انطلقت مؤخراً دعوة شبابية علي الفيس بوك تحت شعار "بلدنا مش عايزانا .. وبتدينا علي قفانا" تدعو إلي الهجرة الجماعية من الوطن الي الدول الأوروبية رغم مخالفتها للقوانين والأعراف الدولية بالاضافة الي ما فيها من مخاطر علي الحياة والغرق في البحر المتوسط. اختلفت الأراء حول هذه الحملة ما بين مؤيد لها ورافض لها من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يناقش المشكلة من مختلف الجوانب وكيفية التعامل معها وهل هي من الهجرة المباحة شرعاً بحثاً عن الرزق أم أنها مخالفة لتعاليم الدين الذي يدعو لبناء الأوطان. في البداية أكد الدكتور أحمد حسين. الأستاذ بجامعة الأزهر ووكيل كلية الدعوة علي أن الهجرة في حد ذاتها مشروعة ولا غبار عليها لآن أي انسان تضيق معيشته في بلده عليه أن يفكر في الهجرة لتحسين أحوال لقوله تعالي : " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة" ولهذا فإن الانسان مطالب أن يسعي علي رزقه في أي مكان في الإطار الفردي أما أن نري مثل هذه الدعوات للهجرة الجماعية ولهذا أعتبرها نوع من العميان المدني والخروج علي النظام العام وقانون الدولة . فمثل هذه الدعوة يمكن أن تحدث نوعاً من البلبلة وزعزعة الأمن في البلاد خاصة في ظل الظروف المتدهورة التي نعيشها من ارتفاع في نسب البطالة وانعدام فرص العمل وعدم القدرة علي الزواج وتوفير سكن آدمي لكل شاب . وفي ظل هذه الظروف عندما تخرج مثل هذه الدعوات فهي كفيلة بقلب الأمور رأساً علي عقب وإحداث نوع من الفوضي داخل المجتمع. أضاف : هذه دعوة خبيثة لابد من التصدي لها بكل قوة حفاظاً علي أمن البلاد واستقرارها وان حاول القائمون علي هذه الدعوة انزع العظاء السياسي فهذا شئ غير حقيقي وغير صحيح لأن هذه الحملة تهدف لعمل فرقعة داخل المجتمع وخاصة أن مصر تمتلك ثروة بشرية هائلة يمكن توظيفها داخلياً وخارجياً واذا نجحنا في ذلك فستحقق نهضة منقطعة النظير. وتساءل الدكتور أحمد : أين البلد الذي يستوعب هذا الكم الهائل من الشباب في وقت واحد ؟ وأين الوظائف التي سيعملون فيها؟. وشدد علي أنه لايعارض هجرة الشباب عن فرص عمل أفضل لهم ولذويهم خاصة كما أنه يعودون بالخير الكثير لبلادهم فتحويلات العاملين بالخارج تساهم بنسبة كبيرة في الدخل القومي وتعد مصدراً أساساً من مصادر الدخل القومي. وطالب د. حسين بضرورة مقاطعة هذه الدعوات وعدم الانسياق وراء ما حتي لا تأخذ أكثر من حقها وتخلخل المجتمع وتهد بنيانه. "دعوات هدامة" ووافقه الرأي الدكتور عبدالفتاح العيواري أستاذ ورئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر قائلاً : في تقديري أن هذه دعوات هدامة ومن أطلقها ويروج لها هم أناس أصحاب أغراض مشبوهة يريدون التلويح أنه لايوجد في مصر عيشة هنية وهذا الكلام منافي للواقع تماماً فالفقير يعيش في مصر وكذلك الفني والكل قانع بحاله فالقناعة ليست في المال انما في الرضا وقبول الحال .. فمن يدعو الشباب لهجرة بلادة وتركها يريد أن يقول بنفسه الخثيثة أن مصر تطرد أبناء ما وتلفظهم ومصر لن تفعل ذلك فهي الحاضنة دائماً لأبنائها والراعية لهم وان تعثرت في فترة من الفترات فعلي أولادها أن يقفوا بجانبها ويشدوا علي أزرها لأنه لن يكتمل حضارتها الا بسواعد نسياها فهم جيل المستقبل وعلي أكتافهم ستنهض مصر. وأضاف د/ عبدالفتاح : لاشك أن هذه الدعوة مشبوهة لأنها تستغل ضيق ذات اليد عند البعض وتضع السم في العسل فليس معني أن البعض يعاني من بعض الضيق أن نهاجر ونترك أوطاننا كما أن فرص العمل لدينا لاحصر لها ما علي الانسان الا أن يسعي ويجتهد ويقبل بأي عمل شريف ولا يقع شروطا لكي يعمل فبالعمل يرتفع شأن الانسان وترتقي الأمم. وأشار إلي أن الشباب الذي يروج لهذه الدعوة يحمل في نفسه خبثاً لمصر لأن الاختلاف مع السلطة الحالية لايدعو علي الاطلاق لاخراج مثل هذه الدعوات فمحبي العقيدة الحقيقيين عقيدتهم تحتم عليهم حب أوطانهم والعمل من أهلها لا هدمها وزعزعة أمنها. واستطرد : حينما كنت في اعارة في إحدي دول الخليج كنت أشعر بغربة منقطعة النظير رغم أنني كنت أقدم رسالة وأعلم الناس أمور دينهم فما بالنا بمن يردوا وهذا الهراء. وشدد علي أن هذه الصفحات هدفها الأساسي تفريغ مصر من شبابها بحجة ضيق الحريات وعدم استقرار الأوضاع الأساسية .. لذا يجب علينا جميعاً أن نرد علي هؤلاء بالعمل الجاد وبذل مزيد من الجهد من أجل اعمار الوطن والعمارة لاتكون الابا لجهد وبذل العرق. ولفت الي أنه لم يثبت علي صحابة رسول الله أنهم هاجروا وتركوا أوطانهم لعدم وجود فرص عمل وعلينا الاقتدار بصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وطالب ولاة الأمور بصد ومنع مثل هذه الدعوات الهدامة لم نعكسة في الرأي العام العالمي أن مصر تطرد أبناءها ولهذا أثر كبير علي الاوضاع الاقتصادية والاستثمارية وهذا ما يريده وهؤلاء أن يعزف رجال الأعمال والمستثمرون عن مصر ويستثمرون في أي مكان آخر. "دعوة مشبوهة" قالت الدكتورة فريدة علي خليفة أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر قد تكون هذه الدعوة مدسوسة يقف وراءها اناس يعملون ضد مصلحة الوطن هم في حقيقة أعداء لهم ولا علاقة لهم بالوطنية من قريب أوبعيد. وأضافت : كلنا يري ويشاهد مأسي الشباب الذي يهاجر بطريقة غير شرعية ويتكبد خسائر لاحصر لها تودي بحياته في نهاية المطاف وبرغم ذلك لا يرتدع ولايتراجع هذا الشباب معذور لانه لم يجد في بلاده العمل الذي يساعده علي قضاء حاجته وتلبية متطلباته لكن في ذات الوقت كان عليه العمل داخل بلده أي عمل شريف بدلاً من أن يلقي بنفسه إلي التهلكة. وأشارت إلي أن البلد لا تتقدم ولا تبني حضارتها إلا علي أيدي شبابها فالدول الغربية تعاني من نقص شديد في أعداد الشباب ولديها قاعدة عريضة من كبار السن والمسنين. والمطلوب أن الشباب قد يتفاعل مع مثل هذه الدعوات علي شبكات التواصل الاجتماعي لكنه يلغطها ويرفضها برمتها علي أرض الواقع لأنها مؤامرة علي أمن مصر واستقرارها. "أسباب المشكلة" وتناولت خيط الحديث الدكتورة مني عبدالجليل مدرس الاعلام بجامعة الأزهر قائلة : قبل أن نتصارع في القاء اللوم وتهم العمالة والخيانة لهؤلاء الشباب أصحاب هذه الافكار لابد أن نعرف ونسعي جيداً أننا أمام مشكلة ولابد من البحث لحلول لها وكما يقول ويؤكد خبراء الاقتصاد أن أحد أهم الاسباب التي أدت إلي ظهور هذه المشكلة هو عدم وجود فرص عمل كافية لاستيعاب الكفاءات الشبابية الهائلة وتوظيف حماسهم للعمل والانتاج وكذلك البطالة الناشئة عن الاقتصاد المغلق التي طالت مختلف شرائح الشباب من أعمار مختلفة وما أدي إليه ذلك من ظهور أعراض الاكتئاب والضغط النفسي التي أصبحت تسيطر علي فئة الشباب كل ذلك يحدث تزامناً مع وجود ضغوط سياسية وعدم الاهتمام بالشباب من قبل الحكومات المتعاقبة أضف إلي ذلك الارتفاع الشديد في مستوي أسعار المواد الأساسية بشكل لافت ومن الجانب الآخر نجد تناقصاً رهيباً حيث الازدهار الاقتصادي السريع بين بعض الأسر التي هاجر أحد أفرادها مقارن بما هو موجود في بلاده هذا مع الانبهار بالحياة الغربية التي تلبي طموحات الشباب المتحمس وخاصة اذا كان الغرب هو الولاياتالمتحدةالامريكية التي ينبهر العالم بأسلوب حياتها ومعيشة سكانها الراقية. وأضافت أتوقف عند هذا النوع الأخطر من أنواع الهجرة وهو ما يعرف بهجرة العقول أو أصحاب الشهادات العليا لأن أوطانهم لا توفر لهم مجالات عمل تناسب ومستوي مايحملون من شهادات فيشكلون بذلك خسارة كبيرة لبلدانهم .. لذا أري أنه من الأفضل العمل علي إنتفاء مسببات الهجرة وترسيخ دعائم اقتصاد منفتح والاستفادة من الطاقات الشبابية وتوفير العمل للعقول المهاجرة وأصحاب الكفاءات مهما تكلف الثمن بدلاً من تركهم يهاجرون مرغمين حتي يمكن تفجير طاقات الشباب الابداعية والاستفادة منهم في بناء أوطانهم التي هي في أمس الحاجة إليهم.