الدكتور عبدالمقصود باشا واحد من أهم العلماء الخبراء في مجال التاريخ الإسلامي ورغم أنه يمر بفترة نقاهة بعد عملية جراحية دقيقة مر بها مؤخراً إلا أنه لم يتردد في الحديث مع "عقيدتي" مؤكداً لنا أن الأوضاع التي تعيشها مصر تلزم كل مصري وطني بأن يبذل كل ما في وسعه لرفعة شأن هذا الوطن. وفي حواره معنا يؤكد الدكتور عبدالمقصود باشا أن مصر تمر بمرحلة استثنائية تستلزم اتخاذ إجراءات استثنائية وعلي الإعلام أن يساعد في ذلك. مشيراً إلي أن الإسراف في استخدام مصطلح الخوارج جعل الغرب يلصق تهمة التطرف بالإسلام فقط رغم أن ظاهرة الخروج عن صحيح الدين ظاهرة لم تقتصر علي الإسلام فحسب بل عرفتها كل الأديان السماوية وحتي الأديان الوضعية. الدكتور باشا الذي يرأس قسم التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر أكد أن فتح أبواب المدن الجامعية لن يصب في صالح الجامعات ولهذا فلابد من إغلاقها أو بيعها لشركات تحولها لفنادق سياحية علي أن يتم تعويض الطلاب.. التفاصيل في السطور التالية: * يتهم الكثيرون - وآخرهم خالد الجندي - الأزهر بأنه المسئول عن انتشار التطرف فكيف ترد علي هؤلاء؟ ** لماذا يخطيء الجميع ويلقون نتائج أخطائهم علي غيرهم فالأزهر الشريف وكما عهدناه منذ أكثر من ألف ومائة سنة هو الحصن الحصين للإسلام وليس كما يشيع البعض أن الأزهر يتبني الفكر الوسطي وانما الأزهر يتبني الإسلام الصحيح لأن الإسلام الوسطي مصطلح خاطيء لأنه لو كان هناك إسلام وسطي فهذا يعني أن هناك إسلاماً يمينياً وإسلاماً يسارياً وهذا غير صحيح بالطبع فالإسلام ليس فيه تطرف ولهذا فإن من خرج بغير منهج الأزهر فهو خارج عن منهجية الدين فإذا كانت الدولة ومنذ سنة 1952 همشت الأزهر وهمشت رجاله وهمشت القيادات الدينية حتي تفوه أحد رؤساء مصر وهو الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائلاً إن شيخ الأزهر يفتي من أجل الفتة فإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص فإذا كان جمال عبدالناصر قال ذلك فماذا سيقول من كانوا ينافقونه وبالطبع فقد أدي ذلك إلي تشويه الأزهر وهمش دوره علمائه في مواجهة الكثير من الظواهر الاجتماعية السيئة وصولاً إلي ظاهرة التطرف والإرهاب الذي تعاني منه الأمة الإسلامية كلها اليوم. الأعمال الدرامية * ألا تتفق معي أن الدراما التليفزيونية والسينمائية لعبت هي الأخري دوراً سلبياً في تشويه صورة الأزهر وعلمائه؟ ** هذا صحيح فبنظرة فاحصة علي صورة علماء الدين في الأفلام والمسرحيات خاصة مسرحيات سهير غانم ستكشف لنا كيف نعامل أهل الفن مع علماء الدين حيث أظهروا عالم الدين في صورة هزلية ساخرة وهكذا نال الفن من مكانة علماء الدين ولابد أن نشير إلي أن الأعمال التي تنال من قيمة ومكانة علماء الدين لابد أن تتم مقاطعتها ومحاسبة صناعها واعتبارهم من معادل هدم الأمن المجتمعي وللأسف فإن من يزعم أنه فنان ويسخر أعماله للسخرية من الأزهر ومن علماء الدين يجد التقدير والتكريم من الحكومات المتعاقبة دون أن تدري تلك الحكومات خطورة ما تصنعه وهو ما يجعلنا نتساءل من سبب تحميل الأزهر جزاء ما صنعت أيدي الحكومات ويريدون من الأزهر اليوم أن يتصدي للمعركة في حين أنهم تسببوا علي مدار السنوات الماضية في نزع كل أسلحة الأزهر سلاحاً وراء الآخر. دعم الدولة * ولكن الدولة تقول دوما - سواء في السابق أو الحاضر - إبها تدعم الأزهر في معركته مع المتشددين والمتطرفين؟ ** للأسف هذا يحدث علي الورق فقط ولكن هل تستطيع أن تأتي لي بمثال واحد قامت فيه الدولة بالتصدي لمن يحاولون النيل من مكانة علماء ورجال الدين الإسلامي للأسف هذا لم يحدث أبداً والحكومات عندما تزعم أنها تدعم الأزهر لم تحاول البحث عن كيفية تحويل هذا الدعم من قول إلي فعل وللأسف فاليوم يطالب الجميع الأزهر يتصدر المعركة ورغم ذلك فنحن كعلماء دين علي استعداد لدفع حياتنا فداء لهذا الشعب ولشعوب الأمة كلها فقط نطلب الحكومات أن تساعدنا لا أن تكتفي بتحميلنا وزر العمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد بين الحين والآخر ونطلق علينا الفضائيات الخاصة التي تستضيف أشخاصاً لا علاقة لهم بالدين وينطلقون بحتاجرهم يهاجمون الأزهر ومناهجه ومعاهده وكلياته وللأسف فإن هؤلاء يجدون من المشاهدين آذاناً صاغية. اسأل عن الفضائيات * ولماذا من وجهة نظرك انتشر الجهل الذي قاد الناس للخروج علي صحيح الدين؟ ** الفضائيات أهم تلك الأسباب بل تأتي علي رأسها فالفضائيات أصبحت تستضيف أشخاصاً لا علاقة لهم بالعلم الشرعي بصلة ويقوم هؤلاء بخداع الناس بعشرات المصطلحات ليؤثروا في الناس ويغسلوا أدمغتهم وهكذا ظهرت علي ألسنة المصريين بل والمسلمين بشكل عام مصطلحات غريبة ما أنزل الله بها من سلطان لا يدرك الأغلب الأعم من قائليها معناها الحقيقي وانما يرددونها لأنهم فقط سمعوها من خلال شاشات الفضائيات ولذلك فأنا أطالب بقوانين ولوائح تمنع استضافة الفضائيات لأي شخص من غير المنتمين للأزهر للحديث في شئون الدين فالدولة في وضع حرج يستلزم اتخاذ إجراءات وقرارات استثنائية فلا مانع من إجبار القنوات الخاصة بقوانين جبرية تمنعها من تهديد أمن الوطن ولنا في التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة فعندما تقاعس الناس عن الجهاد واشتبك الشيعة علي السنة واشتبك الخوارج مع غيرهم أن أصدر الحجاج بن يوسف الثقضي أمراً بأنه لا يبقي في الكوفة ولا البصرة ولا العراق بأجمعها شعب قادر علي حمل السلاح ومن يبقي في بيته وهو قادر علي حمل السلاح أمر الحجاج بقطع رأسه وهكذا فإن الشدة التي نعيشها اليوم تجبرنا علي اتخاذ أي إجراءات استثنائية بهدف خدمة الأمن القومي المصري والعربي والإسلامي. * ومن له الحق في اتخاذ القرار الحاسم لمواجهة خوارج العصر ومن في حكمهم؟ ** هنا يكون اتخاذ القرار في يد الحاكم علي أن يستعين في ذلك بعدد من المستشارين الأمناء الذين يشخصون له الداء ويضغون له مقترحات العلاج وهنا يأتي دور الأزهر فقط لابد من وضع الأزهر في مكانته الحقيقية ووقتها تستطيع الدولة أن تحصل من الأزهر علي قوته الناعمة وهي القوة الوحيدة القادرة علي مواجهة خوارج العصر. خوارج العصر * ولماذا انتشر الخوارج في هذا العصر الذي نعيشه؟ ** إذا انتشر الفكر المغلوط وانتشر الفقه الذائف فلابد أن يزيد عدد الخوارج وهنا يثور السؤال وهو كيف نعرف أن من يتحدث في أمور الدين جاهل بما يتحدث فيه الإجابة ببساطة هو أن من لم يدرس أمور الفقه في جامعة إسلامية معتبرة لا يجوز له الحديث في أمور الفقه وهنا لابد من الإشارة إلي أهمية أن تمنح الفرصة كاملة للأزهر والأزهر فقط من أجل وقف تلك الترهات التي انتشرت في الشارع المسلم ولابد من أن يشرف الأزهر علي خطة لنشر دروس الفقه الإسلامي في كل مكان في الجامعات والمدارس والمساجد والفضائيات ولابد أن نعي أن الفقه ليس وضوء وصلاة فحسب فالقرآن الكريم مثلاً ليس به إلا 300 آية فقط تتحدث عن المعاملات وباقي القرآن كله يتحدث عن الأخلاق وللأسف فإن الناس لا تعلم من القرآن إلا سور الصلاة والصيام والوضوء وغيرها. داعش وأخواتها * هل من الممكن أن نعتبر داعش مثالاً صارخاً لخوارج هذا العصر؟ ** نعم فداعش خرجت عن صحيح الدين وهي نتاج لفكر مغلوط ونتاج لتمويل يهدف لهدم منطقتنا وهنا لابد أن نشير إلي أمر في غاية الأهمية وهو اننا نروج لمصطلحات غربية مثل استخدام مصطلح الشرق الأوسط. فالواقع يؤكد أن التاريخ الإسلامي بل والإنساني لم يعرف منطقة اسمها الشرق الأوسط ولا الشرق الأدني ولا الشرق الأقصي وهذه التسميات أطلقتها انجلترا وفرنسا من أجل أن تبين الأقرب لها من الأوسط من الأبعد وهذه المصطلحات تكشف لنا بشكل أو بآخر من الذي يحول داعش وغيرها من تنظيمات الأفاعي الذين يريدون بأوطاننا سوءاً والحل من وجهة نظري يكمن في ضرورة بتر تلك التنظيمات باعتبارها أوراماً سرطانية في الجسد الإسلامي. * يستخدم البعض مصطلح الخوارج بشكل جعل الغرب يقصر ظاهرة الإرهاب علي الدين الإسلامي فحسب باعتبار أنه الدين الوحيد الذي عرف هذا المصطلح واستخدمه.. فكيف نرد علي هؤلاء؟ ** هذا خطأ كبير وهو خطأ في استخدام المصطلح وهذا يعود لاختلاف اللغات وبالتالي اختلاف المصطلح ولكن الخروج علي صحيح الدين أمر عرفته كل الأديان السماوية بل وحتي الأديان الوضعية شهدت أموراً مشابهة فنجد أن هناك بوذيين متطرفين والجميع يعلم بمن فيهم مفكرو الغرب أن هناك متطرفين مسيحيين وهناك متطرفون يهود بل إن الواقع يؤكد أن المسلمين هم أكثر الشعوب تعرضاً لهجمات المتطرفين من الأديان الأخري وانظر مثلاً إلي أحوال مساجد الهند التي يهدم فيها بصورة يومية البوذيون والسيخ وغيرهم من الطوائف وكذلك المسجد الأقصي وما يتعرض له من خوارج اليهود ولكن للأسف فإننا بسبب تخلفنا الإعلامي وتفوقهم في هذا المجال في قصر التطرف علي ديننا والإسلام من ذلك بريء. * باعتباركم خبيراً في التاريخ الإسلامي هل مرت الأمة بفترة مشابهة للأحداث التي نراها وكيف نواجه التردي الفكري الذي قاد إلي ظهور الخوارج الجدد؟ ** بالطبع مرت الأمة بأحداث مشابهة وكان ذلك بسبب تصدي اشباه العلماء للساحة الفكرية وهو نفس الداء الذي نعاني منه اليوم لهذا فأنا أطالب بمنع كل برامج الإفتاء التي تبثها الفضائيات وتكون الجهة الوحيدة المنوط بها الإفتاء في أمور الدين هي دار الإفتاء المصرية وإذا فعلنا ذلك سننجح في مواجهة تلك الظواهر المقيتة. المدن الجامعية * كيف تري الوضع داخل الجامعات؟ ** لابد أن نعترف أن شغب طلاب جماعة الإخوان الإرهابية سيستمر طالما نحن نسمح لهم بمزيد من الاحتكاك والتدمير للبنية الأساسية للجامعات ومن هذا المنطلق فأنا أطالب بعودة الحرس الجامعي قلباً وقالباً وأطالب باتخاذ أقصي درجات العقوبة تجاه كل من يثير الشغب داخل الحرم الجامعي فالواقع يؤكد أنه استقامة لحال الجامعات إلا بدخول الحرس الجامعي إلي داخل كل الجامعات دون استثناء لا ليحرس الطلبة ولكن ليحرس المنشآت وكذلك لابد من عودة المحاكمات العسكرية لوقف تلك المهزلة التي نعيشها. * ألا تري أن تلك الإجراءات ستكون مبالغ فيها وستجد من يعارضها بشدة؟ ** لابد أن نعي أن استتباب الأمن في الجامعات لن يكون إلا بإجراءات حاسمة بل انني أطالب أيضاً بإغلاق المدن الجامعية وتأجير مقار تلك المدن لشركات كبري تدر ملايين والطالب المتفوق يحصل علي مبلغ مادي محترم يسكن به حيثما شاء انما أن يجلس ليأكل ويشرب وينام ب 60 جنيهاً فهذا ما يؤدي إلي تلك الغوغاء التي عانت منها المدن الجامعية العام الماضي ولابد أن يعلم الجميع أن المدن الجامعية شهدت خلال الفترات الماضية حالة من التسيب والإهمال فمثلاً المدينة يكون مقيداً بها 1000 طالب فنجد بها عشرة آلاف طالب لتواطؤ الطلاب مع بعضهم البعض وتحولت المدن الجامعية إلي أوكار لابد من إغلاقها وبالتالي لابد من تأجيرها لكبري الشركات من أجل تحويلها لفنادق يستفيد منها المجتمع وتستفيد منها الجامعات. * ألا تري أن ما تتحدث عنه قد يتم تفسيره علي أنه قاس للغاية؟ وبه نوع من الظلم للطلاب؟ ** إذا نظرنا للأوضاع التي نعيشها سندرك اننا نعيش أوضاعاً استثنائية تستلزم منا اتخاذ إجراءات استثنائية للضرب بيد من حديد علي يد كل من يفكر بسوء تجاه الوطن الذي نعيشه.