتربية الجنسية بالصوت والصورة.. شىء غريب أن تغلق المساجد أمام شباب فقير يريد أن يذاكر فيها وتفتح آلاف الأبواب لأغانى العرى والشذوذ فى النوادى والملاهى الليلية لا مانع أن يقام حفل ساهر لمطرب انجليزى شاذ ولا تقام أمسية لأحد رجال الدين الأجلاء.
قطيعة مغرضة مع الدين
لماذا كل هذه القطيعة المغرضة مع الدين.. لماذا نتصور أن هذه الإجراءات هى التى ستحمينا من التطرف والإرهاب.. لم نسمع يوما أن رجلا متصوفا ألقى حجرا وليس قنبلة.. ولم يكن تاريخ الصوفية فى كل مراحله فى الإسلام دعوة للعنف لقد كان دائما دعوة للتسامح والمحبة والزهد؟!
إن البعض يرى أن هناك حالة من الخوف من تسرب المذهب الشيعى إلى مصر وان حصار الصوفية محاولة لمنع الاختراق الشيعى.. وللأسف الشديد هؤلاء لا يدركون أنه لا علاقة بين المتصوفين والشيعة وأن حب آل البيت لا يعنى بالضرورة أن يكون الإنسان شيعيا لأن أكثر جماعات التصوف تنتشر فى الدول الإسلامية السنية.قرارات غريبة تنهال على رءؤسنا وأخشى بعد كل هذه الممنوعات من الموالد وجلسات الذكر أن نجد من يطالب بمنع إقامة الصلاة..
من الخطأ أن نتصور أن إلغاء حصة الدين أو تحويل مادة التربية الدينية إلى مادة اسمها الأخلاق أو منع جلسات الذكر أو منع الموالد أن ذلك يدخل فى مقاومة الإسلام السياسى لأن جميع هذه الأشياء أبعد ما تكون عن الإسلام السياسى مجسدا فى جماعة الإخوان المسلمين، قد تختلف مواقفنا وأفكارنا حول هذه الظواهر ولكن الشىء المؤكد أنها ظواهر دينية وليست سياسية بل هى أبعد ما تكون عن الفكر السياسى.
أمريكا والغرب يحاولان طمس هويتنا
ليس كل ما يطلبه الغرب منا صحيحا.. وليس كل ما تريده أمريكا قرارات لا تقبل الرفض أو النقاش.. لا يستطيع أحد فى العالم كله أن يتدخل فى طقوس الصلاة اليهودية.. ولم يستطع أحد أن يصدر بيانا يدين فيه حوادث الاعتداء الجنسى على الأطفال فى قضية الفاتيكان الشهيرة.. لا أحد منا يقبل الإرهاب باسم الدين.. ولا أحد يقبل التطرف الدينى بكل صوره وأشكاله.. ولا أحد يقبل العنف فى كل الحالات ولكن لا ينبغى أن نصبح نحن الجدار المائل الذى يعبث به الجميع من كل اتجاه..
لقد فرضوا علينا أن نهمل اللغة العربية وكان لهم ما أرادوا حيث أصبحت لغة غريبة بين أبنائها.. وفرضوا علينا أن ننسى كل تاريخنا بكل صفحاته المضيئة.. فالجهاد فى سبيل الله عدوان وهمجية.. والدفاع عن الأرض والعرض عصبية مكروهة والمقاومة سلوك ارهابى مرفوض.. وها هم يفرضون علينا أن نغير مناهج ديننا وأن نغلق كل شىء يذكر فيه اسم الله.. إن هذه المطالب المشبوهة هى التى ستفتح أبوابا جديدة للإرهاب.. وسوف تفرز أجيالا لا تعرف الرحمة.. هذه الأجيال التى ستخرج من أطلال غزة وحرائق وجبال أفغانستان.. وأطلال ما بقى من العراق.
كيف نتحدث بعد ذلك عن الحريات الدينية وبناء الكنائس والمساجد والزوايا ونحن نمنع الناس من ممارسة عقائدهم كما يرغبون وما جدوى هذا الحصار الدينى والفكرى والسلوكى فى وقت يتحدث فيه العالم عن الإصلاح السياسى..
محاولات مستمرة لهدم الثوابت
إن هناك اتجاها مخيفا فى العالم العربى لتدمير كل الثوابت التى تقوم عليها هذه الأمة ابتداء بالفكر وانتهاك بالسلوك.. إذا كانت لدينا بعض مظاهر الفكر أو السلوك التى تحمل سمات التخلف فنحن نعرفها ويجب علينا أن نعالجها ونقاومها ولكن لدينا تراث إنسانى عريق فى الفكر والفن والثقافة.. ولدينا دين سماوى عظيم ورسالة هزت أرجاء هذا الكون..
ولدينا لغة يحسدنا العالم عليها لأنها تجمع مئات الملايين فى ساحتها.. ولدينا تاريخ حافل بأمجاد كثيرة رغم مراحل الانحطاط والانكسار التى نمر بها الآن.. فهل يمكن تحت دعاوى الإرهاب ومعظمها دعاوى كاذبة ومضللة أن ندمر كل هذا التراث ونحطم ما بقى من الشخصية العربية؟.. هذه مطالب مغرضة ولا ينبغى أن يدافع عنها أحد..
لا يستطيع أحد فى هذا العالم أن يناقش الغرب فى لغته أو معتقداته أو سلوكياته أو أن يمنع شيئا من ذلك كله ولكن قرارات المنع تخصنا وحدنا.
قرارات بمنع تدريس الدين فى المدارس.
وقرارات بمنع جلسات يذكر فيها اسم الله.
وقرارات بإغلاق المساجد ليلا.
وقرارات بتدريس التربية الجنسية.
وقرارات بإقامة حفلات للمطربين الشواذ فى بلادنا.
ومطاردات يومية بعرايا الفيديو كليب وحفلات التليفزيون.
وقرارات بمنع موالد أولياء الله الصالحين ومنهم آل بيت رسول الله.
ماذا نسمى ذلك كله.. أليس فى ذلك انتهاك لكل مظاهر السيادة وحقوق الإنسان والحريات، أليس فى ذلك عدوان سافر على معتقدات الشعوب وثوابتها وتاريخها ولغتها؟ نحن نفرط فى أغلى الأشياء عندنا.. وسوف نندم كثيرا ولكن بعد فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.