في الوقت الذي نري فيه أقلاما داخلية من أبناء وطننا الحبيب تغالي في عدائها ويتبع أصحابها الهوي في التحامل علي الأزهر الشريف ورموزه الأفاضل. دون حق مكتسب. أو برهان يقنع. نري علماء العالم الخارجي يأتون رجالا وعلي كل ضامر من كل فج عميق إلي ساحة الأزهر في مصر المباركة ليعلنوا ولاءهم. ومبايعتهم لشيخه الفاضل وعلمائه الأجلاء. ويسلّموا له الراية ليتقدمهم جميعا إلي ساحة المعركة الفكرية مع التطرف والإرهاب. وما فعلوا ذلك إلا بقدر معلوم. فهم يقدّرون الأزهر. ويعلمون قيمته وقامته ومكانته السامية في قلوب المسلمين. عكس ما تتوهم شرذمة من المثقفين في بلادنا المحروسة للأسف -! ولذا أود أن يكون هذا المحفل. أو إن شئنا فلنقل: العرس العلمي الذي أقامه علماء العالم للأزهر علي أرض القاهرة. أن يكون درسا أخلاقيا لمن حاد عن الصواب. وأراد أن يُنزل بالأزهر العقاب. لا لشئ إلا لكونه الأزهر الزاهر الذي يقف حجر عثرة - إن صح التعبير - أمام ضلالات الضالين. وانحرافات الغالين. فالأزهر يعرف رسالته. ولن يتنازل. أو يتكاسل في أدائها يوما ما. مهما كانت الموانع لذلك. ومن ثمّ ولَّي علماء العالم بمختلف ثقافاتهم. وأديانهم. ومللهم. ونحلهم. ومذاهبهم. وجوههم بكل ارتياح إلي هذا المعهد العريق. وحمّلوه رسالة تصحيح الفكر للمنحرفين. والمتطرفين. وبكل رضا. قبل الأزهر ذلك. وسمع آراء العلماء والباحثين جميعا. الذين حضروا المؤتمر. وشخَّص إمامه الأكبر في كلمته الساطعة. الداء الذي ساعد علي ظهور التطرف وانتشار الإرهاب. مبينا أن الدول الكبري. ومن ورائها إسرائيل هي التي أقلقت مضاجع الإنسانية. وأن اختلال ميزان العدالة في المجتمع الدولي هو الذي ساعد بقوة علي ظهور التطرف بهذا الوجه القبيح. ثم أخذ في وضع المضادات الحيوية القوية لفيروس الفكر الإرهابي العالمي. مبينا أنه لا علاج للفكر إلا بالفكر. وهذا هو دور علماء الأمة الذين يقودهم الأزهر. فلابد من تحديد المفاهيم التي يتستر الإرهابيون خلفها مثل: الجهاد. والحاكمية. والجاهلية. والتكفير والغلو. والمواطنة. وغير ذلك من مصطلحات يتكئ عليها هؤلاء. ويستخدمونها وسيلة لهم في هز أمن المجتمعات الإنسانية. والسلم العالمي. والأزهر سيوضح حقيقة هذه المصطلحات. ويُبيّن صحيح الدين فيها. وعلي الجميع أن يتحمل مسئولياته في تقديم هذه الأدوية للإنسانية. إعلاميا. وثقافيا. وسياسيا. بل سيطبع الأزهر الشريف الأبحاث التي خلص إليها العلماء في ذلك. وتُقدّم للعالم كله بلغاته - بإذن الله تعالي- وهذا ما ينتظره أبناء المعمورة من الأزهر الشريف حقا. فالمعالجات الأمنية والعسكرية وحدها لا يمكن أن توقف تيارات الفكر الضال. فالمتطرف قبل أن يحمل البندقية كان يحمل الفكرة التي حملته علي التسلّح بالنار ليحرق الأخضر واليابس. وديننا وإسلامنا برئ من ذلك تماما. فثقافتنا الإسلامية متمثلة في قوله تعالي: "فاصفح الصفح الجميل" وفي قوله تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" وفي قول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". إذن.. ديننا لا علاقة له بثقافة هؤلاء المتطرفين حتي وإن حملوا أسماء إسلامية. فالحق لا يُعرف بالرجال عندنا. بل الرجال يُعرفون بالحق. ومن ثّمّ وجه الأزهر كلمته التي أرداها منه علماء الدنيا باعتباره قائدا شرعيا لهم في هذا المحفل الكريم للغرب - كرسالة أولي - يقول فيها : كُفّوا عن محاكمة الإسلام باسم التطرف والإرهاب! فالتطرف ليس من ديننا. والإرهاب ليس من صفاتنا.وديننا يتعايش مع الناس جميعا علي اختلاف مشاربهم. ومذاهبهم. ولقد ترجم الرسول الأكرم - صلي الله عليه وسلم- لنا ذلك في مدينته المنوّرة به. وأقر مبدأ المواطنة بحق. حيث تعايش مع اليهود باختلاف طوائفهم. واستقبل وفد نجران المسيحي في مسجده. وأكرم وفادتهم. واحترم عقائد النصاري في نبيهم. فجعل الإيمان به. وبالرسل جميعا. أصلا من أصول الإيمان. واحترم مريم في القرآن. ودعا إلي المودة لمن لم يعادينا من هؤلاء بنص كتاب الرحمن. بل أقرَّ مصاهرتهم. وأكل ذبائحهم. واحترام موتاهم. وعدم المساس بكنائسهم. وقال: "من عاد لي ذمّيا فقد آذنته بالحرب" وفي رواية: "لم ير ريح الجنة " الخ. وعليه فمن يدَّعي أن الإسلام يدعو للتطرف. ويلصق به هذا المصطلح الكريه. لم يعرف جوهر الإسلام الصحيح. وعليه أن يبدأ في تعلّم ذلك من¢ كي جي وان¢ إلي الجامعة. أما رسالة الأزهر الثانية- للغرب- فقد كانت ضمنية. حيث أثبت حضور وفود أكثر من مائة وعشرين دولة إلي مصر المحروسة أن مصر آمنة بإذن الله كما بشّر بذلك نبي الله يوسف في الكتاب العزيز. وما رأي الضيوف فيها من كل بقاع الدنيا إلا أمنا. وأمانا. وتأكدوا أن ما يُقال عن مصر بأن الأمن فيها قد أمسك بعصا ترحاله. وولَّي منها مُدبرا. ما هو إلا شطحة خيال. أو وهم. وإضلال. والله المستعان.