علي طول التاريخ. انساحت فكرة الخلافة في ربوع مختلفة من العالم الإسلامي. كل يفلسفها ويقوم بتأويلها حسب خلفياته الثقافية والاجتماعية ومبتغاه وأهدافه الموضوعية وغير الموضوعية. في حين نظر أصحاب التيارات المتمدينة والليبرالية إلي أن إحياء الخلافة الإسلامية لهو من الأساطير المؤسسة للعنف والاقتتال والاحتراب الأهلي. وما بين الجماعتين الدينية والليبرالية عاشت المجتمعات ردحا من الزمن الطويل. في حين ساهم الفكر الغربي في هذا السجال بأن تم استغلاله لتغذية النعرات وبؤر التوتر والانفعالات الطوائفية والفئوية. إلي أن وصلت الأمور إلي تعدد المرجعيات الدينية حول العالم من بلد الأزهر الشريف "مصر" إلي بلد المقدسات الإسلامية "السعودية" إلي بلد الخلافة الأخيرة "تركيا" إلي الدولة المذهبية الكبري "إيران" إلي بلدان أخري تسعي إلي نمط جديد من الخلافة مثل حركة طالبان في أفغانستان. فضًلا عن الحركات العنقودية التي تزعم قدرتها علي حكم العالم وليس الإسلامي فقط. في معية هذا التيار الرئيسي العام ظهرت تيارات وأفكار وجماعات أخري عديدة. بعضها لا يؤمن بالعنف. والبعض الآخر يدعي ذلك. لكنه يتحين السانحة التاريخية ليسوغ لنفسه شرعية القتل والتدمير. وتشكلت الظاهرة الإسلامية في رحلة تاريخية طويلة. بما استعصي معه إمكانية حصر هذه الجماعات العنيفة. وكان أبرز مثال علي هذه الأخيرة. ما تمارسه جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ 30 يونيو 2013. الأمر الذي استدعي التفكير مليا في البدائل الإستراتيجية الملائمة لملء هذا الفراغ الناجم عن نبذ المجتمعات الإسلامية للفكر الديني المتطرف. فضلاً عن المعاناة الحقيقية والممارسات اللا أخلاقية والمظاهر الوحشية والجرائم المضادة لإنسانية والتي لا تتورع مثل هذه الجماعات عن ارتكابها بهدف الترهيب والترويع. وفرض الدين بحد السيف. وهو ما رفضه الرسول الكريم "صلي الله عليه وسلم" وصحابته. والخلفاء والتابعين أجمعين. ونتيجة لحالة التيه هذه. أصبح التفكير في البدائل الإستراتيجية مستحوذا علي عقول الباحثين بحثًا عن خطاب ديني معتدل يوحد ولا يفرق . ويمكن حصر هذه البدائل في المكونات الأساسية التالية: 1- الجماعات الدينية الأكثر تنظيما والتي تتمتع بقواعد شعبية هائلة. فضلا عن منهجية تعاملاتها ومبادئها التي تقوم عليها من تسامح ولين ومحبة وكذلك احتواؤها علي مجموعات ضخمة ذوات النخب المثقفة والمكانة الاجتماعية الكبيرة. مثل الطرق الصوفية المعتدلة والمتوائمة مع متطلبات الأمن والسلم الاجتماعي والمنضوية تحت لواء ¢المجلس الأعلي الصوفي وعلماء الصوفية¢. والتي تمثل المرجعيات الأساسية للطرق الصوفية. 2- جماعات الخدمة المدنية والاجتماعية والدينية والتي لها رصيد واسع من الشبكات العنقودية والمتمثلة في الجمعيات والمدارس والمنتديات الفكرية والثقافية والتي يمثلها ¢جماعة فتح الله جولن¢ في تركيا وفروعها في العالمين الإسلامي والغربي. الرافضة للعنف الديني علي الطريقة الأردوغانية. والمعارضة لقمع المجتمع وإذلاله. وكذلك المنتدي العالمي الصوفي للشيخ خالد بن تونس في الجزائر. والذي يعد امتدادا شرعيا للشيخ عبد القادر الجزائري. وصلات هذا المنتدي ممتدة في العالمين الإسلامي والغربي. وكلاهما يعطيان نموذجا خلاقا للتعايش بين الأديان المؤسس علي الحوار الذي يعترف بالآخر ولا يقصيه. 3- الإسلاميون المستقلون. وهذه طائفة من المؤسسات التي تعمل وتجتهد في خدمة الإسلام باستقلالية وحياد. وتتمتع بشبكة صلات هائلة يمكن التعويل عليها في بناء نسق حضاري مسلم بطريقة عصرية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي. ورابطة العالم الإسلامي. والجمعيات الخيرية ذات الخلفية الدينية مثل مؤسسة مصر الخير ونظائرها في دول العالم الإسلامي. وما يميز هذه الاتجاهات أنها لا تعمل بالسياسة. ولا تخدم أي جماعة وظيفية. وبالتالي يمكن أن تتسهم بفاعلية في إنتاج خطاب ديني معتدل.. 4- الهيئات العلمية الرسمية وتمثلها المرجعيات الأساسية التي تقوم بتخريج طلاب العلم ومدارس التفكير مثل الأزهر الشريف في مصر. وهيئة كبار العلماء في السعودية وجامع الزيتونة. والمسجد الأموي في دمشق. وهذه تخضع لسلطة الدولة الرسمية في بلدانها. وتميل إلي الحياد الايجابي لخدمة طلاب العلم والحفاظ علي التماسك الديني والاجتماعي. والتصدي للفكر المتطرف الذي يدعي الأصولية والعودة إلي الجذور الأولي بأنماط من الممارسة الراديكالية التي لا تروق للمجتمعات. هذه البدائل جميعها تسقط عمليًا خرافة إحياء الخلافة أو الإدعاء بها علي أيدي مثل هؤلاء المتطرفين المدجنين بالعنف والمسكونين بالإرهاب. وإنما يتم إحياؤها وفق القيم والتعاليم الإسلامية فهي المنوطة بالإحياء الديني والروحي في القلوب والعقول الراشدة.