لم يحدث لغط حول قضية من القضايا مثلما حدث حول موضوع ¢موقف الإسلام من الآخر¢ سواء علي مستوي الداخل أو الخارج وهذا ما دفع المفكر الإسلامي الدكتور محمد أبو ليلة . الرئيس السابق للدراسات الإسلامية باللغة الانجليزية - جامعة الأزهر ومؤسس ¢الجمعية الثقافية للتواصل الحضاري ¢ إلي تأليف كتاب حول هذه القضية الحيوية مستندا فيها إلي تجربته الطويلة في الغرب من خلال المعايشة والمطالعة والتواصل حتي الآن ** ما هو السر في اهتمامك بهذه القضية الحيوية؟ ** سر اهتمامي بها إيماني بأن الإسلام دعوة عالمية تخاطب الإنسان أيًا كان لسانه أو جنسه أو ثقافته أو هويته.فهو لا يخص أمةً بعينها ولا يستثني من عموم خطابه أمةً من الأمم أو فردًا من الأفراد. ولذلك فقد تنوعت الوسائل والطرق التي من خلالها عرض الإسلام دعوته علي الناس جميعًا دون أن يفرضها علي أحد أو يكره أحدًا علي قبولها فقال تعالي:¢ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعى عَلِيمى¢. جذور القضية ** لو أردنا أن نتناول القضية من جذورها فما هو موقف الإسلام من الآخر المختلف مع أتباعه في العقيدة ؟ ** يكفي أن نذكر أن القرآن قرر أن الناس جميعًا جاءوا من أصل واحد لأن الإنسانية كلها يرجع خلقها إلي إله واحد وهو الذي خلق وتعهد ببقاء المخلوق إلي الأجل المسمي له. وهو الذي خيره وهداه وكما ينتهي أصل الناس جميعًا إلي تلك العلقة اللزجة المتماسكة والمتعلقة بأصلها ولهذا فإن الناس تتعلق أمور حياتهم بعضهم بعضًا. كما يقرر الإسلام بأن الناس خُلِقوا مختلفين لا من حيث الخصائص الإنسانية وإنما من حيث المدارك والنوازع والقدرات والميول. وذلك حتي يتم التعاون وتبادل المصالح والأفكار والخبرات فيما بينهم علي أساس هذا التنوع وهذه التعددية فقال الله تعالي: ¢ لِكُلّي جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَي اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ¢. اختلاف البشر ** كيف ينظر الإسلام إلي الاختلاف بين البشر ؟ ** جعل الله تعالي الاختلاف والتنوع في الكون وفي خلق الإنسان من دلائل قدرته وحكمته.بل جعله آية من آياته فيقول الله تعالي: ¢ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتي لِلْعَالِمِينَ¢ . وجعل مقياس التفاضل التقوي وعمل الخير فقال الله تعالي: ¢ وَلِكُلّي وِجْهَةى هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِّ شَيْءي قَدِيرى¢. التزييف الإعلامي ** يكثر الحديث في وسائل الإعلام الغربية وأبواق الدعاية السياسية أن الإسلام دين ينكر الآخر ويسعي إلي التخلص منه . فما ردكم؟ ** تعتبر هذه التهمة الباطلة أحد الركائز الأساسية للحملة البشعة التي يطلقها الغرب ضد الإسلام والمسلمين لأنهم يصورون الإسلام علي أنه العدو اللدود للحضارة الغربية والمصارع العنيد لها.أما سببها فهو أن الفكر الغربي يؤمن بضرورة فرض نمط الحضارة الغربية علي شعوب العالم بالقوة والتخلص من كل أشكال الأنظمة القديمة ونتيجة لذلك فقد ظهرت دعوي صدام الحضارات ونهاية التاريخ والنظام العالمي الجديد وكل ذلك يصب في إناء الحضارة الغربية وينتهي إليها. الموقف الأمريكي ** ما تفسيركم للموقف الأمريكي المعادي لنا والمتعالي علينا ؟ ** لا يتردد الأمريكيون في تعميق الخلاف بينهم وبين الآخر أو بين الغرب الذي يسميه الأمريكيون ¢عالمنا¢ وبين الشرق الذي اعتبروه جزءًا متخلفًا من العالم وقد كان الغربيون عندما يشيرون إلي العالم الخارجي يقولون:¢ هذا العالم الذي يقع هناك¢. ميراث العداء ** هل تري أن هذا العنصرية التي تظهر أحيانا في تصريحات مسئوليهم وهي موجودة دائما في تصرفاتهم تجاهنا؟ ** بالتأكيد بدليل أن ¢كارل برث¢ عندما كتب عن الحالة الدينية لأوروبا لم يشر إلي الأديان غير النصرانية إلا نادرًا. وعلي سبيل إظهار الخلفية التاريخية للأديان السائدة في أوروبا. وحتي القرن التاسع عشر كانت أوروبا تعيش في عزلة دينية ولا تري وضعًا ¢للآخر¢. ففي عام 1860م علي سبيل المثال عقد أكبر مؤتمر تمثيلي علي أعلي مستوي بمدينة ¢ليفربول¢ بإنجلترا. في هذا المؤتمر لم ترد أية إشارة إلي ديانة أخري غير الديانة المسيحية. ومن اللافت للنظر في هذا المؤتمر أن أحد المنصرين العاملين في الهند وفي بعض البلدان الأخري الخاضعة للاستعمار الغربي آنذاك لم يشر إلي ديانات هذه البلاد وكما يقول ¢ديفيد لوك هيد¢ فإن معرفة الغرب بالديانات الأخري كانت نتاج العزلة والاستعلاء. حتي في عصر تعدد الثقافات والعرقيات في أمريكا والدول الغربية فإن هذه المعرفة الغربية بالديانات الأخري لا تزال نتاج ثقافة العزلة الاجتماعية .وفي العام نفسه نشر قسيس إنجليزي كتابًا في إنجلترا قسم فيه الديانات إلي أربعة أصناف هكذا أسماهم: 1⁄4 الديانات الوثنية وتشمل الديانات القديمة للإغريق والرومان الديانات الحالية أو السائدة وتعني الهندوسية والبوذية. 1⁄4 اليهودية التي حرفها الأحبار. 1⁄4 المحمدية يعني الإسلام والذي يطلق عليه الكاتب ¢أكبر ديانة شرقية منتحلة كاذبة¢. 1⁄4 المسيحية ويقول عنها الكاتب ¢ديانة الإله الواحد¢ وهي تقف بعيدًا وبمعزل عن الديانات الأخري لأنها الديانة الإلهية الوحيدة وأما الديانات الأخري فهي من صنع الإنسان. والمسيحيين وحدهم هم الذين يعرفون الحقيقة وكل شعوب العالم ينتظرون حالة من الجهل لكي يسمعوا كلمة الحق .هكذا الكلام واضح في الحكم علي سائر الشعوب غير الغربية بالجهل والضلالة. ومن المفيد لإبراز هذا الموقف تجاه الشعوب غير الغربية المسيحية. تراث أدبي ** لكن هذا موجود في تراثهم الأدبي . أليس كذلك؟ 1⁄4 بالطبع بدليل ما أجراه ¢هنري فيلدينج¢ علي لسان أحد شخصيات روايته: ¢عندما أقول الدين فأنا أعني الديانة المسيحية. . وعندما أقول الديانة المسيحية ¢ وبالتالي فإن إنكار الآخر أو معاداته إلي حد التعصب يكاد يكون أحد سمات الثقافة الغربية حتي في عصر العلمانية وفصل الدين عن الدولة. والآخر في الثقافة المسيحية الغربية لا يعني بالضرورة غير المسيحي فقد بلغ الصراع بين الطوائف المسيحية في الغرب مبلغه من العنف والإرهاب حتي أن الموتي كانوا يحاسبون ويحرق رفاتهم بل كان الإنسان يقتل لمجرد رأي أو لاكتشاف توصل إليه. بدليل الحروب التي وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت . وكذلك الصليبيين الذين جاؤا من الغرب لاستعمار الدول العربية وبتخليص بيت المقدس بزعمهم كانوا ينظرون إلي المسيحيين العرب نظرةً دونيةً ويتهمونهم بالتجسس عليهم لصالح المسلمين ولم يبد الصليبيون أي عاطفة دينية نحو مسيحي العرب ومسيحي الشرق بشكل عام وقد اضطهد الرومان المسيحيين المصريين وضيقوا عليهم الخناق حتي ألجأوا القساوسة والرهبان المصريين إلي الصحاري ليلوذوا بالكهوف والغارات واستمر هذا الحال حتي جاء الفتح الإسلامي فاستدعي عمرو بن العاص البطريارك بنيامين "39ه - 659م" واستقبله في موكب مهيب حتي أجلسه علي كرسي الكنيسة القبطية المصرية الذي غاب عنه ثلاثة عشر عامًا وقد وضع الغرب محمدًا رسول الله صلي الله عليه وسلم هدفًا لهجومهم الذي خرج عن حد الإنسانية لكي يبغضوه إلي عامة الأوروبيين ويجمعوا الجيوش علي محاربة المسلمين. تعصب أعمي ** معني هذا أن الغرب المسيحي نتعصب حتي علي أبناء ديانته غير الغربيين؟ 1⁄4 نعم بدليل أن الكنيسة الغربية اعتبرت أي مخالفة لمعتقداتها تستوحي المروق من الدين وتعرض صاحبها لأقصي أنواع العذاب بتهمة الهرطقة بل لقد كان يحتفل بهذه المجازر وتوضع صورها علي جوار الكنائس وفي كثير من البلدان المسيحية كان غير المسيحيين يجبرون علي دخول المسيحية أو ينفوا من البلاد كما جري في المجر علي سبيل المثال علي يد الملك ¢شارل روبرت¢ عام 40م. وفي أسبانيا أصدر المجمع السادس في طليطلة مرسوم حرمت فيه الكنيسة كل المذاهب غير المذهب الكاثوليكي. حدث ذلك قبل الفتح الإسلامي وبعد خروج المسلمين من الأندلس جاءت محاكم التفتيش فبلغت الذروة في نشر الإرهاب بين غير الكاثوليك .وهذه أمثلة قليلة من تاريخ طويل للاضطهاد للآخر والعمل علي التخلص منه. التعميم مرفوض ** لكنكم تحذرون من التعميم؟ 1⁄4 ومازالت أؤمن أن التعميم خطا كبير إذ ينبغي ألا نقع في خطأ التعميم فنتصور أنه لم يوجد في الغرب نماذج كثيرة ممن يتسمون بالتسامح والتواصل مع الآخر ومع هذا نجد ثقافة الغالبية أن الإسلام يتهم من قبل خصومه والمشنعين عليه في الغرب بأنه دين ينفي الآخر ولا يعترف به. والآخر كما هو في التصوير الغربي يعني النقيض أو الضد وهنا نتذكر نظرية ¢هيجل الفيلسوف الألماني¢ في حتمية الصراع بين الشيء ونقيضه هذا الصراع يعبر عنده عن حقيقة الوجود وعن الواقع. وقد سبقه ¢هرقليطس¢ إلي تصور الوجود باعتباره حاملاً للأضداد وجاء ¢كارل ماركس¢ فتبني هذه النظرية وطبقها فيما يعرف بصراع الطبقات وحتمية انتصار البروليتلية أي طبقة العمال. وأخيرًا ظهرت دعوي صدام الحضارات ومقولة نهاية التاريخ والنظام العالمي الجديد التي تحاول الولاياتالمتحدة تطبيقها عمليًّا علي أرض الواقع لغرض سيادتها وهيمنتها علي العالم.