أصبح الفساد غولاً مستفحلاً في معظم قطاعات الدولة ليتنوع ما بين فساد إداري واقتصادي وسياسي إلي آخر أنواع الفساد الذي نعانيه. وهذا الوضع ليس وليد اليوم ببل هو نتاج تراكم أخطاء سنوات وعصور سابقة غابت فيها الرقابة وتواري مبدأ الثواب والعقاب فأصبح الفساد متشعباً. أو كما وصفه أحد قادة الحزب الوطني سابقاً: "للركب" يحتاج جراحة عاجلة لتتبع آثاره وعلاجها من منابعها.. من هذا المنطلق جاء إعلان الرئيس السيسي عن اطلاق استراتيجية لمكافحة الفساد من خلال وضع الأهداف والسياسات والبرامج والآليات التي تكفل محاصرته وتفعيل ثقافة مجتمعية رافضة للفساد تستعيد ثقافة العدل والشفافية والنزاهة والولاء بدعم من أجهزة إدارية فعالة وصولاً إلي مجتمع يكافح الفساد مع رفع قدرات أجهزة مكافحة الفساد والتعاون مع كافة الجهات المعنية المحلية والاقليمية والدولية في مكافحة الجرائم المتعلقة به.. والسؤال: كيف يمكن تحقيق الاستفادة القصوي من هذه الاستراتيجية؟ وما هو دور كل منا في تفعيل دورها حتي لا تصبح مجرد لجنة تنضم إلي سابقاتها دون تحقيق أثر ملموس علي أرض الواقع؟. الاجابة في السطور التالية: استطلعنا آراء المواطنين حول كيفية مواجهة الفساد فجاءت اجاباتهم كالتالي: عادل قناوي مدير بإحدي شركات البرمجيات أكد أن الفساد لن يتم القضاء عليه في يوم وليلة خاصة ان مكافحته لابد أن تنبع من داخل الإنسان نفسه. لكن للأسف الشديد لقد أصبح داخلنا فاسد كبشر ليس علي مستوي الدولة والحكومة فحسب فقد تعلم البشر من الحكومات والسلطات الفاسدة فأصبحوا فاسدين. أوضح ان محاربة الفساد لابد أن تكون تدريجية فالفساد أساساً عبارة عن خلل في الخلق. والأخلاق تأتي من الدين فلابد أن نتعلم الدين بشكل صحيح لكي نتحلي بالأخلاق ونرفض الفساد لنبدأ بعدها في محاربة الفساد بكل قطاع. مضيفاً أن التصدي بقوة للفساد يستلزم تطبيقاً صحيحاً للقانون من الكبير للصغير لكي يشعر المواطن العادي بأن المسئول الكبير يطبق عليه القانون مثلما يطبق عليه. لكننا للأسف لا نشعر بهذا في مصر أبدا فالمواطن يقف في طابور ساعة أو ساعتين لكي يدفع مخالفاته ليفاجأ بلواء يتم تقديمه علي كل الواقفين في الطابور لكي يحصل علي رخصته. فوزي جرجس تاجر : محاربة الفساد تستلزم معاقبة أي مسئول يقصر في حق الشعب ولو وصل الأمر لإقالته واستبداله بآخر يخدم الناس. فهناك بسطاء انهارت بيوتهم وينامون الآن في الشوارع رغم انهم تلقوا وعوداً من المسئولين بتوفير مساكن بديلة. لكنهم للأسف لا يجدون مأوي حتي الآن.. والمفترض أن يتم إنشاء صندوق إعانة لمن يعانون مثل هذه الظروف مع معاقبة من وعدهم ولم ينفذ وعده. قال أحمد عادل مراقب أمن : إن الفساد توغل في مجتمعنا في الفترة الأخيرة وعلي اللجنة التي سيشكلها الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تتعقب منابع الفساد ومن يقفون وراءه. وعلي كل مواطن أن يبدأ بنفسه فرسولنا الكريم يقول: "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده...." وكلمة بيده لا تعني أن نستخدم القوة أو العنف بل أن نرفع الظلم عمن لحق به. المتابعة الميدانية سامية محمد ربة منزل: لابد أن تنزل لجنة مكافحة الفساد للشارع وتبتعد عن العمل المكتبي وتتابع كل جوانب الفساد بنفسها وتعمل علي إيجاد حلول لها. محمد الطويل عامل بمصنع : لابد أن نتكاتف جميعاً لمحاربة الفساد شعباً وجيشاً وشرطة وأن تكون قلوبنا جميعا علي البلد فمن يشاهد خطأ لابد أن يبلغ عنه بعيداً عن كلمة "وأنا مالي" التي أخرتنا كثيراً. العبرة بالتنفيذ المستشار عماد النجار مساعد وزير العدل الأسبق وصف الفساد بأنه عورة في جبين المجتمع مشيراً إلي أن هناك الكثير من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لمحاربة الفساد مثل أمن الدولة. والأمن العام والمباحث وغيرها. رحب النجار بتشكيل جهاز متخصص تكون مهمته مواجهة الخروقات التي تؤدي لانتشار الفساد. لكنه شدد في الوقت نفسه علي أن العبرة بالتنفيذ وبرفض المواطن نفسه للفساد والذي لن يتأتي إلا إذا كان مرتكبه يحصل علي العقاب الملائم فالفساد هو خروج عن الطبع المستقيم والمفترض ان تطبيق العقوبة في هده الحالة أمر لا فصال فيه. شدد المستشار عماد النجار علي أن لدينا قوانين كثيرة ولسنا بحاجة لاستحداث أخري لكننا بحاجة إلي إعمال القوانين القائمة بالفعل. خطة دولية وأكدت الدكتورة سلوي شعراوي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ان هناك خطة معينة اتبعتها معظم الدول في محاربتها للفساد وهي عمل استراتيجية. وتضمين عقوبات للمفسدين بالقوانين وتشكيل جهاز للرقابة وإعداد تقرير يقدم للبرلمان ولصانع القرار حول تطور الفساد في الدولة ثم تشكيل الوعي عن طريق وضع قضية الفساد في مناهج التعليم خاصة ان الفساد يتغير من مجتمع لمجتمع ومن ثقافة لثقافة. أضافت الدكتورة سلوي شعراوي: ان هناك بعض الدول تضع قواعد لتقبل الموظف العام للهدية بتحديد مبلغ معين إذا زاد عنه ثمنها توضع في متحف الدولة لذلك فليست كل هدية رشوة بل قد تكون الهدية أحياناً تعبيراً عن التقدير. لكن لابد من تقنينها سواء علي مستوي المسئولين والرؤساء. أو بالنسبة للموظف العادي. أي أن الطريقة المثلي لمحاربة الفساد في رأي الدكتورة سلوي هي وضع استراتيجية. ونص قانون. وجهاز متابعة ومراقبة لحالات الفساد بالإضافة إلي تقرير يرفع لصانع القرار سواء الرئيس أو البرلمان حول تقدم أو تأخر حالة الفساد في الدولة ثم التوعية في المناهج الدراسية بما يتلاءم مع حالة كل بلد. مفوضية مستقلة اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق قدم تصوراً شاملاً للمخطط الواجب اتباعه لمكافحة الفساد من خلال مجموعة من النقاط: أن يكون هناك مبدأ الشباك الواحد لمعاملة المواطنين بحيث يتقدم المواطن بأوراقه لشباك دون الحاجة إلي تردده علي الموظفين في مكاتبهم البيروقراطية والذي قد يؤدي إلي تعنت الموظفين للحصول علي ربح أو منفعة. وطالب المقرحي بضرورة إعادة النظر في كافة القوانين واللوائح المعمول بها في الهيئات لتنقيتها والاتفاق علي لائحة وقانون واحد علي أن تعلن تلك اللوائح في مكان ظاهر في مدخل المكان الذي يتردد عليه الجمهور في الإدارة أو المصلحة فيستطيع المواطن أن يري اللوائح والقوانين وعلي ضوئها يتقدم طلبه للشباك وليس لعدة موظفين. أشار المقرحي إلي انه يمنع منعاً باتاً زيارة الموظف في مكتبه أثناء العمل تحت أي مسمي ولو كان موظفاً زميله. وأن توضع قاعدة البيانات علي قدر الحاجة بمعني ألا يتاح لأي شخص التعرف علي ما يجري داخل المصلحة.. وهذا مبدأ متبع في الأجهزة الرقابية. أكد أيضا علي ضرورة اختيار الموظفين علي أساس الكفاءة والقدرة علي أداء العمل وأن يكون التقييم علي ما أنجزه الموظف في مصالح الجمهور. تساءل اللواء المقرحي قائلاً: لماذا لم يتم إنشاء مفوضية مكافحة الفساد؟ إن المؤتمر الذي عقد مؤخراًً لمكافحة الفساد لم يكن إلا ملتقي لتناول المشروبات. أما محاربة الفساد فتكون بتنفيذ الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والاتفاقية الدولية لغسل الأموال أو تبييض الأموال.. هاتان الاتفاقيتان يتم تفعيلهما من خلال إنشاء مفوضية مستقلة لا تتبع أي جهة من الدولة يصدر بها قرار جمهوري ويعين مديرها لأربع أو خمس سنوات فقط لا غير ويقدم تقريراً لحالته المالية والاجتماعية حال دخوله الجهاز ومرة أخري حال خروجه. ويخضع لقانون الرقابة لمدة عشر سنوات بعد خروجه كأي موظف علي أن يتم التحري عن العاملين بالجهاز من القوات المسلحة والشرطة ويتم اختيار العناصر ذات الكفاءة وملكة الانتاج. شدد المقرحي علي أن الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية في محاربة الفساد والعبور بالبلاد نحو الأفضل موجودة. لكنها لازالت في دهاليز الدولاب الإداري لأن محاربة الفساذ تقتضي تضافر كل الجهود. والوحيد القادر علي مواجهة الفساد هو المواطن المصري بألا يخضع للابتزاز وألا يطالب بغير حقه.