موجة غضب شديدة أثارها امتناع بعض عناصر جماعة الإخوان الإرهابية وأنصارهم الامتناع عن صلاة الغائب في مساجد الأوقاف عقب صلاة العشاء يوم السبت الماضي علي أرواح شهدائنا من أبناء القوات المسلحة الأبرار الأوفياء الذين نالوا الشهادة وهم يدافعون عن أرضهم ووطنهم ودينهم ويقاومون الإرهاب الغاشم. بحجة أنها صلاة مُسيَّسة وعلي من يساندون نظام حكم يرفضه الإخوان! تفجرت القضية عندما وجه القطاع الديني بوزارة الأوقاف برئاسة الشيخ محمد عبدالرازق. جميع الأئمة بالتوجه إلي مساجدهم لصلاة العشاء يوم السبت وأداء صلاة الغائب. علي الشهداء الذين يضحوا بدمائهم الزكية في سبيل كرامة وطنهم وأمتهم. ومواجهة قوي الشر والظلام. والهيمنة الاستعمارية وعملاءها من الخونة والمأجورين. من جانبها. أكدت لجنة القضايا الفقهية المعاصرة بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية. أن الصلاة علي الغائب مطلوبة ومشروعة بالسنة النبوية الصحيحة. فقد ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم عندما توفي النجاشي ملك الحبشة. وكان ملكا صالحا عادلا وقف بجانب المسلمين المهاجرين إليه عندما كانوا مضطهدين من المشركين في مكة أول الإسلام. وآواهم وأكرم وفادتهم. فلما علم النبي صلي الله عليه وسلم بوفاته أمر بالصلاة عليه. وصلي بالمسلمين إماما صلاة الجنازة وهو ميت في بلده. فكان غائبا عن محل الصلاة وذلك هو أساس تسمية صلاة الجنازة علي غير الحاضر في بلد المصلِّي ¢صلاة الغائب ¢ ومن ثم أصبحت الصلاة علي الميت الغائب مشروعة وسنة صحيحة أضافت: انعقد علي مشروعية صلاة الغائب إجماع علماء الأمة سلفًا وخلفًا وذلك لقوله تعالي: - وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ-"الحشر: 7". وقوله تعالي: - مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه- النساء: 80. وقوله صلي الله عليه وسلم: ¢صلوا كما رأيتموني أصلي¢ ومن خصائص الصلاة علي الميت الغائب أنها عبادة لله عز وجل. ويشترط لصحة أدائها نية التوجه لله بإقامتها عن حكم الممتنع عن صلاة الغائب أوضحت اللجنة الفقهية أن الدعوة إلي تركها بعد الأمر بها صدّ عن عبادة مشروعة لله عز وجل. ومنع المسلمين من أن يتقربوا إلي ربهم بتلك العبادة. كما أن فيها تكبيرًا وذكرًا لله. وفيها دعاء للميت الغائب ولسائر موتي المسلمين. ومن بينهم موتي الذين يؤدون تلك الصلوات. وبالتالي يكون المنع من قيامها بعد الأمر بها منعًا لعبادة الله بالذكر والدعاء الذي يتقرب به إلي الله سبحانه. كما أن في منعها بعد الأمر بها قعودًا عن الوفاء بحق ذوي القربي الأموات. وهم في رحاب ربهم. وظلمًا شديدًا لمن يعمل علي منع تلك الصلاة لأنه حرم نفسه من الدعاء لنفسه. ومن الثواب الذي سيعود عليه من القيام بها كعبادة مطلوبة. يثاب فاعلها ثوابًا عظيمًا كما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم :¢ من صلي علي جنازة فله قيراط. ومن انتظرها حتي يفرغ من دفنها فله قيراطان قالوا: وما هما؟ قال: القيراطان مثل الجبلين العظيمين¢. وفي حديث آخر فسر القيراط بأنه مثل جبل أُحد وهو ما يفيد أن ثواب الصلاة علي الميت الغائب له أجر كبير يضاهي في مقداره وزن جبل أُحد. ومن دعا إلي تركها فوّت علي نفسه هذا الثواب. إضافة إلي أنه قد جلب لنفسه إثم الصد عن عبادة مشروعة لله عز وجل. ومنع مساجد الله أن يعبد فيها ويذكر فيها اسمه بهذه الصلاة. الامتناع السياسي عن حكم الشرع في الممتنعين عنها بسبب الخلاف السياسي قالت اللجنة الفقهية : لا يجوز أن يكون الخلاف السياسي سببًا لمنع عبادة الله سبحانه لأن الوفاء بحق الله لا يجوز أن يسبقه في قلب المؤمن وعقيدته أي عمل دنيوي. حتي ولو كان هذا العمل متعلقًا بأمور الحكم والسياسة. لأن حق الله أولي. وهو مقدم في الوفاء علي غيره. وذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم :¢ اقضوا الله الذي له فإن الله أحق بالوفاء¢.كما لا يجوز الامتناع عن هذه العبادة بسبب أن وزير الأوقاف هو الذي دعا إلي إقامتها. ومن ثم أشاع البعض عن خطأ وعدم علم شرعي صحيح أنها صلاة مبعثها السياسة. ووجه الخطأ في ذلك. أن هذه العبادة تتعلق بالموت. وتوجه أنظار المسلمين وغيرهم إلي أنها نهاية كل حي. ولهذا فإن أساسها. وسبب مشروعيتها ينافي التعلق بالدنيا ويقطع كل صلة بالأعمال الملهية عن تلك الحقيقة. حتي ولو كانت من أمور السياسة والحكم. غير مسيَّسة أشارت اللجنة الفقهية إلي أن دعوة وزير الأوقاف للقيام بها تعتبر من الأمور الدينية والشرعية وليست من الأمور السياسية. فمن المعلوم شرعًا أن من أهم اختصاصات ولي الأمر ورئيس الدولة بلغة العصر. المحافظة علي الدين وإقامة شعائره الراتبة كإقامة الصلوات في أوقاتها وتهيئة أماكن القيام بها. وكبناء المساجد وحفظها. أو غير الراتبة مثل صلاة الاستسقاء. وصلاة الجنازة علي الغائب وغيرهما. كما أنه من المعلوم شرعًا أن ولي الأمر مختص بأمور تتعلق بتدبير شئون حياة الناس في الدين والدنيا. ومن ثم فإنه لا يمكن أن يمارس كافة المهام بنفسه. فكان لابد من الإنابة في تلك المهام بحيث يقوم مقامه من يسيِّر أمورها ويرعي شئونها. واستقرت السياسة الشرعية في فقهها القديم والمعاصر علي أن وزير الأوقاف في الدول الإسلامية يقوم مقام إمام الدولة في هذا الاختصاص فكان ذلك من أهم شئونه والدعوة إلي إقامة صلاة الغائب علي الميت وغيرها من العبادات غير الراتبة والتي تحتاج إلي تهيئة جميع دور العبادة للقيام بها تستلزم أمرًا من وزير الأوقاف المختص. حتي يستطيع المصلون أن يؤدوها في وقت واحد علي مستوي كافة مناطق الدولة أو محافظاتها. ويكون توجيه الوزير بأداء تلك العبادة عملاً شرعيًا ضروريًا للقيام بها. ويدخل في أهم اختصاصاته الوظيفية بصفته نائبًا عن ولي الأمر. أو إمام المسلمين. أو رئيس الدولة في ذلك. وأنهت اللجنة الفقهية بيانها بالتأكيد علي أن من الواجب علي المسلمين أن يوحدوا كلمتهم في الأمور المتعلقة بعبادة الله لأن الخلاف مهما وصل حدته لن يخرج أحدًا من عبوديته لربه. ولهذا لا يجوز الاختلاف في تلك المسائل التي تتدخل في باب عبادة الله تعالي وحقه لقوله تعالي: - وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ - "الأنفال: 46". وقوله تعالي: - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا -"آل عمران: 103".