الإسلام يرفض العنصرية. والأنانية. ويُعلِّم المسلم أن الآخر حتي وإن خالفك في الدين فهو: أخ لك في الإنسانية. وهو بهذا يرد علي المتطرفين الذين ينكرون مخاطبة غير المسلم بالإخوة مستشهدين بقوله تعالي : "وإخوانكم في الدين ومواليكم" فعند هؤلاء : أنه لا يجب أن تخاطب المسيحي. أو اليهودي أو غيره : بلفظ الأخوة. وهذا عندنا هو فهم ضيق من غير شك. فغير المسلم لم يمنع الإسلام مخاطبته بالأخوة. والقرآن يؤكد علي ذلك في قوله تعالي: وإلي مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله "وهم لم يكونوا مؤمنين بدينه. لذا قال لهم "اعبدوا الله" وخاطبهم بالأخوة وكذلك قوله تعالي "وإلي ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله" وقوله تعالي : "واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف". إذن لابد أن نقرأ النصوص من كل الوجوه لا من وجه واحد فقط. حتي لا نورِّط ديننا في حدود فهمنا الضيق. فديننا أجل وأرقي مما نتخيل أو نتوهم. ويجب علي الخصوم أن يكفوا عن محاكمة هذا الدين. وعن رشقه بالاتهامات الكاذبة. ففي الوقت الذي يدّعون أن هذا الدين هو ضد المواطنة والوحدة الوطنية. يؤكد القرآن الكريم علي تكذيبهم. ويبين سوء أهدافهم. فالإسلام هو أول من أقر المواطنة أو المعايشة. وأول من دعا إلي احترام الآخر. ونبينا تعايش مع اليهود في المدينة. وأعلن وثيقة المدينة التي تعد أول دستور منظم للمواطنة والتعايش السلمي بين الناس علي اختلاف أديانهم في العالم كله منذ نشأته فأقر في هذه الوثيقة أو الدستور: أن اليهود أمة مع المسلمين. وأن لهم ما لنا. وعليهم ما علينا. ودعا إلي المحافظة علي أرواحهم. وأموالهم. وأمنهم... الخ. وعلي الخصوم الآن أن يأتوا لنا بمثل هذه الوثيقة من أي حضارة من حضارات التاريخ ولن يستطيعوا. بل الرسول أقر فتح مسجده لنصاري نجران. وأكرم وفادتهم. وأحسن معاملتهم. ولما حضرت صلاتهم لم يقبل أن يؤدوها خارج مسجده- صلي الله عليه وسلم- فهل هذا النبي يقال عن دينه : إنه دين يدعو للتطرف والعنصرية ؟! بل في القرآن الكريم: واجب علي المسلم أن يحترم عقائد الآخر. خاصة عقائد المسيحيين بوجه عام. فالمسيح له تقدير مبجل في القرآن. وكاميرات القرآن تسلط علي وجهه وتنقل صورته للعالم بكونه : ¢وجيها في الدنيا والآخرة¢ ومن المقربين. وبجوار ذلك: احترم أم المسيح. وأعطاها شهادة العفة. والطهارة. والصّديقية "يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي العالمين" وقال سبحانه في لقطة أخري: "وأمه صّديقة" وجعل المولي سبحانه لها سورة باسمها في القرآن تسمي سورة مريم. واحترم عائلتها - آل عمران- وجعل لها سورة تسمي سورة -آل عمران- واحترم كافل أم المسيح سيدنا زكريا عليه السلام. وأقر أن المسيحيين هم أقرب الناس مودة للذين آمنوا. واحترم قساوستهم. ورهبانهم. وميّزهم بالذكر عن غيرهم في قوله تعالي: "ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" وبين طيبة قلوبهم ورقة مشاعرهم إذا عرفوا الحق وسمعوه : "وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين". وغار النبي علي المسيحيين وحزن. هو ومن معه من المؤمنين. يوم أن هَزم الفرس عُبَّاد النار الروم المسيحيين في عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فلطّف الله تعالي له الأجواء. وهدَّأ من حزنه وبشَّره بنصر قريب سيحرزه الروم أتباع المسيح علي الفرس. وحدده له: ¢بضع سنين¢ وذلك مسجَّل في القرآن الكريم في سورة الروم يتلوها المسلم آناء الليل وأطراف النهار. ليؤكد مدي الصلة الوثيقة بين الإسلام والمسيحيين وإن اختلفت عقائدهم. فلهم من المكانة في ديننا ما يجعلنا نحترمهم. ونجلهم. ونؤكد علي مشاركتهم لنا ومشاركتنا لهم في السراء والضراء. وعليه. نطالب العالم الذي يحاكم ديننا باسم المواطنة. ويدَّعي أننا لا نقرها ويسن قوانين لنا لنطبقها في بلادنا. نطالبه أن ينكر علينا هذا. ونطالبه أن يأتي بمثله في أي وثيقة حقوقية في العالم. بل في¢ مصرنا¢ المحروسة طبَّق عمرو بن العاص هذه التعاليم تطبيقا عمليا. يصفق له العالم. فوقت دخوله لمصر واستقبله القبط المصريون بكل ترحاب. بني مسجده بجوار كنيسة ماري جرجس المسيحية. ولم يهدم الكنيسة ليقيم علي أنقاضها مسجده. وما ذاك إلا لأن نبيه الذي جالسه ورآه وسمعه وتعلم منه نبل الخلق. ما دعا إلي هدم الكنائس. ودور العبادة للآخرين أبدا. ونادي باحترام أهل الكتاب. وقال: "من عاد لي معاهدا لم ير ريح الجنة. وإن ريحها ليعرف من كذا وكذا". وبناء علية نقرر. ونقول للجميع: كفّوا عن أكاذيبكم ومحاكمتكم لديننا. فالإرهاب ليس من ثقافتنا. ومن يفعله هو متحمِّل وزره "ولا تزر وازرة وزر أخري" والمواطنة من صلب عقيدتا. ومن يرفضها لا يعرف جوهر ديننا. والسلام شعارنا ومن يود معرفة ذلك فلينظر إلي تحيتنا اليومية التي علَّمها لنا نبينا لنرددها علي أسماع الجميع وهي "السلام عليكم ورحمة الله".