* هددت داعش بقتل الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف إذا لم توقف أمريكا هجماتها عليها .. فما كان من والدته إلا أن وجهت رسالة توسل إلي زعيم داعش ترجوه فيها أن يعفو عن ابنها اقتداء ً بالنبي محمد وقالت له "إن ابني ليست له سيطرة علي السياسة الخارجية الأمريكية".. ولكن داعش لم تستجب لندائها وأعدمت ابنها * وهنا يأتي سؤال مهم جدا.. هل المواطن مسئول عن سياسة دولته؟ * وقد طرحت هذا السؤال وأجبت عليه في كتبي القديمة منذ عشر سنوات حينما أحدثت القاعدة خرقا في الفقه الإسلامي بتبنيها لنظرية ¢القتل بالجنسية¢ عام 1997حينما دعت إلي قتل كل أمريكي ويهودي في العالم.. ناسية أن المسلمين الأوائل قاتلوا الروم والفرس ولم يقل أحد من فقهاء الإسلام بقتل كل رومي أو فارسي .. بل إن الإسلام سبق القانون الدولي الحديث في النهي عن قتل المدنيين وذلك بنصوص واضحة لا لبس فيها.. فهذا نبي الإسلام يهتف بميزان العدل في جيوشه أمرا: "لا تقتلوا طفلا ً ولا امرأة ولا فانيا ولا زمني "أي المريض" ولا راهبا في صومعته". * وهذا عمر بن الخطاب يقول ¢لا تقتلوا الفلاحين الذين لا يناصبونكم العداء¢ والفلاحون تعبير يعبر في عصره عن المدنيين غير المقاتلين أو المنخرطين في الجيوش. * ونعود إلي السؤال الأول مجددا: هل المواطن مسئول عن سياسة دولته؟ * والإجابة أن المواطن ليس مسئولا عن أبيه ولا أمه ولا أخيه ولا حتي ابنه.. فكيف يكون مسئولا عن سياسة دولته.. وهو ليس من صناعها ولا من أهل التأثير الحقيقي فيها.. قال تعالي¢أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةى وِزْرَ أُخْرَي وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلَّا مَا سَعَي¢.. وليس ما سعت فيه حكومته أو قامت به دولته .. إنها شخصية المسؤولية والعقوبة أيضا التي سبق بها الإسلام القانون الوضعي ب15 قرنا كاملا. * وينطبق هذا علي الدول الديمقراطية أو الديكتاتورية.. ففي الديكتاتوريات لا قيمة للمواطن.. وفي الديمقراطيات قد يفوز الرئيس بفارق 1%.. أي أن 49% من شعبة لا يرتضونه ولا يوافقون علي سياساته.. وهذا ما حدث مع جورج بوش الابن.. وكان 65% من الأمريكان يرفضون غزو العراق في استطلاعات الرأي الأمريكية. * وعندما رددت علي هذه الفكرة الغريبة رد علي َّ د. أيمن الظواهري في أحد كتبه قائلا: إن الأمريكي يدفع الضرائب التي تمول الجيش والسياسة الأمريكية فهو بذلك مسئول عن كل ما تفعله دولته؟ * فكتبت ردا عليه وعلي هذه الفتوي العجيبة وغير المسبوقة قائلا : الضرائب قديمة قدم الزمان.. وهي إجبارية وليست اختيارية.. ويصرف مئات المصارف أحدها الإنفاق علي الجيوش.. وقد كان الفرس والرومان وكل الأمم التي حاربها المسلمون يدفعون الضرائب ولم يحدث في تاريخ الفقه الإسلامي كله أن قال أحد الصحابة أو التابعين أو السلف أو العلماء بقتل كل رومي أو فارسي.. أو بأن المواطن مسئول عن سياسة دولته.. أو أن المواطن العادي الذي جاء مع الحملة الصليبية مثل الزوجات والأبناء والأمهات مسئولون عن جرائم الحملة الصليبية. * وهذا كله يذكرني بما فعلته المجموعات الليبية المسلحة ومنها أنصار الشريعة مع المصريين الذين يعملون في ليبيا.. حيث ضربوهم بالرصاص أو داسوهم بالأحذية وهم يقولون لهم: ¢خللي السيسي ينفعكم¢.. كما ذهبت هذه الميليشيات إلي مساكن العمال المصريين وقتلوا المسيحيين منهم بحجة مسئوليتهم عن عزل مرسي.. مع أن هذا المواطن المصري المسكين لا شأن له بالسياسة والحكم من قريب أو بعيد.. وقد يمكث شهورا في ليبيا لا يعرف عن أخبار السياسة في مصر أو العالم شيئا. * إن هذه الفتاوي البائسة التي تتناقلها أجيال الجماعات التكفيرية أمثال القاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وأنصار الشريعة وجبهة النصرة جيلا وراء جيل تمثل أكبر خطر علي الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية الغراء الرحيمة والحكيمة.. وإذا كان الإنسان ليس مسئولا عن ابنه ولا يستطيع أن يتحكم في تصرفاته.. فهل يكون مسئولاعن سياسية دولته؟!. * فالطغيان الأمريكي لا ينبغي أن ينسينا قاعدة العدل القرآني "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمي عَلَي أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي".. وشنآن: أي ظلم وبغي. * لقد كانت أم ستيفن أعقل وأحكم من داعش حينما حاولت أن تفهمها أن ابنها وأمثاله لا يتحكمون في سياسة أمريكا.. وأنه أقل شأنا من ذلك.. ولكنها كانت تخاطب من لا يرحم ولا يعقل ولا يفقه ولا يعفو.