أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة القاهرة وعضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي شاءت حكمة الله سبحانه وتعالي أن تكون الأرض هي دار الاختبار والابتلاء للإنسان. وأن تكون هذه الأرض أيضاً مستقراً وموطناً للبشر إلي حين حيث أخبرنا الله بذلك في سورة البقرة: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين" البقرة: .36 وقد جعل الله سبحانه وتعالي الإنسان خليفته في هذه الأرض يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه. فالأرض ملك لله فهذه حقيقة بديهية فهو خالقها من العدم. وقد قرر سبحانه ذلك في آياته حيث يقول: "ألا إن لله ما في السموات والأرض" يونس: .55 وبالرغم من ملكية الأرض لله فإنه عندما خلقها لم يخلقها عبثاً بل خلقها لتكون مستقراً للناس كما أوضحنا. وقد يسر سبحانه وتعالي الانتفاع بما في هذه الأرض من ثروات ونعم وكنوز "الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها" إبراهيم: .3432 فالأرض بذلك من الله للناس. ويؤكد ذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم "عادي الأرض لله ولرسوله.. ثم هي لكم". والأرض العادية هي القديمة التي لا عمارة بها سواء كانت بها عمارة وخربت أو لم يسبق تعميرها. والمراد بالحديث واضح فلا ملكية أصلاً للأرض إلا لله ثم هي منه للناس. وبما أن الله قد سخر هذه الأرض للناس فإن ذلك لرسالة وغاية عظمي ألا وهي اختبار البشر ومعرفة المحسن من المسيء "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" الملك: .2 وقد كلف الله الإنسان بعمارة هذه الأرض عمارة واسعة لتستمر الحياة عليها حتي تتحقق الغاية من خلق البشر. فالله بذلك قد ألقي علي الإنسان عبء عمارة الأرض وجعل هذه العمارة جزءاً من رسالته السامية وزوده بالنعم التي تجعله مؤهلاً لهذه المهمة. ثم يأتي القرآن مؤكداً علي هذه الحقيقة حيث يقول سبحانه وتعالي: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" هود: .61 قال القرطبي في تفسيره: قال بعض الشافعية: الاستعمار طلب العمارة والطلب المطلق من الله تعالي علي الوجوب. وقال الجصاص: "وفيها.. للدلالة علي وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية". وعلي ذلك فإن علي الإنسان أن يقوم بتنفيذ مشيئة الله سبحانه وتعالي في تعمير هذه الأرض خاصة أن الله قد مكن الإنسان فيها حيث يقول سبحانه وتعالي: "ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش" الأعراف: .10 وقد تحدثت الآيات القرآنية عن العلاقة بين الإسلام والتعمير. ولو تأملنا سور القرآن لوجدنا أن الله سبحانه وتعالي قد اختار أسماء بعضها مما له ارتباط بالعمارة: "كالبلد" و"الحجرات" و"الكهف" كما جاءذكر العمارة لفظها واشتقاقها في سور عديدة منها "الطور" و"هود" و"الرعد" والتوبة" و"الروم" كما ذكر القرآن أسماء لبعض المدن مثل "بكة" و"المدينة" بالجزيرة العربية و"سبأ" باليمن و"مدين" بفلسطين و"إدم" بالعراق و"مصر". كما أوضح لنا القرآن أن أول بيت وضع للناس للعبادة للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين وهو بيت الله الحرام. كما يوضح لنا القرآن أيضاً أن أول مستوطنة عرفها الإنسان علي الماء كانت سفينة نوح "وحملناه علي ذات لواح ودسر" القمر: 13. والمقصود هنا سفينة نوح. وقد أقسم الله ب "البيت لمعمر والسقف المرفوع" كما امتدح الذين يعمرون المساجد بإقام الصلاة فيها أو ببنائها وصيانتها حيث يقول سبحانه وتعالي: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة" التوبة: .18 ثم يوضح لنا الله جلت قدرته أنه خير المبدعين لعمارة الكون حيث يقول سبحانه وتعالي: "أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها" النازعات: ..27 وأيضاً يقول: "الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء" البقرة: .22 ولا نحسب أن بعد هذا تكريماً وإعلاء للتعمير والعمران والبنائين ومخططي القري والأمصار.